السيد حسن النقيب الأديب البليغ اللسن السيد النجيب حسن
قوم إذا حضروا النداء تميزوا ... بعلو مرتبة ونور جبين
الوارثين المجد عن آبائهم ... والحاملين العلم عن سحنون
شيخ الأدب، الراقي لأعلى الرتب. ذو الكلام الرائق، والكمال المتناسق، والمجد الراسب، والهطل المتعاقب. والحسن المطوي للحسب، والطراز المذهب للأدب. الذي تستفيد منه العيون بهجة، والألسن فصاحة ولهجة. قد رتبه الكمال أحسن ترتيب، وذهبه الشرف أروق تذهيب، وبوبه الفضل أغرب تبويب. فلله دره ما أحقه بصدر الكمال. وأسبقه إلى مراتب الفضل والمعال.
يورث الخلب نوراً، والفؤاد بهجة وسرورا. ملك أزمة القريض،
ما فيه لولا ولا لوما فتنقصه ... وانما ادركته حرفة الأدب
فكان للنظم بحره الطويل العريض. ظهرت في طلعته مخايل السعادة الموروثة القديمة، فنبتت في ساحته المكارم الأنيقة الكريمة. قد انقض على جنود الأدب، انقضاض النجوم الثواقب فملك أكرم المحامد واستملك أفخم المناقب. فكان له في الأدب الربع العامر، والسبب الوافي الغامر. قد تقنع بالفضل قناع الشمس بالغمام. وأسكر أرباب الأدب بشراب فصاحته، سكر العقول بالمدام. وأدار في البلاغة كئوس، تخجل الشموس، فكأنه العبير في منافحة الأنوار، والهلال في مصافحة الأقمار، له من النظم ما هو كالأسمار، لجميع الأمصار، يغنى عن اللجين والنضار. قد أتيت منه بالرائق الأنيق، الذي يغني عن الشراب والرحيق.
منه ما مدح به حضرة المرحوم والي بغداد أحمد باشا:
باينت زينب والأهلين والولدا ... وشوقهم ليس عني زائلا أبدا
أمست تودعني والدمع منسجم ... والقلب مضطرم والصبر قد بعدا
تقول يا صاح أين العزم فاحصة ... وأي أمر بذا أضحاك منشردا
أهانك الدهر أيضا وهو ديدنه ... بأبناء حيدر من حين الزمان بدا
أم سامك العصر فقرا لو يسام به ... أبناؤه لأضاعوا الرأي والرشدا
أم ليس هذا ولا ذا بل شغفت بمن ... ينسيك إحسانه الأوطان والبلدا
أبن السفارة والأهلون في محن ... وسوء حال وعيش أورث النكدا
هل جائز أن تدعنا في ضرورتنا ... وما لنا كافل نرجوه مستندا
إن كان عزمك يا هذا لنحو فتى ... نرجو بساحته الافلاح والصفدا
فلتسر حملتنا مستسعدين به ... مستبشرين بحال يوجب الرغدا
أجبتها ولسان الحال معتقل ... والدمع منهطل والذهن قد فقدا
لا زال ممتحناً دهري فيوقعني ... في كل رزء يزيح الصبر والجلدا
إني أريد لأسري شاكيا زمني ... وما اعتلاني بؤس الدور مطردا
لدى المشير الذي لا زال مؤتمناً ... من في حماه عن اللوام والحسدا
لو رام ذا الدهر بطشاً في توابعه ... لا يستطيع حياء منه ما قصدا
من بحر أعطافه لو سال جدولها ... نحو امرئ غاض عنه السوء طول مدى
أصحابه بلغوا كل السعود به ... يا ليتني تابعاً في سنة السعدا
أعتاب دولته نيل المرام بها ... من رام آرامه في تربها وجدا
كأنها في أديم الأرض افتتحت ... بوب السماء فنبغي نحوها المددا
كم سائل فاز فيها كل مطلبه ... وعاد مشروح صدر قد شفى كبدا
لعل يعطف في حالي وينجدني ... من غمرة أزهقت روحي كذا الجسدا
يا آصف العصر دستور الأوان ويا ... صدر الزمان ويا نعم الفتى عضدا
فهو الوزير الذي إن أمه أحد ... مستصغرا في حضيض الهون قد صفدا
أقامه بأيادي العز ممتطيا ... أوج السما وذرى الأفلاك ممتهدا
لو شاهد الحاتم الطائي سماحته ... ونال من فضله الطامي الأنام يدا
ودام يبذل ذاك الفضل مبتغيا ... نشور جدواه لاستوفى وما نفدا
من نال إحسانه لا يشتكي ألما ... إلا تزايد حساداً وقهر عدا
يا اكرم الناس يا من ليس سائله ... مخيباً زادك المولى غنى وندى
عمت مواهبه الأقطار قاطبة ... ساهمتها للورى عدلا ومقتصدا
وظل في ذمة الإحسان مطلبنا ... أسرعت مسترجياً للعطف مصطفدا
عطفا على هالك جار الزمان به ... وقد أتى مستجيراً فيك معتمدا
يا أحمد الخلفا يا نخبة السلفا ... يا مرجع الشرفا يا خير ملتحدا
أوصافكم وأياديكم إذا أحد ... أطرى بها ليس يستقصي وان جهدا
فالحتم في ذمتي تعقيب مدحكم ... أزكى الدعاء بجد القلب ينتشدا
استودع الله صدراً لو يماثله ... في حسنه البدر فوق الشمس لاستندا
أشبه الشمس بالإشراق طلعته ... لو لم يكن لفظها أثنى كما وردا
لا تزعمن هلالا ما يبين على ... ذيل السماء جديداً نحو ما عهدا
أيضاً هو البدر لكن في تقابله ... وجه الخليفة أمس ذا بلا حسدا
ندعو آله البرايا أن يمكنكم ... في مسند العز والإجلال منفردا
نطع الخلافة لا زالت مشرفة ... من لثم أرجلكم مغبوطة أبدا
أمدك الله إجلالا بلا أمد ... دامت صل الكاشح اللاحي وتب يدا
أدامك الله طول الدهر قاطبة ... وما يلي بعده مستغرق الأمدا
ومن شعره مصدرا ومعجزا لخمرية أبي نواس:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... واترك فآخره بغض وشحناء
وذر دواء التي أمر الشفاء بها ... وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... ولا يلم بها بأس وضراء
ان سر منها خمود الطبع لا عجب ... إن مسها حجر مسته سراء
من كف ذات حرفي زي ذي ذكر ... تغنيك عن أمرد عن بكر حسناء
يميل في حبها صنفان يا عجبا ... لها محبان لوطي وزناء
قامت بإبريقها والليل معتكر ... بحيث لو كان بيض قيل سوداء
كأنها كوكب أنواره سطعت ... فظل من وجهها في البيت لألاء
فأرسلت من فم الإبريق صافية ... تروي صفا وجهها من كف خضباء
تسبى الهموم بجهر والحجا بخفا ... كأنما أخذها للعقل إغفاء
رقت عن الماء حتى ما يلائمها ... ماء العذيب صفاء بل خليطاء
ان قلت روح فما أخطى تماثله ... لطافة وخفي عن شكلها الماء
فلو مزجت بها نوراً لمازجها ... وصار منها بتلك الحال إجراء
وها على الفور تغدو جلب حابلة ... حتى تولد أنوار وأضواء
دارت على فتية دار الزمان لهم ... والدهر طاع لهم في الشان كسراء
وما يخافون من بأس ومن خطر ... فما يصيبهم إلا بما شاءوا
لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلة ... وقاعة ثويت فيها الاخلاء
أجري دموعي عليهم لا على بقع ... كانت تحل بها هند وأسماء
وقل لمن يدعي في الحب توسعة ... كلا فدعواك تزوير واغراء
لو كنت صبا لما أصبحت مكتئباً ... حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء
وممن صدر وعجز هذه الأبيات أحد المترجمين فيما بعد الحاج قاسم الجليلي رحمة الله عليه وهو:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... واترك فديتك ما طب الأطباء
تنفس الصبح قم للكأس مبتدراً ... وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... ولا يمازجها هم ولا داء
كالروح تجري بمجرى الدم نشأتها ... إن مسها حجر مسته سراء
من كف ذات حر في زي ذي ذكر ... إسقفة من بنات الروم عذراء
إن أقبلت ملكت أو أدبرت فتكت ... لها محبان لوطي وزناء
قامت بإبريقها والليل معتكر ... والكأس في يدها نجلاء حوراء
وأسفرت عن محياها ذوائبها ... فظل من وجهها في البيت لألاء
وأرسلت من فم الإبريق صافية ... من عكس وجنتها في الكأس حمراء
لها دبيب بلطف غير مزعجة ... كأنما أخذها للعقل إخفاء
فقل لمن يدعي في الحب توسعة ... ظللت عما به فاز الأحباء
ظننت علمك يغني عن مداركها ... حسبت شيئاً وغابت عنك أشياء
وكنت قد صدرته وعجزته وهو:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... واترك فذلك تنكيد واغواء
أدر كئوس الطلا يا صاح في عجل ... وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... ولا يرى الهم من في فيه صفراء
عتيقة الدن للأفراح جالبة ... إن مسها حجر مسته سراء
من كف ذات حرفي زي ذي ذكر ... كالسمر إن خطرت حسناء سمراء
وردية الخد تسبي قلب عاشقها ... لها محبان لوطي وزناء
قامت بإبريقها والليل معتكر ... فما شعرنا بها هيفاء عذراء
فأسفرت شعرها عن ليل طرتها ... فظل من وجهها في البيت لألاء
فأرسلت من فم الإبريق صافية ... تحكي بريق الثنايا الغر شمطاء
ولو دعت خمرة من خدها عصرت ... كأنما أخذها للعقل إخفاء
رقت عن الماء حتى ما يلائمها ... طبعا فحاكت لذا غيث وأنواء
رقت وراقت فلم تحك محاسنها ... لطافة وخفي عن شكلها الماء
فلو مزجت بها نوراً لمازجها ... ولم تر في جوار الحان صهباء
دارت على فتية ذل الزمان لهم ... فهم بذلك أموات وأحياء
فما يغرنك ما يبدون من سكر ... فما تصيبهم إلا بما شاءوا
لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلة ... ترقى إليها بنو الآمال علياء
ولا على بقعة خضراء زاهية ... كانت تحل بها هند وأسماء
فقل لمن يدعي في الحب توسعة ... عين المحب عن المحبوب عمياء
رجوت وصلا ولم تخش الفراق إذا ... حسبت شيئاً وغابت عنك أشياء
ترجم له صاحب منهل الاولياء 243/1 السيد حسن ابن السيد خليل البصير النقيب سابقا، والمفتي الان، عالم ماهر أخذ العلم عن الشيخ عبد الله ورحل الى بغداد، والى القسطنطينية وجمع علوما جمة، وفضائل شتى، وناظر وباحث، وقرأ على شيخ الوقت صبغة الله الحيدري. وتضلع بانواع الفنون، وولي منصب الفتوى بعد ابن عمه عبيد ابن فخر الدين، فانتفع به الخاص والعام وما احقه بقوله
وله اليد الطولى في علم النقطة. ومحاضراته ولطائفه ومداعباته اكثر من ان تذكر، واشهر من ان تبين. ونظمه في غاية اللطف والظرف فمن شعر البديع قوله من قصيدة طويلة وذكر ابياتا ستة من القصيدة الدالية التي سيذكرها المؤلف
وتوفي رحمه الله في غرة محرم الحرام من شهور سنة اثنتين ومائتين بعد الالف. وكان عمره اثنتين وسبعين سنة
كتاب الروض النضر في ترجمة ادباء العصر -الجزء الاول-عصام الدين عثمان بن علي بن مراد العمري-356-365