فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار
ولد الإمام بمدينة السالمية مركز قرة بمحافظة كفر الشيخ في 20 أكتوبر سنة 1910م، وحفظ القرآن وجوده ثم التحق بمعهد دسوق الديني، وبعد نجاحه بمعهد دسوق ألحقه والده بمعهد طنطا ليكمل فيه دراسته الثانوية، وكان شغوفا بالتأليف فألف رواية اسمها (بؤس اليتامى) فأثار عليه حفيظة أساتذته لاشتغاله بالتأليف وهو عيب كبير في نظرهم أجرى معه تحقيقا كانت نتيجته أن ترك معهد طنطا إلى معهد الإسكندرية حيث وجد فيه عقولا متفتحة تشجع المواهب الفكرية.
أتم دراسته بمعهد الإسكندرية ثم التحق بكلية أصول الدين وتخرج فيها بتفوق سنة 1949م، وتم تعيينه مدرساً بها فجذب إليه الطلبة ولفت نظر الأساتذة وفي سنة 1949م، اختاره الأزهر في بعثة تعليمية إلى إنجلترا فانتقل بين الجامعات الإنكليزية حيث نال منها من العلم الكثير ثم استقر بكلية الآداب بجامعة أدنبره، ونال منها الدكتوراه بتفوق، وعاد بعدها أستاذا بكلية أصول الدين، وفى سنة 1955م، رشحته ثقافته ليكون مديرا للمركز الثقافي الإسلامي بواشنطن وقام بشؤون المركز خير قيام وجعله مركز إشعاع لجميع الطوائف الدينية في أوربا، واستطاع الإمام بيصار أن يحظى باحترام وتقدير جميع الطوائف، وظل يدير المركز لمدة 4 سنوات، وبعدها عاد إلى مصر أستاذا بأصول الدين، وفي سنة 1963م، اختاره الأزهر رئيسا لبعثته التعليمية في ليبيا فواصل مجهوداته في نشر الدعوة الإسلامية هناك.
وفي سنة 1968م صدر قرار جمهوري بتعيينه أمينا عاما للمجلس الأعلى للأزهر فاستطاع بثقافته العالية وخبرته العملية أن ينهض بأعباء هذا المنصب الهام وأدى واجبه على أكمل وجه.
وفى سنة 1970م صدر قرار جمهوري بتعيينه أمينا عاماً لمجمع البحوث الإسلامية واستطاع في هذا المنصب أن يقوم بنهضة علمية كبرى، وأشرف على إصدار عشرات المصنفات العلمية القيمة، وتحقيق طائفة من أمهات مصادر التراث الإسلامي الخالد.
وفى سنة 1974م، خلا منصب وكيل الأزهر فكان من الطبيعي أن تتطلع العيون جميعها إلى الشيخ بيصار، فصدر قرار جمهوري بتعيينه وكيلا للأزهر، ووكيل الأزهر هو المعاون الأول لشيخه والمتولي تنفيذ قراراته، والقائم بعمله حين غيابه أو مرضه وكان الدكتور بيصار الساعد الأيمن للدكتور عبد الحليم محمود وموضع ثقته، وكان يستشيره في الأمور المهمة ويأخذ برأيه ولهذا طلب تجديد خدمته أكثر من مرة إلى أن صدر قرار جمهوري بتعيينه وزيرا للأوقاف وشؤون الأزهر في 15 من أكتوبر سنة 1978م، وفي آخر يناير سنة 1979 صدر قرار آخر بتعيينه شيخا للأزهر بعد وفاة الشيخ عبد الحليم محمود.
استهل عمله بتأليف لجنة كبرى لدراسة قانون الأزهر ولائحته التنفيذية ليستطيع الأزهر الانطلاق في أداء رسالته العالمية الكبرى ونظرا لثقافته العلمية الواسعة عهدت إليه الحكومة السودانية إنشاء الدراسات العليا بجامعة أم درمان الإسلامية، فأقامها على أسس علمية إن دلت فإنما تدل على عقلية علمية واسعة وثقافية واعية متنوعة.
بدأ عمله في مشيخة الأزهر بدراسة قانون تطوير الأزهر ولائحته التنفيذية لتعديله بما يحقق له الانطلاق دون معوقات في أداء رسالته الداخلية والعالمية، فنجح في إرساء قواعد المنهج الفلسفي والعلمي في الأزهر ونهض به نهضة سجلها التاريخ له.
وقد تخصص الإمام في الفلسفة الإسلامية ودرس جوانب هذه الفلسفة دراسة علمية دقيقة وتعمق في بحث وجوه الخلاف بين الفلاسفة وعلماء الكلام والصوفية وسجل هذه البحوث في كتبه ومحاضراته، وخرج من هذه الدراسات بنتائج هامة لخصها في بحث ممتع ألقاه في المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في 28 من فبراير سنة 1970م، وكان عنوان البحث (إثبات العقائد الإسلامية بين النصيين والعقليين) ويتخلص البحث في أن مناهج الباحثين الإسلاميين في إثبات العقائد تتلخص في ثلاثة مناهج وهي، منهج المتكلمين الذين يعتمدون على النص مع احترامهم للعقل، ومنهج الفلاسفة الذين يعتمدون أولا على العقل مع إيمانهم بالنص، ومنهج الصوفية الذين يعتمدون على الرياضة الروحية والمجاهدة النفسية وخلص من نتائج بحثه إلى أن الحرية الفكرية التي منحها الإسلام لأتباعه في شؤون عقيدتهم تأتي تحت ضوابط أساسية هي:
حث القرآن الكريم الإنسان على التأمل والتفكير في ملكوت السموات والأرض، إشادة الإسلام بفضل العلم والمعرفة وتعظيمه لشأن العلماء، رد شبهات الوافدين علىالإسلام والمنحرفين عنه بمنطق عقلي رشيد.
منهجه التربوي:
اتخذ الإمام المنهج التربوي بجانب منهجه الفلسفي فعني بالبحوث والدراسات الفلسفية وبالتربية السلوكية فأخرج بحثا قيما ألقاه في المؤتمر الثامن لمجمع البحوث الإسلامية بعنوان دور المؤسسات في بناء شخصية المسلم.
مكانته العلمية:
امتاز الإمام الأكبر بمواصلة البحث والدراسة في أدق المعارف الفلسفية والعلمية وصياغتها في أسلوب واضح دقيق يصل إلى العقول من أيسر الطرق، وترك للمكتبة الإسلامية العديد من المؤلفات العلمية القيمة وأهمها:
- الوجود والخلود في فلسفة ابن رشد.
- والعقيدة والأخلاق في الفلسفة الإسلامية.
- الحقيقية والمعرفة على نهج العقائد النسفية.
- تأملات في الفسلفة الحديثة والمعاصرة.
- العالم بين القدم والحدوث الوجوب.
- الإمكان والامتناع.
- شروح مختارة لكتاب المواقف لعضد الدين الأبجي.
- تعليقات على شرح قطب الدين الرازي الإسلام بين العقائد والأديان.
- الإسلام والمسيحية.
- رسالة باللغة الإنجليزية عن الحرب والسلام في الإسلام.
- ورجلان في التفكير الإسلامي وهي دراسات عن حجة الإسلام الغزالي وإمام الحرمين الجوني.
رحم الله الإمام وأئمة الأزهر جميعهم لما قدموه إلى الأزهر والإسلام وإلى الأمم الإسلامية جميعها رحمة واسعة وجزاهم الله عن أعمالهم خير الجزاء.
شيوخ الأزهر تأليف سعيد عبد الرحمن ج/5 – ص 37 - 40.