الشيخ الإمام عبد الرحمن تاج
ولد الشيخ الدكتور عبد الرحمن تاج سنة 1896م بأسيوط، ونشأ بها فحفظ القرآن الكريم وهو في سن العاشرة من عمره، ثم جوده وتلقى قراءاته على يد كبار القراء، وانتقل بعد حفظه القرآن إلى الإسكندرية مع أسرته، والتحق بالسنة الثانية الابتدائية بمعهد الإسكندرية سنة 1910م، وكان يمتاز المعهد بسمعته الطيبة لما يحويه من أساتذة عظماء في كل فروع العلم، وظهرت نبوغة الشيخ داخل المعهد، وكان حريصا على أن يقرأ الدروس قبل أن يتلقاها على أساتذته حتى ذاع صيته بينهم لدرجة أنهم أتاحوا له أن يلقي الدروس في آخر كل أسبوع على الطلبة أمامهم نيابة عنهم، وكان ترتيبه الأول في معظم مراحل التعليم حتى نال شهادة العالمية سنة1923م، وكان أول الفائزين في هذا العام.
كانت حركة الإصلاح في الأزهر قد بدأت وصارت قائمة على قدم وساق، وكان من نتائج هذه الحركة إلغاء مدرسة القضاء الشرعي، وإقامة قسم للتخصص في القضاء الشرعي، فالتحق به وحصل منه على شهادة التخصص سنة 1921م، وبعد ذلك حصل على شهادة الثانوية، وتم تعيينه بمعهد أسيوط الديني وظل به حتى نقل إلى القاهرة مدرساً بمعهد القاهرة سنة 1931م، وفي1933م عين مدرساً بقسم التخصص للقضاء بكلية الشريعة الإسلامية، وفى سنة 1935م، عين عضوا بلجنة الفتوى ممثلاً للمذهب الحنفي مع قيامه بعمله في كلية الشريعة.
وفي سنة 1936م، وقع الاختيار عليه ليكون عضوافي بعثة الأزهر إلى جامعة السربون بفرنسا، فصحب أسرته معه، فدرس اللغة الفرنسية وأجادها ثم واصل دراسته الجامعية وكانت الحرب العالمية قد بدأت واشتدت، فلم تعقه أعباء الأسرة ولا أهوال الحرب عن التعمق في دراساته حتى نال الدكتوراه في الفلسفة وتاريخ الأديان عن بحثه القيم (البابية والإسلام) سنة1942م، وعاد من باريس سنة 1943م فعين مدرسا بكلية الشريعة في قسم تخصص القضاء الشرعي وعضوا بلجنة الفتوى كما كان، ثم سكرتيرا فنيا لها ثم عين مفتشا للعلوم الدينية والعلوم العربية بالمعاهد الدينية، ثم قائما بإدارة كلية الشريعة، ثم بإدارة معهد الزقازيق، ثم عين شيخا للقسم العام والبعوث الإسلامية بالأزهر ومشرفا على بعث البعوث الدينية للأقطار الإسلامية، فوضع الأسس الدقيقة الكفيلة بتحقيق الغاية من هذهالبعوث، وفى هذه الأثناء كتب رسالته القيمة في (السياسة الشرعية) حيث نال بها عضوية جماعة كبار العلماء سنة 1951م، ثم اختير أستاذا للشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة عين شمس مع بقائه عضوا بجماعة كبار العلماء وعضوا بلجنة الفتوى، ثم وقع عليه الاختيار ليكون عضوا في لجنة الدستور إلى أن أتمت عملها، وفي أثناء ذلك صدر مرسوم جمهوري بتعیینه شيخاً للأزهر سنة 1954م.
ومن آثاره النافعة في النهوض بالأزهر أنه قرر تدريس اللغات الأجنبية فيه، وعني بإصلاح النظم الإدارية وقواعد الامتحانات به، وفى عهده تم الإنفاق على إنشاء مدينة البعوث الإسلامية لسكنى الطلاب الوافدين للدراسة بالأزهر من شتى أقطار الأرض وتضم 41 عمارة ومسجدا ومكتبة وعيادة طبية ومطابخ ومرافق وساحات للألعاب الرياضية.
كان أول من فكر في إدخال نظم التربية العسكرية بالأزهر، وظل شيخا للأزهر حتى صدر قرار جمهوري بتعيينه وزيرا في اتحاد الدول العربية عند قيامه 1958م إلى أن ألغت الجمهورية العربية المتحدة (جمهورية مصر العربية) هذا الاتحاد سنة 1961م وفي سنة 1963م انتخب عضوا بمجمع اللغة العربية في مكان المرحوم الأستاذ إبراهيم مصطفى، ثم اشترك فيه في لجنة القانون والاقتصاد ولجنة الأصول ولجنة المعجم الكبير ثم اختير عضوا بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وظل يواصل عمله في صبر وأناة بمجمع اللغة ومجمع البحوث الإسلامية وكتب أبحاثاً قيمة ودراسات عميقة في تفسير القرآن الكريم وعلوم اللغة، وصحح بها كثيرا من الأخطاء الشائعة
في سنة 1955 تلقى دعوة رسمية من سوكارنو رئيس جمهورية أندونيسيا لزيارتها والمشاركة في احتفالها بعيد استقلالها بوصفه شيخا للأزهر مع من يختاره من العلماء لصحبته، وفى الوقت نفسه تلقى مجلس قيادة الثورة بمصر دعوة لإرسال وفد للمشاركة في هذا الاحتفال، فتألف وفد بقيادة المرحوم جمال سالم، وكان عضوا بارزا بمجلس قيادة الثورة ونائبا لرئيس الجمهورية وكانت فيه حدة وعنف، وسافر الوفدان في طيارة واحدة وهبطت الطائرة بالوفدين في مطار كراتشي في باكستان، فاستقبل الباكستانيون وفد الأزهر استقبالا منقطع النظير، وأقام جماعة علماء الباكستان سرادقا كبيرا للحفاوة بهذا الوفد، وأعدوا للإمام سيارة مزينة بالزهور والورود، وغمروا الوفد بمظاهر الحفاوة والتكريم، ولم يهتم الشعب ولا العلماء باستقبال الوفد الآخر وتكرر هذا الموقف في كل بلد نزل فيه الوفدان، حتى وصلا إلى جاكرتا، فاستقبل الشعب الاندونيسي وزعماؤه وفد الأزهر أروع استقبال ولم يطق جمال سالم صبرا فتحدث إلى الشيخ الإمام قائلا له: أنا رئيس الوفدين أم أنت؟.
فقال له الإمام: كل منا رئيس فيما جاء من أجله.
فقال جمال سالم: لابد من عودة حفنة الفقهاء الذين حضروا معك إلى القاهرة، فقال له الإمام: هؤلاء علماء أفاضل حضروا لنشر الثقافة الإسلامية، فإما أن أعود أنا وهم، وإما أن نبقى جميعا..(وأصر الشيخ على بقائه مع وفده) وهنا انفصل كل وفد عن الآخر.
ولما عاد الوفدان إلى القاهرة تحدث الإمام إلى الرئيس جمال عبد الناصر بما حدث فاعتذر إليه وطيب خاطره.
وفى سنة 1957م حاول السيد (علي صبري) التدخل في شؤون الأزهر اعتماداً على سلطاته التي منحها إياه رئيس الجمهورية، فأبى الشيخ الخضوع لهذا التدخل وقاومه في إباء وظل يقاومه، حتى تم تعيينه وزيرا في اتحاد الدول العربية في أول سبتمبر سنة 1958م فترك الأزهر، وكان هذا الاتحاد يضم سوريا واليمن ومصر، وظل وزيرا في هذا الاتحاد حتى تم الغاؤه عقب انفصال سوريا عن مصر سنة 1961م.
بعد إلغاء اتحاد الدول العربية تفرغ الإمام لموالاة جهاده في البحث والدراسة، وبخاصة في مجمع اللغة العربية ومجمع البحوث الإسلامية، فكتب دراسات قيمة في تفسير القرآن الكريم وعلوم الدين، كما صنف أبحاثاً عميقة في علوم اللغة العربية، وظل مستغرقا في أبحاثه ودراساته بضعة عشر عاما، ولم تقعده الشيخوخة ولا المرض ولا أعباء الحياة عن مواصلة دراساته وأبحاثه، حتى لقي ربه راضيا مرضيا فييوم السبت الثلاثين من ربيع الأول سنة 1395هـ الموافق الثاني عشر من أبريل سنة 1975م عقب فراغه من صلاة المغرب وهو يستغفر ربه مسبحا حامداً مكبرا
فقضى حياته مجاهدا بقلمه ولسانه في سبيل الله، ولقي ربه وهو في ختام الصلاة.
مؤلفاته:
ترك الإمام لنا ثروة علمية قيمة بالعربية والفرنسية، بعضها مطبوع وبعضها منسوخ في مجمع البحوث الإسلامية أو منشور في مجلة (مجمع اللغة العربية) أو في مضابط الجلسات، ونستطيع الإشارة إلى ما تيسر لنا علمه أو الاطلاع عليه منها وهو:
- البابية وعلاقتها بالإسلام - بالفرنسية - وهي رسالته التي نال بها درجة الدكتوراه من جامعة السربون.
- (لا) التي قيل أنها زائدة في القرآن الكريم وليست كذلك: (بحث قيم نشره الإمام في - مجموع البحوث والمحاضرات - في دورة المجمع اللغوي الثالثة والثلاثين سنة 1966 – 1967م، ص 37-93.
- الواو التي قيل أنها زائدة:
وهو بحث قيم في التفسير واللغة استعرض فيه الإمام أقوال المفسرين وعلماء اللغة، ونشرها في (مجموع البحوث والمحاضرات في دورة المجمع الرابعة والثلاثين سنة 1967 – 1968م، ص 203 – 231.
- الفاء وثم ودعوى زيادتها في القرآن الكريم أو في غيره من فصيح الكلام:
ونشره في (مجموع البحوث والمحاضرات) في دورة المجمع الخامسة والثلاثين سنة 1967 – 1968م.
- إذ وإذا ورأي أبي عبيدة:
نشره الإمام في مجموع المبحوث والمحاضرات في الدورة السادسة والثلاثين في مجمع اللغة العربية سنة 1969 – 1970م، ص181 – 196.
- إن الزائدة وإن النافية وكبوة الفرسان في مجال التفرقة بينهما:
نشره الإمام في مجموعة البحوث والمحاضرات في الدورة الأربعين لمجمع اللغةالعربية سنة 1974م.
- درء مظاهر من الجرأة في تفسير الكتاب العزيز:
نشره الإمام في مجلة مجمع اللغةالعربية ص 24-33 من الجزء الرابع والعشرين في يناير1969م.
- حروف الزيادة وجواز وقوعها في القرآن:
نشره الإمام بمجلة مجمع اللغة العربية ص 21 – 27 في الجزء الثلاثين في نوفمبر سنة1972م.
- الباء الزائدة في فصيح الكلام وفي القرآن الكريم:
نشره الإمام بمجلة مجمع اللغة العربية ص 25 – 35 في الجزء الحادي والثلاثين في مارس سنة 1973م.
- من الدراسات اللغوية في بعض الآيات القرآنية:
نشرها الإمام بمجلة مجمع اللغة العربية ص 23 – 34 في الجزء الثالث والثلاثين في مايو 1974م.
شيوخ الأزهر تأليف سعيد عبد الرحمن ج/4 – ص 36 - 40.