الشيخ الدمنهوري
هو الإمام الشيخ أبو المعارف شهاب الدين أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الشافعي، الحنفي، المالكي، الحنبلي، الدمنهوري.
ولد بمدينة دمنهور عام 1101هـ = 1689م، وهو منسوب إلى مدينته عاصمة محافظة البحيرة وكان يتيماً، فقدم القاهرة وهو صغير السن، ولم يكفله أحد فالتحق بالجامع الأزهر واشتغل بالعلم وجد في تحصيله، واجتهد في تكميله، وأجازه علماء المذاهب الأربعة حتى عرف بالمذهبي، وكانت معرفته بالمذاهب الأربعة أكثر من أهلها قراءة وفهما ودراية، وقد عرف بقوة حفظه، وكانت له معارف في فنون غريبة، كما كانت له معارف عظيمة في سائر العلوم والفنون العربية والدينية، وغيرها كالكيمياء، والطب، والفلك والحساب، والطبيعة، والعلوم الرياضية، وعلم الأحياء، وعلوم الفلسفة والمنطق.
ويتحدث الشيخ بنفسه في ترجمة له عن حياته فيقول: أخذت عن أستاذنا الشيخ علي الزعتري وسيلة ابن الهائم ومعونته في الحساب، والمقنع لابن الهائم، ومنظومة الياسمين في الجبر والقابلة، والمنحرفات للسبط المارديني في وضع المزاول، وأخذت عن سيدي أحمد القرافي الحكيم بدار الشفاء - بالقراءة عليه - كتاب الموجز واللمحة العفيفة في أسباب الأمراض وعلاماتها، وبعضاً من قانون ابن سينا، وبعضاً من كامل الصناعة، وبعضاً من منظومة ابن سينا الكبرى والجميع في الطب، وقرأت على أستاذنا الشيخ سلامة الفيومي أشكال التأسيس في الهندسة، وبعضاً من الجغميني في علم الهيئة وبعضاً من رفع الأشكال عن مساحة الأشكال في علم المساحة، وقرأت على الشيخ محمد الشهير بالشحيمي منظومة الحكيم ومنظومة في علم الأعمال الرصدية، وروضة العلوم وبهجة المنطوق والمفهوم لمحمد بن صاعد الأنصاري، وهو كتاب يشتمل على سبعة وسبعين علماً، ورسالة في علم المواليد أعني الممالك الطبيعية وهى الحيوانات والنباتات والمعادن.
وقد كانت للشيخ اطلاعاته الخاصة التي أتقن ما فيها دون الأخذ عن المشايخ واكتسب الشيخ شهرة عظيمة بين أهل عصره، وذاع صيته حتى قصده الملوك من جميع الأماكن، وقدموا إليه الهدايا القيمة واحترمه ولاة مصر، وهابه الأمراء والكبراء لالتزامه بالصراحة والصدق وقول الحق وعظم هيبته وكبير منزلته وقد كتب عنه الجبرتي قائلاً: هو الشيخ الإمام العلامة المتفنن أوحد الزمان وفريد الألوان أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهوري المذاهبي الأزهري.
وقد تلقى الشيخ الدمنهوري العلم على أيدى خلاصة علماء العصر ومنهم:
الشيخ عبد ربه بن أحمد الديوي شيخ الشافعية، والشيخ أحمد الخليفي، والشيخ أبي الصفاء الشنواني والشيخ عبد الدايم الأجهوري، والشيخ محمد بن منصور الأطفيحي، والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي، والشيخ عبد الوهاب الشنواني، والشيخ عبد الجواد المرحومي، والشيخ محمد الغمري، والشيخ عبد الجواد الميداني، والشيخ محمد بن أحمد الورزازي، والشيخ أحمد بن غانم النفراوي، والشيخ عبد الله الكنكسي، والشيخ محمد بن عبد الله السجلماسي، والشيخ محمد السلموني شيخ المالكية، والشيخ محمد بن عبد العزيز الحنفي الزيادي، والشيخ أحمد المقدسي الحنبلي، والسيد محمد الريحاوي، والشيخ أحمد بن محمد المشتركي، والشيخ منصور المنوفي، والشيخ الزعتري، والشيخ السحيمي، والشيخ علي سلامة الفيومي، والشيخ عبد الفتاح الدمياطي، والشيخ أحمد بن الخبازة، والشيخ حسام الدين الهندي، وحسين أفندي الواعظ، والشيخ أحمد الشرفي، والسيد محمد الموفق التلمساني، والشيخ محمد السوداني، والشيخ محمد الفاسي، والشيخ محمد المالكي.
حج الشيخ الدمنهوري مع الركب المصري عام 1177هـ = 1764م، فاستقبله أهل مكة أحسن استقبال، وأتى حاكم مكة وعلماؤها لاستقباله، فكان الاستقبال كريماً يليق بمكانة الشيخ الدمنهوري وشخصه، وحين عودته من الحج إلى مصر استقبله الناس بنفس الحفاوة التي لقيها في مكة المكرمة، ومدحه الشيخ عبد الله الإدكاوي بقصيدة - يهنئه فيها بالعودة - جاء فيها:
لقد سرنا وطاب الوقت وانشرحت صدورنا حيث صح العود للوطن.
فأنت أمجدنا، وأنت أرشدنا وأنت أحمدنا في السر والعلن.
وكان الشيخ الدمنهوري كريماً، جواداً في ماله يبذله لكل قاصد، وكان من عادته الجلوس للتدريس بمسجد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما في شهر رمضان وكان معروفاً بين تلاميذه، وزملائه من العلماء أنه لا يضع علمه في غير موضعه، ولذلك اتهمه البعض بالبخل في بذل العلم على الرغم من عطائه الوافر ومصنفاته الكثيرة والمتنوعة، وربما يكون السبب الرئيسي في هذه التهمة أن الشيخ الدمنهوري كان لا يضع علمه في غير أهله، ولذا فقد كان ينتقي من يتعلم على يديه حتى يطمئن على ما سعى من أجل تحقيقه طيلة حياته.
تولى مشيخة الأزهر عام 1183هـ = 1768م، وترك مصنفات عظيمة تثبت غزارة علمه، وسعة معارفهن وتنوع ثقافته.
ومن أبرز مصنفات الشيخ الدمنهوري التي عرفناها ما يأتي:
- حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون في البلاغة.
- نهاية التعرف بأقسام الحديث الضعيف.
- اللطائف النورية في المنح الدمنهورية.
- كشف اللثام عن مخدرات الأفهام في البسملة والحمدلة.
- شفاء الظمآن بسر يس قلب القرآن.
- درة التوحيد وهي منظومة شعرية في كلام الكلام.
- عقد الفرائد بما للمثلث من الفوائد.
- الزايرجة (شرح لكتاب كشف الران عن وجه البيان) في التصوف.
- القول المفيد في شرح درة التوحيد.
- شرح الأوفاق العددية (في استنباط آفاق المستقبل).
- منتهى الإدارات في تحقيق الاستعارات.
- كيفية العمل بالزيارج العددية.
- إيضاح المبهم من متن السلم (في المنطق).
- الدرة اليتيمية في الصنعة الكريمة (في الكيمياء).
- سبيل الرشاد إلى نفع العباد، (في الأخلاق).
- رسالة عين الحياة في استنباط المياه، (في الجيولوجيا).
- الفتح الرباني بمفردات ابن حنبل الشيباني.
- منهج السلوك في نصيحة الملوك في السياسة والأخلاق.
- القول الصريح في علم التشريح.
- الأنوار الساطعات على أشرف المربعات، (في الهندسة).
- إحياء الفؤاد بمعرفة خواص الأعداد (في الحساب).
- حسن التعبير لما للطيبة من التكبير (في القراءات العشر).
- طريق الاهتداء بأحكام الإمام والاقتداء على مذهب أبي حنيفة النعماني.
- الزهر الباسم في علم الطلاسم، (وهو رموز سحرية).
- المنح الوفية في شرح الرياض الخليفية، في علم الكلام.
-الكلام السديد في تحرير علم التوحيد.
- القول الأقرب في علاج لسعة العقرب.
- فيض المنان بالضروري من مذهب النعمان.
- إتحاف البرية بمعرفة العلوم الضرورية.
- بلوغ الأرب في اسم سيد سلاطين العرب.
- تحفه الملوك في علم التوحيد والسلوك (منظومة في مئة بيت).
- إقامة الحجة الباهرة على هدم كنائس مصر والقاهرة.
ظل الشيخ الدمنهوري في منصب مشيخة الأزهر حتى وافاه أجله يوم الأحد 10 من رجب عام 1192هـ = 1790م، وصلي عليه بالجامع الأزهر في مشهد حافل مهيب، ودفن بالبستان.
رحم الله الشيخ الدمنهوري الذي كان وحده أمة في العلم والفضل ورفعة المقام.
شيوخ الأزهر تأليف أشرف فوزي صالح ج1/ص56-64.