عبد الباسط الصوفي
(1931م)
إن ما أهدف إليه في رسالتي التاريخية هي تخليد الناشئين من الشعراء والأدباء والمتفننين، ففي تشجيعهم نوع نبيل من التكريم، وهذا واجب يستدعيه حقهم، ومن نتائجه أن تتفجر المواهب المكنونة في قرائحهم وتنضج لتعطي ثمرها أكلاً طيباً قبل الأوان. ومن هؤلاء الشعراء الناشئين الأستاذ عبد الباسط الصوفي الذي أتفرس بما تجود به قريحته وهو في بسمة العمر أنه سيكون شاعراً ساطعاً في سماء الأدب.
مولده ونشأته: هو ابن أبي الخير بن محمد الصوفي، وأصل أسرته من عشيرة التركمان التي هاجرت من التركستان واستوطنت حمص في عهد نور الدين الشهيد سنة 1098م عقب حدوث الزلزال الذي أباد أهل حمص.
ولد المترجم في حمص سنة 1931م، وتلقى دراسته في التجهيز، ثم تخرج من كلية الآداب وأخذ الليسانس في الأدب سنة 1956م.
درَّس في المدارس الابتدائية، ثم اختير للإشراف على القسم الأدبي العربي في الإذاعة السورية للاستفادة من مواهبه الأدبية، واستمر فيها مدة سنتين، كانت رنات صوته وعذوبـة إلقـاء أحاديثـه الأدبيـة تسـتهوي النفوس، وفي أول شهر تشرين الأول سنة 1957م اختارته وزارة المعارف أستاذاً للأدب العربي في تجهيز دير الزور.
شعره: درس الأدب واللغة على أبيه الخطيب المفوه والعالم الموهوب، وأخذ ينظم الشعر وهو فتى يافع، وقد مكنته دراسته واختصاصه بالأدب امتلاك نواصي القريض فأنتج وأجاد وأبدع وأكثر من الغزليات البديعة، وجمع شعره في ديوان مخطوط أعده للطبع. وهذا نموذج من قصيدته (صوت من الماضي) نقتطف منها قوله:
سمراءُ ردِّي الأفق من جفنيك للحلم الشهي
ردي على شفتي أطـياف النشيد العبقري
هذي دروب الفجر غرقى منك بالطيب الندي
وأنا مع الذكرى أهيم كرعشة الألم الغبي
صوت من الماضي تلفت كالخشوع إلى نبي
* * *
سمراء يا أسطورة سكر الجمالُ فكنت سكره
وحدي عبدتُ ضلال قلبي وانطلقتُ أجر وزره
وحدي شربتُ الكأس حتى لا أرى في الكأس فكرة
ومضيتُ أستبق الخليقة مطلقاً ورجفتُ حسرة
وهناك صوت آه يا سمراء لو تدرين سرَّه
ومن قصيدة له بعنوان ذهول قال:
شرب الموعد الخليع على عينيك كأساً من اللظى والنجيع
ما شقاء اللهيب من موقدي المتعب إلا بقية في ضلوعي
هو قلبي طفل الصراع ونفسي نزوات على احتراق الشموع
واستمع إلى قصيدته (خيبة) قال:
كلا وأجفل صوتها الرعديد في الشفتين كلا
من أنت؟ ذاك الشارد الهيمان تطوي العمر ظلا
من أنت؟ صوت شاحب النبرات مجهول أطلا
عينان غائرتان حدقتا وماض قد تولى
شبح يمر على الوجود يداعب الزمن المملا
ليل من الأبد الطويل وصورة بلهاء تتلى
* * *
دعني فثغرك ميت الأسرار مقرور تدلى
وخطاك هدَّتها الرياح ولا أحبك أن تزلا
ما زلت عف الروح في دنيا الهوى ما زلت طفلا
قبل تموت على الجدار وضمة في الليل ثكلى
* * *
كلا وأعماقي تصيح كصوتها الرعديد كلا
أعلام الأدب والفن – لأدهم الجندي – الجزء 2 ص 104.