الشيخ محمد شنن
هو السيد محمد شنن المالكي، الذي ولد عام1056هـ = 1656م تقريباً، وكان مولده بقرية الجدية التابعة لمركز رشيد بمديرية البحيرة، وهي قرية تقع على الشاطئ الغربي لفرع رشيد.
نشأ الشيخ في قريته وحفظ فيها القرآن ثم قصد الجامع الأزهر ليتلقى علومه على أيدي علمائه ومشايخه.
جد الشيخ في تحصيل العلم، واجتهد في حفظ ما يمليه عليه مشايخه وعلماؤه فتقدم في العلم، وجلس في صفوف العلماء، وأصبح ذائع الصيت، وذا ذكر حسن.
وقد اشترك في الفتنة التي حدثت بين فريقي الشيخ القليني والشيخ النفراوي وكان مؤيداً للشيخ أحمد النفراوي، فلما تدخل ولاة الأمر في ذلك صدرت الأوامر بنفيه إلى قريته الجدية، وتحديد إقامة الشيخ النفراوي في بيته.
وقد توفى الشيخ النفراوي أثناء مشيخة الشيخ القليني للجامع الأزهر، الأمر الذي دعا علماء الأزهر للإجماع على تولية الشيخ محمد شنن لمشيخة الأزهر، لأن ثلاثتهم (الشيخ النفراوي والشيخ القليني والشيخ شنن) كانوا الأقطاب الثلاثة في ذلك العصر وجميعهم على المذهب المالكي، الذى كانت المشيخة لا تخرج إلا منه.
كان الشيخ ثرياً ذا ثروة طائلة على عكس ما كان عليه كبار مشايخ الأزهر، وقد قال عنه الجبرتي: كان مليئا متمولاً، أغنى أهل زمانه بين أقرانه، ترك لابنه القاصر موسى ثروة طائلة، كان بها من صنوف الذهب البندقي أربعون، خلاف الجنزولي، والطولي، وأنواع الفضة، والأملاك والضياع والوظائف والأطيان، وكان له مماليك وعبيد وجواري، ومن مماليكه أحمد بك شنن الذى أصبح من كبار حكام المماليك، وصار من كبار ولاة الأقاليم.
وقد أقام الشيخ شنن صديقه الشيخ محمد الجداوي وصياً على ابنه موسى وذلك قبل وفاته.
وقام الشيخ الجداوي بحراسة هذه الثروة على خير وجه، وسلمها إلى موسى ابن الشيخ شنن بعد بلوغه سن الرشد، ولم يمض وقت طويل - كما ذكر الجبرتي - حتى بدد هذا الابن ثروة أبيه جميعها رغم ضخامتها، ومات بعد كل هذا الثراء مديناً فقيراً محتاجاً لا يملك من ثروته شيئاً.
ويذكر المؤرخون أن الشيخ محمد شنن رغم ثرائه العريض وأمواله الطائلة كان غزير العلم، واسع الاطلاع، ولم تصرفه أمواله عن تحصيل العلم ومتابعة تلاميذه، بل كان من كبار الفقهاء، وكان عالماً جليلاً، وفقيهاً مجتهداً، وعلماً من أعلام المالكية في عصره.
وقد أجمع المؤرخون على أنه لم يبحث إلا في كتب التراث العلمي المجيد، وأمهات الكتب النفيسة رغم ما كان له من شواغل ومتابعات لما لديه من أطيان وأموال.
ويذكر بعض المؤرخين قصة طريفة حدثت في زمن مضى ليثبتوا بها مدى إخلاص الشيخ للعلم، وحرصه على تحصيله فيقولون: حدثت مناظرة فريدة بين أبي الوليد الباجي شيخ فقهاء الأندلس، وابن حزم كبير علمائها وفلاسفتها، ودامت المناظرة بينهما ثلاثة أيام أظهر كلاهما فيها براعته، ولكن ابن حزم كانت له براعة جعلته يتفوق على نظيره، فقال أبو الوليد لابن حزم: اعذرني فقد طلبت العلم على مصابيح الشوارع، ويقصد بذلك أنه رغم فقره كان حريصاً على تحصيل العلم وتجميع الثقافة، وأنه بلغ هذا المبلغ من العلم على نور المصابيح المتواجدة في الشوارع، وقد حرمه فقره من اتخاذ مصباح خاص به مشيراً بذلك إلى إصراره وقوة عزيمته، فرد عليه ابن حزم قائلاً: أنا أبلغ منك عذراً، فقد طلبت العلم على قناديل الذهب والفضة، وأراد أن يثبت بذلك أنه رغم أمواله الطائلة التي لابد أن تأخذ منه كل وقته وتشغل عليه تفكيره كان حريصاً على تحصيل العلم، ولم يصرفه هذا الثراء العريض عن الإقبال على البحث والدرس والغوص في أمهات الكتب لتحصيل العلم حتى بلغ مبلغه هذا.
وكان الشيخ محمد شنن ذا مكانة سامية مرموقة لدى الحكام، وقد لاحظ أثناء مشيخته أن بعض جدران المسجد قد أصابها تصدع، فعزم على إصلاح ما فسد، وصعد إلى القلعة حيث يقيم الوالي العثماني على باشا المظلوم، وذلك يوم الخميس الموافق 15 من ربيع الأول عام 1232هـ = 25 من يناير عام 1720 م وقابل الشيخ الوالي، وعرض عليه ما لاحظه في جدران المسجد وقال له: المرجو من حضرتكم تكتبوا إلى حضرة مولانا السلطان، وتعرضوا عليه الأمر، لينعم على الجامع الأزهر بالعمارة، فإنه محل العلم الذي ببقائه بقاء الدولة، وله ولك الثواب من الملك الوهاب.
ولما للشيخ من مكانة سامية أسرع الوالي بتحقيق مطلبه، ليس هذا فحسب، بل طلب الوالي من كبار المشايخ أن يقدموا مذكرات في هذا الشأن لترفع إلى السلطان، وأراد بذلك أن يدعم أقوال الشيخ شنن في هذا الشأن، ويضفي عليها المزيد من الأهمية لما للشيخ من احترام وهيبة لدى العلماء وولاة الأمر.
واشترك الوالي، وكبار الأمراء والمماليك في وضع أختامهم على هذه المذكرات، وعرض الأمر على السلطان أحمد الثالث (1703هـ - 1730م) واستجاب إلى طلب علماء الأزهر، وأوفد بعثة إلى مصر تحمل رده بالموافقة على طلب علماء الأزهر، وترميم ما تصدع من بناية الجامع الأزهر، واعتمد خمسين كيساً ديوانيا من أموال الخزانة للإنفاق على ذلك الإصلاح
وظل الشيخ محمد شنن شيخاً للأزهر يشرف عليه، ويواصل البحث والتدريس حتى توفاه الله، وقد ناهز السبعين من عمره عام1133هـ = 1720م.
وقد اكتفى الشيخ بتدريس المؤلفات المعروفة في عصره، ولم تكن له مصنفات خاصة به، أو لم نعرف عن مصنفاته شيئاً، إذ أغفلت المصادر التي ترجمت له ذكر شيء عن كتبه وتلاميذه، وعلى أيدى مَنْ مِنَ العلماء تلقى دروسه.
شيوخ الأزهر تأليف أشرف فوزي صالح ج1/ص24