نسبه الشريف :
هو سيدنا محمد بن المختار بن عبد الرحمن أفلج الشنقيطي (وشنقيط بالمغرب الأقصى) . وهو شريف أباً وأماً حسني النسب ووالدته تسمى فاطمة العالية أي ا لشريفة .
ميلاده المبارك :
ولد في مدينة تشيت وتربى وقرأ فيها وحفظ القرآن قبل البلوغ بكثير ثم قرأ ما تيسر له من العلم
نشأته الطيبة :
تربى أبوه وأمه على سيدي المختار الكنتي, وكانت أمه عالمة فقيهة أخذ عنها الحديث والعلم وكانا من أولياء الله عز وجل, وبشر والدته بعض الأولياء وهي حامل به إنَّ في بطنك غلاماً هو أعلى مقاما منك ومن والده, قال : وكنت أتعجب غاية العجب حتى أخذت طريقة شيخنا . وأخذ عن نحو من أربعين شيخا ممن أخذ عن الشيخ ولكن أكثر إنتمائه إلى سيدي محمد السقاف وقد انتفع بحاله.
وقد تتلمذ له سيبويية زمانه الشيخ سعد الدين الفلاتي تلميذ سيدي محمد بلو مع كشفه وعلمه وولايته وكان قد عزم على السفر من المدينة المنورة فلما رآه وشاهد أنواره أخرج متاعه من المركب وصحب سيدنا سنة كاملة. واجتمع سيدنا بصاحب منية المريد سيدي التجاني بن باب الشنقيطي وحبيبه في الله سيدي المختار بن تكرور عليهما الرضوان وأقاموا سنة بجوار رسول اللهحتى ماتا فدفنهما.
سنده
أجازه في الطريق الشيخ صالح بن أحمد المدني بالمدينة سنة 1262ه بالإجازة الكاملة
جهوده ونشاطه
ساح كثيراً في البلاد تارة بالتجارة وتارة بغيرها وكان يسافر بأهله وحاشيته ومعهم الخيام العظيمة الفاخرة ينزلون حيث شاء الله فيدعو الناس إلى كرمه ويعلمهم العلم ويعطيهم الطريق وكان من يراه لا يظنه إلا ملكاً عظيماً ووالله ما هو فيه خير من ملك الأرض كلها , وكانت له خيمة كبيرة خاصة بكتبه
قام بالسفارة بين سلطان دارفور وبين الباب العالي بالاستانة ولقي سعيد باشا الخديوي بمصر كما ذكر ولده القاضي سيدي إبراهيم رحمه الله تعالى وأعطاه طريقة شيخنا وكذلك عائلة إخشبة المعروفة بأسيوط وكثير من أعيان القطر المصري إذ عاينوا من كراماته ما يبهرهم وأباح له سعيد باشا أن يأخذ من مكتبته ما شاء من الكتب ففعل فكان لديه مكتبة عظيمة يضرب بها المثل وجعل لها بيتاً خاصاً وأتقن نحوا من ثلاثين لغة. وأما اللغات التي كان يخالط أهلها في الكلام فكثير وكانت الطيور والوحوش تألفه ولا تفر منه كما حكى من شاهد ذلك معه في السياحة وكان كثير البكاء والتضرع والابتهال تكاد تذهب روحه من خوف الله تعالى لا يستطيع أن يملأ جوفه من طعام ولا يستطيع أن يلبث ساعة من غير ذكر وفكر وكانت تتجلى له الحكمة الآلهية في الكائنات وقد حكى أنه كان إذا مر بشجرة يلهم منافعها بمجرد وقوع بصره عليها وكان واسع الثراء غمر الناس برفده وأغرقهم في بحار كرمه لا يبالي بذم الناس ولا مدحهم وكان يفر من الدنيا وهي تتبعه وخرج من جميع ما يملك مرارا وتجرد منها وهي تعود إليه. مرة منها بدارفور مر على القبور فرأى حالة أهلها ورأى قوما يعزفون ويرقصون قريبا منهم فتولاه حال شديد ففرق ماله بأجمعه وأعتق الرقيق كله وخير نساءه ووقع على الأرض منجدلا سبعين صباحا. ومرة أخرى بدارفور أيضا ومرة بمكة طلق الدنيا ولبس جبة مرقعة وصار يسقي الماء على كتفه لا يأخذ من أحد شيئا. ثم رحل إلى سواكن وتوطن فيها مدة وكان يغلب عليه الحال ثم سافر إلى بربر وتوطن بها مدة وظهر فضله وتوالت كراماته وكان بعكس مشايخ الزمان فإنه كان هو الذي يتولى الاهداء لتلاميذه وكان هو الذي يتولى خدمة نفسه وضيفانه بنفسه وشوهدت البركة في طعامه. ومات له في حياته أكثر من ستين ما بين ذكر وأنثى وتزوج ما ينيف على الثلاثين وأما السراري فشئ كثير وترك عشرة أولاد وأربع بنات وكان يصلي التراويح اثنتي عشرة ركعة ويستدل بحديث سيدتنا عائشة رضي الله عنها وكان يكره الأجر على القربات. و قال : مدة إقامتي بمصر كان الشيخ الباجوري يحبني كثيرا ويناديني أقرأ له في سرية الجيش لأنه كان مشغوفا بها حبا وكان يقول لي مداعبا يا شنقوطي فسألته لأي شيئ تقول لي يا شنقوطي فيقول لي أنا أرفعك لا أخفضك. وكان مثال التمسك بالكتاب والسنة ومكارم الأخلاق بلغ الذروة في الشجاعة والكرم والعفة والعدالة ولئن زهد غيره ولم يملك ما يزهد فيه فلقد زهد وقد ملك .
تلاميذه
·منهم العارف الكامل سيدي الشيخ الطاهرالتلب الحيمادي: سلك الطريقة الخلوتية والشاذلية وصحب سيدي السيد محمد عثمان الميرغني وحج وسافر إلى صبيا ببلاد اليمن ولقي بها سيدي احمد بن إدريس ولازمه مدة ودخل نحوا من أربع وستين خلوة وقال له سيدي أحمد بن إدريس فتحك على يد رجل من المغرب تلتقي به في دارفور فسافر إليها ومكث بها يترقب ذلك الشيخ كما أخبره سيدي أحمد بن إدريس حتى جاء سيدي محمد بن المختار وقبل أن يفرغ من حط أحماله مر الشيخ طاهر الحيمادي بطرف البلد فناداه سيدي إبن المختار يا شيخ طاهر يا حيمادي هلم ها أنا ذا الذي أخبرك به سيدي أحمد بن إدريس فأسرع فاخذ عنه الطريق وفتح عليه بمجرد المبايعة الفتح الأكبر فكان عجيبا في أحواله وكراماته وداره دار ولاية وكرامة توفي في زمن الخليفة التعايشي وقبره معروف بأم درمان.
·ومنهم العارف الغريق المتمكن سيدي الشيخ أحمد الهدي: أخذ الطريق قبل أن يصحب سيدي محمد المختار وحصل له جذب شديد وهام في الأقطار وكان يغلب عليه الحال فيفنى عن نفسه فيغشى عليه ويمكث في غشيته وهو ملقى لا يأكل ولا يشرب ولا يفيق أربعين يوماً حتى صحب شيخنا السيد محمد بن المختار فأكمل تربيته وكان إذا تكلم السيد في الحقائق الآلهية بين كبار العلماء لا يزال الحديث يعلو ثم يعلو حتى يسمو على مداركهم فكان يقول أما الآن فأنتم لا تفهمون ما أقول ولكن يفهمه هذا الجماد الجالس ويشير إلى سيدي أحمد االهدي وقد استولى عليه الحال فيظن الناظر إليه أن ليس به حياة. وكراماته كثيرة وأعظم كرامة له أنَّه اجتمع برسول الله يقظة وأوصاه بتلاوة صلاة الفاتح وأمسك بذراعه فبقيت صورة القبضة الشريفة في ذراعه وقد رآها قوم كثيرون. وقد لقي ربه سنة 1301 ه بدنقلا ودفن بمكانه الذي هو فيه الآن تبع مروي.
·ومنهم العلامة الجليل والحبر الفهامة القاضي أحمد عبد الرحمن وكان شيخنا يعامله معاملة خاصة ويكرمه وينوه بشأنه قال : جلت المشرق والمغرب فما رأيت للقاضي أحمد نظيرا في العلم والعمل وزوجه ابنته.
·ومنهم الشيخ علي ولد أحمد عثمان وكان بعض خاصة أصحابه يقول له إني أعرف أبا بكرك ويشير إليه.
·ومنهم الفقيه الشيخ عبد الرحيم الغبشاوي كاتبه الخاص واللسان الناطق الذي كان يحسن التعبير عما يحب الشيخ أن يكتبه (وكان الشيخ يقول عنه كرتوب أي جراب ملآن جواهر) وكان فانيا في سيدنا فإن حُمَّ حُمَّ وإن مرضت عينه مرضت عينه ومن العجائب أن الشيخ أصابته شوكة ففي ذلك الوقت تصادف أن أصابت الفقيه عبد الرحيم شوكة كذلك ومنذ اجتمع بالشيخ ترك أهله وتجرد عن الدنيا ولزم صحبته إلى أن توفي بعده يوم الاثنين 17 ربيع أول سنة 1300ه.
·ومنهم سيدي الشيخ أحمد هاشم وأولاده الشيخ محمد هاشم صاحب المقدمة في مولد سيدنا والشيخ الطيب هاشم مفتي السودان ومؤلف ديوان الفيض الرباني في مدح سيدي أحمد التجاني والشيخ أبو القاسم هاشم شيخ العلماء بالسودان ومؤسس المعهد العلمي بأم درمان. وكلهم من خاصة أصحاب سيدي أبن المختار رضي الله عنهم.
·منهم الفكي الحسن ولد الفكي عبد القادر الجعلي الجودلابي جامع ديوانه ووارداته وعلومه ومعارفه. حدث سيدي السيد محمد (الحفيد) بن السيد محمد بن سيدي محمد بن المختار أن الفكي الحسن قال : لما دفنوا شيخنا السيد وكنت قد سمعت منه في حياته أنه قال الذي يقرأ علي صلاة معراج الحضرات عند موتي هو وارثي فلم يتذكر أحد قول سيدنا غيري فيما أعلم فقرأتها مرة عند احتضاره ومرة عند القبر. وقد ثبت على الطريق كالجبل الراسخ ولما دنت وفاته سافر إلى سيدي السيد إبراهيم بن سيدي السيد محمد بن المختار وكان قاضيا بأبي حمد وقال إنني جئت لأموت عندك وكان كذلك وتوفي سنة 1331ه
·ومنهم العلامة العارف الأمير الشيخ محمد الخير عبد الله خوجلي (الغبشاوي) وبيتهم بيت علم وقراءة وحصل له الفناء بصحبة شيخنا حتى كان في بعض شطحاته يقول قول أبي يزيد والصوفية من أهل السكر ولكن انتهى إلى الكمال بعد ذلك.
·ومنهم الشيخ محمد خير الدوش العالم النحرير بالمتمة حاضرة الجعلييين .
·شيخ الإسلام الشيخ محمد البدوي مميّز علماء السودان .
·شيخ العلماء الشيخ أحمد الأنصاري وكان من جلة العلماء
·والقاضي الطاهر شريف
·الشيخ عبد العاطي بن الحسن
·الشيخ حامد الكناني
·عائلة أبي قصيصة الشهيرة بمدية بربر .
·الشيخ ود مليح .
·الشيخ محمد أحمد الريَّح وهو من أهل الدين الكبار الصالحين
·والشيخ حسين عوض السيد النفيعابي
·والشيخ عباس أحمد عبد الماجد
·الشيخ عبد الماجد الغبشاوي وصيه على أولاده وصهره
·الشيخ الحسن سعد العبادي.
·الشريف حسين المدفون في أبي زبد وقد اشتهرت ولايته وقد كان السلطان حسين سلطان دارفور من أصحابه وكان يلاقيه على مسافة بعيدة بجنوده وقد شاهد المدهشات من كراماته.
·ولده حساً ومعنى سيدي السيد إبراهيم ولقد كان ذا حال عجيب صادق التوكل على ربه يتفجر من جوانبه الحق في الله عن الله مع علم وفهم وذوق وصدق فراسة وتواضع. توفي في جمادي الثانية سنة 1355ه رحمه الله تعالى.
·منهم الشيخ مدثر إبراهيم الحجَّاز وقد حدَّث أنه اجتمع بسيدي ابن المختار وطلب منه تجديد الإذن في الطريق فقال له (جددت لك مت عليها) وتوفي في 21رمضان سنة 1356ه ببربر ودفن بها.
مؤلفاته
وقد ألف سيدي السيد محمد بن المختار الكثير من الكتب منها
·ديوان ترياق الفهوم في شم روائح القطب المكتوم
·ديوان منعش الأبدان بلغة أهل السودان
·مولد إنسان الكمال
·كتاب الواردات وهو الكتاب المدهش الذي فيه من علوم الحقيقة والكشف عن أسرار المعارف العالية الدقيقة ما لا يصل إليه إلا خواص الكُمَّل من أولياء الله رضوان الله عليهم.
وفاته
وأقام سيدنا بجزيرته قرب القوز التابعة لشندي بالسودان وتوفي بها ظهر الأحد 17 شوال سنة 1299ه بعد أن أمر بالقبر أن يحفر والكفن أن يخاط وهو حي. والعارفون من أصحابه يرون أن سبب موته شدة المحبة وكان لا يفتر من مولاة المديح ليلا ونهاراً ودفن شرقي النيل كما أمر ولا يزال بيته فيه الخير والولاية إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى ونفعنا الله به آمين .