(الحاج يوسف بن الحاج موسى بن الحاج قريم سلطان اليخساوى الداغستانى) و يخساى بلدة من بلاد (خاصاب يورت) قد حصّل يوسف اليخساوى العلوم والفنون عن نبغاء عصره وأخذ عن العلامة الشهير سعيد الهركانى وغيره، كان عالمًا فقيها علامة وأديبا كاتبا شاعرا فهامة فريد العصر ووحيد أوانه وله يد واسعة فى العلوم العربية وله آثار ومؤلفات ومن مؤلفاته (الافصاح فى رفع سبب السفاح عن عقود النكاح) بين فيه فساد أنكحة أهل داغستان من منذ أسلموا الى عصره وأن ترجمة النكاح باللفظ الجارى بين الناس ليست ترجمة له لا فى لسان السهل والقموق ولا فى لسان غيره من ألسنة داغستان وقد ردّ عليه العالمان الشيخ محمّد طاهر القراخى والحاج أتل القموقى وألّفا رسائل فى الحط على يوسف اليخساوى ثم قابلهما اليخساوى بالهجو والذم وحط رتبتهما عن مقامهما فى العلم.
وهذا نصّ اليخساوى:
قلنا فيمن يضع العلم وأهله ـ ويرفع نفسه فيعلن جهله
وأحرق فى علم فظنّ يفيده ـ وذاك تآبا عنه وهو يريده
مقـلّد أعناق البرايا قلائد ـ وقد علّق عنها يداه وجيده
ترغّب عن فهم ركاكة لفظه ـ فما الظّنّ فى المعنى وقدّ وريده
ثم قال القراخى ما لفظه:
ثم قلتُ فى كاتب هذه السطور ـ ملتـفـتا من الغيبة الى الحضور:
أترغب عن كل المذاهب معرضًا ـ وتنكر مغزاها فأنت مريب
فقيهًا تعرّى عن حلى عربيّة ـ فأصلٍ لفقهٍ انه لعجيب
يهاج الى صوت الأغانى لطيبها ـ وأنت مغنّ ما سكت تطيب
ثم قال اليخساوى:
ثم لما ساعده أىْ محمّد طاهر القراخى أتل حاجى القموقى ورأيت طِرسيهما وهما عاضان على الباطل بضِرسيهما قلتُ فيهما:
بلادٌ بها كنّا وكنا نحبّها ـ اذ الناس ناس والفهوم صلادٌ
جوادٌ وبرزون اذا ما تسابقا ـ تخلّف هذا والجواد جوادُ
سوادٌ لبعضٍ كالبياض لأهله ـ وبعض بعكس والسّواد سوادُ
تكـلّف تحقيق المناط بزعمكم ـ و فات لكم عما يراد مرادُ
قراخِيّهم ثم القموقى بطِرسه ـ قُرادا بعير والقُراد يزادُ
خذوا حُجَجًا جلّت على رغم أنفِهم ـ وان قلتم ايّها فتلك تزادُ
ولكن كونى مانعًا لى مسهّل ـ واثباتهم فوق السماء سمادُ
فلا للذى قالا مفاد محصّل ـ ولا للذى أبدوا مناخ يراد
ثم قال اليخساوى:
ولما وصّى صاحب هذه المسودة بالأخذ بما فيها بلا اعـتبار منطوق ومفهوم عبارتها والبحث عن مطابقـتها العربيّة بجملتها قلنا:
أنرتكّ الفاظا فتوصى بأخذها ـ وأنت الى تصحيح قولك أحوج
فلا تبد معنى قبل تصحيح لفظه ـ ولن يستقـيم الظل والعود أعوج
ثم قلتُ مخاطبا كلّ فطن ظريف ليجانب أرباب الجهل والتحريف والتصحيف:
لذى العلم ميلٌ الى المبلغ ـ وبالجهل دَوْرٌ على المَيْـلَغ
وصنفان ناس فباغ جهول ـ ومنهم عقولٌ كما ينبغى
فكُنْ مؤمنًا مُتـقـنا تـتّـقى ـ وحاذِرْ شراكًا بمُسْـتولغ
انتهى.
وكتب اليخساوى فى آخر كتابه (الافصاح) هذه الأبيات:
اذا ما يوسف أبدى نفيسًا ـ تَـلَقّـنْهُ بشكر أن هداكا
ولا تجعل تـناطحه مرآء ـ ولن يجدى سوى البؤس مراكا
دراك الحقّ أنى بات واثبت ـ عليه لا عراك ولا حراكا
وكلّ يدّعى وصلا لليلى ـ وليلى لا تقرّ لهم بذاكا
ولم يشهد لهم عدلٌ بوصلٍ ـ فعاد الجهل من عمر عداكا
انتهى.
وقد ألّف الفاضل ميرزه حسن أفندى رسالة صغيرة فى الرّدّ على اليخساوى فى هذه المسئلة كما فى كتابه (جراب الممنون) فليراجعه.
(ومن قصيدته أيضا):
يلام ظلومى على جهله ـ ويلحى جهولى ولم يرهب
وكلّ يميلُ الى شكله ـ كأنس الخنافيس بالعقرب
ومن طبعه لم يكن مسقطا ـ تمارى فأخطأ فى المذهب
فان جاهلا كـنت مسترشدا ـ وان عالما فهمت بالأصوب
وان كنت لا ذا ولا كنت ذا ـ بخنثى تسمّى فقم واغربى
(واعلم) أيضا ان العالم يوسف اليخساوى ألّف رسالة فى هجو الامام شامل أفندى واتباعه وعانده بالسّبّ والطعن وجعل أموره كـلّها فتنة فى الاسلام ومنكرًا فى الدّين.
ولو هاجر هو لدى الامام شامل أفندى وارتدع عن غيّة وباطله وأعانه بنفسه وقلمه لكان له شأن آخر فوق ما يذكر لكان من حزبه المجاهدين فى سبيل الله لاعلاء كلمة الله ولكـنّه غلبه شيطانه ونفسه وحسده والإمام شامل أفندى لا خلاف فى كونه مجدّدًا للاسلام ومجاهدًا فى سبيل الله وقد أثنى عليه علماء الأقطار ولا سيّما علماء الحرمين ومن يطعنه ويذمّه بعد ذلك لا يضرّه بل يزيده قدرًا و رفعة والواجب على المتديّن العاقل الخضوع على الحق و ترك التعصب البارد المهلك فماذا بعد الحق الا الضلال.
ويقال ان الامام شامل لما استسلم الى الرّوسية تجاوز عن بلدة (يخساى) حين ذهابه الى الرّوسية فلقيه يوسف اليخساوى وصافحه معه وطلب منه أن يعفو عمّا صدر منه من الامتناع والهجو وانه كان متحسرًا على ذلك وحزينا وهو الأليق على أهل الانصاف والعلم والله غفور رحيم وكان الامام شامل يعترف على فضل اليخساوى وتقدّمه فى العلم، توفى سنة 1289 رحمه الله).
نزهة الاذهان فى تراجم علماء داغستان - نذير بن محمد حاج الدركيلى الداغستانى