الشيخ حسن علي بن حاجي شاه اللكهنوي
الشيخ الفاضل العلامة حسن علي بن حاجي شاه اللكهنوي المشهور باللندني لطول لبثه بمدينة لندن، ولد ونشأ ببلدة لكهنؤ، وقرأ العلم على أساتذة بلدته، ثم سافر إلى انكلترا، ولبث بها اثنتي عشرة سنة، يسترزق بها بتعليم أهلها، وتزوج بها بمغربية من أهل لندن، ورجع إلى الهند، مع صاحبته فدخل لكهنؤ في عهد غازي الدين حيدر اللكهنوي، وشفع له السفير الانكليزي لمكانة زوجته، فوظفه غازي الدين المذكور بثلاثمائة من النقود في كل شهر، ثم لما علمت قرينته المغربية أن له زوجاً أخرى في لكهنؤ تزوج بها قبل رحلته إلى لندن انحازت عنه، وسافرت إلى إنكلترا، فوظف له مائة ربية، ثم استخدمه فضل علي خان الدهلوي الوزير في عهد محمد علي شاه، وجعله واسطة بينه وبين السفيرالإنكليزي، وولاه السفارة أمجد علي شاه، فاستقل بها إلى آخر الدولة، ولما عزل واجد علي شاه ورحل إلى كلكته سافر معه إلى كانبور ثم رجع إلى لكهنؤ لكبر سنه ومات بها، كما في قيصر التواريخ.
وسماه الشيخ أحمد بن محمد الشرواني في بحر النفائس بالسيد حسين اللندني وبعضهم بمحمد حسين، والصواب ما نقلناه عن قيصر التواريخ، قال الشيخ أحمد المذكور: إنه كان من أفاضل الديار الهندية وأبناء العصر وكان قد سافر إلى لندن جزيرة الانكليس من النصارى وهي المعروفة عندنا بالإنجريز وغيرها من بلاد الإفرنج - خذلهم الله - وشاهد من عجائبهم أشياء كثيرة وتعلم الله الإنكليزية فمهر فيها، اطلعت على رسالة له بالعربية لا تخلو من غريبة وفائدة إلى بعض أحبائه بعد إيابه من لندن، انتهى.
ثم نقل الشرواني بعض عباراته من تلك الرسالة وإني اطلعت على تلك الرسالة كلها، وهي عزيزة الوجود واطلعت على رسائله التي بعثها إلى الشيخ عبد العزيز بن ولي الله العمري الدهلوي وأجوبة الشيخ عبد العزيز المذكور إليه في مجموع لطيف، كلها تدل على براعته في الإنشاء والترسل. ومن فوائده فليعلم أن أرض الإفرنج أرض واسعة جداً تنقطع إلى المحيط الغربي وتتصل بأقاصي الشمال وفي شرقها بلاد اليونان والروم وفي جنوبها الخليج الأعظم المسمى بخليج المغرب، والخليج شعبة عظيمة من البحر داخلة في الأرض، وهذا الخليج هو الفاصل بين ممالك الروم والإفرنج وبين أرض مصر وبلاد البربر المشهورة بأرض المغرب التي يملكها المسلمون إلى زماننا هذا، وسلطانهم من السادات العلوية، ثم إن أرض الإفرنج تسكنها أمم عظيمة قديمة تختلف لغات الأكثر منهم أشد الاختلاف، وهم زهاء أربع عشرة طائفة، لكل منها سلطان كالإنكليس والفرانسيس والألمان والولنديز والأسبانيون والبرتكيس والدينمارك والروس والسويد والبروس والإيتاليان، وملتهم قاطبة النصرانية، إلا أن فرقاً منهم قد غلب عليهم الميل إلى طريقة الحكماء الطبيعيين من قرب المدة المذكورة أي من قرب ثلاثمائة سنة.
والروس أوسعهم مملكة لا يقاس بها كل الهند، والإنكليس أقربهم إلى طريقة الحكمة علماً وعملاً وأشدهم غلبة وشوكة في البحر لاختصاصهم بكثرة المراكب وإتقان صنعتها والمهارة في تسييرها والمحاربة عليها، يشتمل أعظمها على مائة وعشرين مدفعاً فما دون ذلك إلى عشرين، وإنما اعتنوا بذلك كثيراً من دون سائر الأقوام لأن أرضهم جزيرة يحيط بها البحر من الأطراف لا اتصال لها بهذه الأرض بخلاف سائر الإفرنجة فإنها متصلة بها، لكن هذه الجزيرة قريبة من ساحل ملك الفرانسيس جداً وعرض الماء الذي بينهما اثنا عشر فرسخاً، وقد شاعت العلوم اللسانية ومعرفة اللغات القديمة في عامة بلاد الإفرنج كالعربية واليونانية والرومية التي تسمى ليتن وأكثر كتبهم بها، واشتد ولوعهم بتعلم اللغات المختلفة التي لهم، خصوصاً لسان الفرانسيس حتى لا يفوتهم شيء مما قد تعثر عليه قوم دون قوم، وكلما صنف في بلدة كتاب ترجمه الآخرون واتسع باب التصنيف والتأليف أصلاً ونقلاً من لغة إلى أخرى، ويوجد جم غفير من المصنفين في كل عصر بل صار هذا باباً عظيماً لكسب المال، فإن من صنف كتاباً يخرجه إلى من يطبع الكتب فيعمل له في شهور ألوفاً منه حسب ما اشتهاه لا يختلف خطاً وشكلاً وصحة وسقماً، بل كلها على نمط واحد في غاية الصحة والجودة، وتباع لأجل سهولة العمل بقيمة يسيرة يمكن الكل شراؤها فيعود الربح على المصنف، وطبع الكتب صناعة شريفة عظيمة النفع من جهات شتى، ظهر في تلك البلاد من قرب المدة المذكورة، ولا يخلون من رغبة إلى لغة العرب والفرس والترك، بل قد عملوا فيها مجلدات ضخاماً وضبطوها على قدر وسعهم، وقد تصدى رجل من الإنكليس في قرب زماننا يسمى سبيل لترجمة الكتاب الكريم فأتى بالعجب العجاب لعذوبة البيان والتزام التطابق وترك العصبية وسلوك طريق الانصاف وحل المشكلات من مظانها من التفاسير المشهورة كالبيضاوي والكشاف، وكذلك قد وقعت الحكمة الطبيعية والرياضية من قلوبهم كل موقع وحلت بالمحل الأعلى، وتوغلوا فيها على أسلوب جديد واكتفوا من المنطق بقليل، وهجروا الإلهي إلا ايداعه كتباً من ذلك القبيل، ظناً منهم أن أن الاستدلال مركوز في جبلة الإنسان ونسبة المنطق نسبة النحو والعروض قلما يخطئ فيها من أعطى السليقة، ومن يبعد عنها فلا ينفعه تفصيل القوانين أيضاً، والباري جل شأنه لا يبلغ كنه ذاته ولا حقيقة صفاته العقول القاصرة فلا يغني فن الإلهي الذي ليس إلا محض الظن من الحق شيئاً، انتهى ملخصاً. وكانت وفاته ببلدة لكهنؤ في شوال سنة خمس وسبعين ومائتين وألف، كما في قيصر التواريخ.
الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)