محي الدين أبي المظفر محمد أورنك زيب عالمكير بن شاهجهان
تاريخ الولادة | 1028 هـ |
تاريخ الوفاة | 1118 هـ |
العمر | 90 سنة |
مكان الوفاة | الهند - الهند |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
عالمكير بن شاهجهان سلطان الهند
الامام المجاهد المظفر المنصور السلطان بن السلطان أبو المظفر محي الدين محمد أورنك زيب عالمكير بن شاهجهان الغازي المؤيد من الله القائم بنصرة الدين الذي أيد الاسلام وفتح الفتوحات العظيمة وساس الأمور وأحسن إلى الرعايا وصرف أوقاته في القيام بمصالح الناس وبما يرضى به رب العالمين من صيام وقيام ورياضة لا يتيسر بعضها لآحاد الناس فضلاً عن الملوك والسلاطين، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ولد ليلة الأحد لخمس عشرة خلون من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وألف بقرية دوحد على مائة أميال من أجين وسبعين ميلاً من بزوده من بطن أرجمند بانو بنت آصف جاه أبي الحسن بن غياث الدين الطهراني في أيام جده جهانكير بن أكبر شاه، فعمل لولادته بعض العلماء تاريخاً من آفتاب عالمتاب، ونشأ في مهد السلطة وتنبل في أيام جده وأبيه، وقرأ العلم على مولانا عبد اللطيف السلطانبوري ومولانا محمد هاشم الكيلاني والشيخ محي الدين بن عبد الله البهاري وعلى غيرهم من الأساتذة، وأخذ خط النسخ عن الحاج القاسم والنستعليق عن السيد علي بن محمد مقيم الماهرين في الخط حتى كتب خط المنسوب وصار مضرب المثل في جودة الخط، وبرز في كثير من العلوم والفنون، وبايع الشيخ محمد معصوم بن الشيخ أحمد السرهندي وأخذ الطريقة عن الشيخ سيف الدين بن محمد معصوم المذكور وكان يلازمه بأمر والده وعظم قدره، فولاه والده الأعمال العظيمة في أرض الدكن فباشرها أحسن مباشرة، ثم حصل لوالده مرض صعب عطله عن الحركة وكان ولي عهده من بعده أكبر أولاده دارا شكوه فبسط يده على البلاد وصار هو المرجع والسلطان معنى، فلم ترض نفوس إخوته بذلك فنهض شجاع من بنكاله ومراد بخش من كجرات وعالمكير من أرض الدكن كل منهم يريد أن يقبض على أخيه دارا شكوه ويتولى المملكة، فاتفق عالمكير ومراد بخش على ذلك فقاتلاه وغلبا عليه، ثم احتال عالمكير على مراد بخش وقبض عليه، واعتقل أخويه ثم قتلهما لأمور صدرت منهما وأفتى العلماء أنهما استوجبا القتل، وحبس والده في قلعة أكبر آباد وهيأ له ما يشتهيه من الملبوس والمأكول وأهل الخدمة من الجواري والغلمان، وكانت جهان آرا بيكم بنت شاهجهان تقيم مع والدها في القلعة والسيد محمد الحسيني القنوجي يلازمه يشتغل عليه ويذاكره في ما
ينفعه في عقباه.
وجلس عالمكير على سرير الملك سنة ثمان وستين وألف فافتتح أمره بالعدل والاحسان ورفع المظالم والمكوس وأسر غالب ملوك الهند المشهورين وصارت بلادهم تحت طاعته وجبيت له الأموال وأطاعته البلاد والعباد، ولم يزل في اجتهاد من الجهاد ولم يرجع إلى مقر ملكه وسلطته بعد أن خرج منه، وكلما فتح بلاداً شرع في فتح أخرى حتى لحقت حدود ملك في الجهة الشمالية إلى حدود خيوا وبخارا وفي الجهة الجنوبية إلى البحر المحيط الهندي وفي الجهة الغربية إلى سومنات على شاطىء بحر الهند وفي الجهة الشرقية إلى بوري منتهى أرض أزيسه.
وكان عالمكير
عالماً ديناً تقياً متورعاً متصلباً في المذهب، يتدين بالمذهب الحنفي لا يتجاوز عنه في قول ولا فعل وكان يعمل بالعزيمة، وكان يصلي الصلوات المفروضة في أوائل أوقاتها بالجماعة في المسجد مهما أمكن ويقيم السنن والنوافل كلها ويصلي صلاة الجمعة في الجامع الكبير ولو كان غائباً عن البلدة لأمر من الأمور يأتيها يوم الخميس ويصلي صلاة الجمعة ثم يذهب حيث شاء، وكان يصوم في رمضان في شدة الحر ويحيى الليل بالتراويح ويعتكف في العشرة الأخيرة من رمضان في المسجد وكان يصوم يوم الاثنين والخميس والجمعة في كل أسبوع من أسابيع السنة ويصوم في أيام ورد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يصوم فيها، وكان يخرج الزكاة من أمواله قبل أن يجلس على سرير الملك وبعده مما خص لنفسه من عدة قرى وبعض معادن الملح للمصارف الخاصة من نقير وقطمير، وكان يريد أن يرحل إلى الحرمين الشريفين للحج والزيارة في أيام والده فلم يرض بفراقه وبعد ذلك لم تمهله المصالح الملكية ولكنه كان يرسل الناس إلى الحرمين الشريفين للحج والزيارة ويبذل عليهم العطايا الجزيلة ويبعث إليهما أموالاً طائلة لهل الحوائج في أيام الحج بعد سنة أو سنتين، ويوظف الذاك رين والذاكرات ويجعل لهم الأرزاق السنية، ويداوم على الطهارة بالوضوء، ويحافظ على الأذكار والأدعية المأثورة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غالب أوقاته، ويحيى الليالي المتبركة بالصلاة والصدقة وصحبة العلماء والمشايخ في المسجد، وكان يحترز عن كل سوء ومكروه منذ نعومة أظفاره، لم يشرب الخمر قط، ولم يقارب امرأة لا تحل له، وكان لا يستمع الغناء بالمزامير منذ جلس على سرير الملك مع أنه كان ماهراً بالايقاع والنغم، وما كان أن يلبس الملبوسات غير المشروعة وما كان أن يأكل في الظروف الذهبية والفضية، وأمر أن يصاغ الجواهر الثمينة في الحجر اليشب مقام الذهب، ونهى الأمراء أن يلبسوا الغير المشروع، وكان يمنعهم أن يتذاكروا بين يديه بكذب وغيبة وقول الزور وأمرهم أن يعبروا عن الأمور المستكرهة إن وقع لهم حاجة إلى ذلك بكناية واستعارة.
وكان موزعاً لأوقاته فوقت للعبادة ووقت للمذاكرة ووقت لمصالح العساكر ووقت للشكاة ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كل يوم وليلة من مملكته لا يخلط شيئاً بشيء فإنه كان ينهض في الليل قبيل الصبح الصادق فيتوضأ ويذهب إلى المسجد ويصلي الفجر بجماعة ثم يشتغل بتلاوة القرآن والأوراد الموظفة ثم يجلس بدولت خانه ويتمثل بين يديه الأمراء المقربون ويحضر لديه ناظر العدلية داروغة عدالت بجماعة من المتظلمين سواء كانوا من أهل دهلي أو من خارجها فيقضي فيهم بما يبدو له من الشرع أو العرف ثم كان يذهب إلى البرج المشرف على نهر جمن ويسمونه جهروكة درشن على سنة أسلافه وبعد مدة من الزمان ترك ذلك فكان يدخل المنزل فيمكث به نحو ساعتين أو ثلاث ساعات ثم يظهر في الديوان العام ويجلس للناس فيحضر لديه أبناء الملوك وكبار الأمراء وعظماء الهند والسفراء وكلهم يقفون بين يديه ومن ورائهم تقف عامة الأمراء ويتلوهم الناس من كل صنف ودرجة أعلاهم وأدناهم، ثم يتمثل بين يديه الأمراء الوافدون من بلاد ويستأذنه الأمراء المأمورون إلى جهات فيخلع عليهم ويأذن لهم بالخروج ويعرض عليه عرائض الأمراء والولاة ونذورهم ويعرض عليه المير بخشي مطالب أهل المناصب والمير آتش أغراض البرقندازية وغيرهم وصدر الصدور يعرض عليه حوائج السادة والعلماء والمشايخ وغيرهم من أهل الاستحقاق وناظر العرض المكرر الأحكام السلطانية من المناصب والأقطاع والنقود وغيرها، ثم يعرض عليه ناظر الاصطبلات الأفراس الخاصة وشحنة الفيلة الأفيال الشاهانية على الرسم المعتاد وناظر الداغ والتصحيحة فرسان الأمراء مع أفراسهم التي امتازت بالداغ والتصحيحة حالاً وكان يجلس بالديوان العام نحو خمس ساعات، ثم يذهب إلى دولت خانه فيحضر لديه الوزير والديوان والبخشي وصدر الصدور وغيرهم من كبار الأمراء فيكلمه الوزير في مهمات الدولة والديوان في الأموال الخالصة الشريفة والمير بخشي في العسكرية وصدر الصدور في أهل الحوائج والسلطان يجاوبهم بما يبدو له من المعروف ويكتب بيده بعض التوقيعات ويأمر في بعضها أن يكتبه الوزير ثم يعرض عليهالمناشير التي أنشأها الوزير فيقرأها ويصلحها إن رأى فيها خللاً ويجلس بها نحو خمس ساعات، ثم يدخل المنزل ويتغدى ويقيل نحو ساعة ثم يتوضأ ويمشي إلى المسجد ويصلي الظهر بجماعة، ثم يذهب إلى خلوت خانه ويشتغل بتلاوة القرآن وكتابة المصحف ومطالعة الكتب وتحقيق المسائل،وربما يدعو بها بعض الأمراء ويباشر المهمات من أمور الدولة وربما يدعو أهل المظالم والشكاوى فيقضي بنهم بالمعروف وربما يدعو المخدرات فيعرضن عليه حوائج النساء فيبذل عليهن العطايا الجزيلة، ثم يذهب إلى المسجد ويصلي العصر بجماعة ثم يجلس بدولت خانه مرة ثانية فيتمثل بين يديه الأمراء ويكلمونه في المهمات كأول النهار كما تقدم ثم يخرج إلى المسجد ويصلي المغرب بجماعة ويشتغل نحو ساعتين بالأذكار والأشغال ثم يذهب إلى دولت خانه ويشتغل بالمهمات إلى وقت العشاء ثم يذهب إلى المسجد ويصلي العشاء ثم يدخل المنزل.
وأما يوم الأربعاء فكان لا يجلس بالديوان العام والخاص ويجلس بدار العدل على سنة أسلافه فيحضر لديه المفتون والقضاة ويعرض عليه ناظر العدلية المتظلمين واحداً بعد واحد فيستنطقه السلطان بنفسه ويسأله بكل هوادة ورفق ويقضي بينهم بالمعروف.
وأما يوم الخميس فإنه كان يكتفي بالجلوس بالديوان العام والخاص على أول النهار ويترك الجلوس بعد العصر فكان يشتغل سائر أوقاته بالعبادة.
وكان يجلس للمذاكرة في الكتب الدينية كالاحياء والكيمياء والفتاوي الهندية وغيرها في كل أسبوع ثلاثة أيام على السيد محمد الحسيني القنوجي والعلامة محمد شفيع اليزدي ونظام الدين البرهانبوري وغيرهم من العلماء.
ومن مآثره الجميلة:
ومن مآثره الجميلة أنه حفظ القرآن الكريم بعد جلوسه على سرير الملك فأرخ بعض العلماء لبدء حفظه من قوله تعالى "سنقرئك فلا تنسى" ولتمامه من قوله لوح محفوظ.
ومنها أنه كانت له معرفة بالحديث، له كتاب الأربعين جمع فيه أربعين حديثاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتولى المملكة وله كتاب آخر جمع فيه أربعين حديثاً بعد الولاية وترجمهما بالفارسية وعلق عليهما الفوائد النفيسة.
ومنها أنه كانت له مهارة تامة بالفقه ويضرب به المثل في استحضار المسائل الجرئية، وقد صنف العلماء بأمره الفتاوي الهندية في ستة مجلدات كبار فاشتهرت في الأقطار الحجازية والمصرية والشامية والرومية وعم النفع بها وصارت مرجعاً للمفتين وأنفق على جمعها مائتي ألف من النقود.
ومنها أنه كان بارعاً في الخط يكتب النسخ والنستعليق وشكسته بغاية الجودة والحلاوة، كتب مصحفاً بيده قبل جلوسه على السرير، وبعثه إلى مكة المباركة، وبعد جلوسه مصحفاً آخر وأنفق على التذهيب والتجليد سبعة آلاف ربية ثم بعثها إلى المدينة المنورة، وكان انتسخ الألفية لابن مالك في صباه فأرسل إلى مكة بيد الحاج عبد الرحمن المفتي لينتفع بها الناس من أهل البلدة المباركة ومنها أنه كان ماهراً بالايقاع والنغم ولكنه كان يحترز من استماع الغناء تورعاً، قال مكرم خان الصفوي: سألته يوماً عن الغناء، فقال: لأهله مباح، فقلت له: إني لا أعلم أحداً يتأهل له غيركم، فقال: إن الغناء بالمزامير لا سيما بالبكهاوج حرام بالاتفاق فاذن لا أرغب إلى الغناء بغيرها.
ومنها أنه كان ماهراً بالانشاء والترسل لم يكن له نظير في زمانه في ذلك، وقد جمع شيئاً كثيراً منها أبو الفتح قابل خان التتوي في آداب عالمكيري وعناية الله خان في الكلمات الطيبات والرقائم الكرائم وبعضهم في دستور العمل، وأما الشعر فإنه كان مقتدراً عليه ولكنه كان لا يعتني به ويمنع الناس أن يضيعوا أوقاتهم في الشعر لقوله تعالى "الشعراء يتبعهم الغاؤون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون"، ولله در الشافعي رحمه الله:
ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد
ومن شعره قوله:
غم عالم فراوان است ومن يك غنجه دل دارم جسان در شيشة ساعت كنم ريك بيابان را
ومنها أنه كان ماهراً بالرمي والطعن والضرب والفروسية وغيرها من الفنون الحربية والتصيد، كان شجاعاً مقداماً باسلاً لا يظهر له في الهيجاء فزع ولا جزع ولا طيش ولا خفة ولا وجل ولا خطل بل من رآه ظن أنه جاء من بعض المتنزهات وهو قد خرج من معركة تطير لها العقول وتشيب لها الولدان وترجف منها الأفئدة وتخرس الألسن.
وإنك تقرأ في كتب الأخبار أن والده شاهجهان كان يوماً يتفرج في البرج المشرف على نهر جمن على مصارعة الأفيال التي كانت في عرصة القلعة فيما بينها وبين النهر والأفواج كانت قائمة بين ظهرانيها وخلق كثير يتفرجون عليها في تلك العرصة وكان عالمكير أيضاً في ذلك الزحام وهو يومئذ في الرابع عشر من سنه وكان على فرس جرى العادة فإذا هي بفيلة قد ثارت وقصدت الأفواج ففر الناس كلهم من بين يديها إلا عالمكير فإنه ثبت على مقامه فتوجهت إليه الفيلة ولفت فرسه بخرطومها وصرع عالمكير من صهوة الفرس ثم قام وسل السيف عليها ثم جاء الناس ودفعوها بالضرب والطعن وإيقاد النار وغير ذلك، وهذه مفخرة عظيمة في الثبات والعزيمة لا تجدها لغيره من أبناء الملوك في تلك السن.
ومن مآثره:
أنه كان سخياً جواداً كريماً يبذل على الفقراء وأهل الحاجة العطايا الجميلة ويسامحهم في الغرامات، ومن ذلك أنه أبطل ثمانين نوعاً من المكوس في سنة تسع وستين وألف وكانت تحصل له من تلك الأبواب ثلاثون لكا ثلاثة ملايين في كل سنة ومن ذلك أنه نهى المستوفين أن يطالبوا الأبناء بغرامات الآباء ويصادروا أموالهم في القضاء وأمرهم أن يميزوا في ذلك فيما بين أهل المناصب، فمن كان له منصب دو بيستي أو فوق ذلك إلى أربعمائة فتعفى لهم المطالبة كلها، ومن كان له منصب فوق تلك المناصب إلى سبعة آلاف فيؤخذ عنهم بقدر الوسع والحالة، فإن ورثوا من آبائهم مالاً قدر المطالبة أو فوقها فيؤخذ عنهم بالتقسيط في سنين عديدة، وإن ورثوا مالاً أقل من المطالبة فيؤخذ عنهم بقدر الميراث تدريجاً، وإن علم أنهم لم يرثوا شيئاً فتعفى المطالبة ولا يؤخذ عنهم شيء.
ومن ذلك أنه بذلك أموالاً طائلة على إصلاح الشوارع والطرق في نواحي الهند من أورنك آباد إلى أكبر آباد ومن لاهور إلى كابل وكذلك من لاهور إلى كشمير، وحفر الآبار وأجرى العيون وأسس الجسور ورباطات وحمامات ومساجد وإصطبلات لأبناء السبيل في تلك المسالك ليستريح الناس بها فظلوا آمنين مطمئنين.
ومن ذلك أنه بذل الأموال الطائلة في بناء المساجد وبنى مساجد كثيرة في أرض الهند وعمر القديمة منها وجعل الأرزاق للأئمة والمؤذنين والرواتب للمساجد من بسط وسرج وغير ذلك. ومن ذلك أنه أسس دور العجزة بلغو خانات في أكثر البلاد فوق ما كانت في العصور الماضية
والمارستانات في أكثر بلاده. ومن ذلك أنه كان يرسل العطايا الجميلة إلى أهل الحرمين الشريفين - زادهما الله شرفاً - بعد سنة
أو سنتين.
ومن ذلك أنه وظف خلقاً كثيراً من العلماء والمشايخ اشتغلوا بالعلم والعبادة منقطعين فارغي القلوب عن كل هم ولم يفرق فيها بين أهل الإسلام وكفار الهند، توجد مناشيره عند أحبار الهنادك في بنارس وفي غير تلك البلدة حتى اليوم.
وأما الصدقات التي يتصدق بها في الأيام والمواسم فكان والده شاهجهان ومن قبله الملوك التيمورية يتصدقون بإثنى عشر ألف في المحرم وإثنى عشر ألف في ربيع الأول وعشرة آلاف في رجب وخمسة عشر ألفاً في شعبان وعشرين ألفاً في رمضان فكانوا يتصدقون بتسع وسبعين ألفاً في كل سنة، وأما عالمكير فإنه أمر أن يتصدق بها في تلك الأيام ويتصدق بعشرة آلاف في كل شهر غير الأشهر المذكورة فكان يتصدق بتسع وأربعين ألفاً ومائة ألف في السنة غير ما يتصدق به في الأعياد والمواسم، كما في مرآة العالم.
ومن مآثره:
أنه كان مقتصداً في الخيرات غير مسرف في المال فإنه كان لا يعطي الشعراء شيئاً ولا لأهل الايقاع والنغم خلافاً لأسلافه فإنهم كانوا يجيزون رجلاً منهم بما لا يسعه أن يحمل تلك العطية ويبذرون في المال تبذيراً كثيراً، وكان عالمكير إذا وظف العلماء وأقطعهم أرضاً أو اليومية يشترطها بالدرس والإفادة لكيلا يجعلوها ذريعة لأخذ المال فقط ومتى يبعث الأموال إلى الحرمين الشريفين -
زادهما الله شرفاً - يشترطها بأن تعطى لأهل الحاجة غير الأغنياء ولذلك كان الناس ينسبونه إلى البخل وحاشاه عن ذلك.
ومن مآثره: أنه كان مجبولاً على العدل والإحسان وفصل القضاء على وفق الشريعة المطهرة ولذلك أمر العلماء أن يدونوا المسائل والأقضية من كل باب من أبواب الفقه، فدونوها وصنفوا الفتاوي العالمكيرية في ستة مجلدات كبار، ثم إنه أمر القضاة أن يقضوا بها، وكان أسلافه يجلسون يوم الأربعاء من كل أسبوع بدار العدل ويقضون بما يفتيهم العلماء فإنه اقتدى بهم في ذلك، ولكنه لشدة ميله إلى هذا الأمر
كان يبالغ فيه وكان يظهر كل يوم بدار العدل بعد الإشراق فيعرض عليه ناظر العدلية الأقضية فيحكم بما ألقى الله سبحانه في روعه ثم كان يطلب الناظر المذكور بالديوان الخاص أيضاً فيعرض عليه المتظلمين فيستنطق المتخاصمين بحضرته ويتأمل في الأقضية ويحكم بما أراه الله سبحانه وربما يدعوهم بين الظهر والعصر أيضاً ولا يكل من ذلك أبداً، وهو أول من وضع الوكالة الشرعية في دور القضاء فولى رجالاً من أهل الدين والأمانة في دور القضاء بكل بلدة وعمالة ليكونوا وكلاء عنه فيما يستغاث عليه في الحقوق الشرعية والديون الواجبة عليه وأجاز للناس أن يستغيثوا عليه عند القاضي، وهو أول من نصب المحتسبين في بلاده وامتاز في الملوك التيمورية في ذلك.
وقد جمع سيرته كثير من الأخباريين في كتبهم منهم بختاور خان العالمكيري فإنه أورد شيئاً واسعاً من أخباره في كتابه المشهور مرآة العالم، ومحمد كاظم بن محمد أمين الشيرازي في عالمكير نامه وهو مقتصر على عشر سنين من ولايته، وألف مستعد خان كتابه مآثر عالمكيري في مآثره الجميلة، وعاقل خان الرازي وخافي خان في منتخب اللباب والطباطبائي في سير المتأخرين وغيره في مناقب عالمكيري
وأطال الكلام في مناقبه ونسخة منه موجودة في المكتبة الحامدية برامبور، والشيخ محمد بقاء السهارنبوري صنف كتاباً حافلاً في سيرته وسماه تاريخ عالمكيري صرح به المؤلف في كتابه مرآة جهان نما.
قال المحبي في خلاصة الأثر:
ولما أراد الله تعالى بالهند خيراً وإحساناً وقدر ظهور العدل فيهم كرماً وامتناناً أظهر في خافقها شموس السلطنة بلا ريب وأنار في سماء سلطنتها أنوار بدور الملك السلطان أورنك زيب وطوى بساط إخوته ونتف جللهم ومزق وحرق بنار المظلومين لباسهم وخرق، وقتل أخاه دارا شكوه واقتلعه هو وأصحابه وكان دارا شكوه ذا ذوق وفطنة بهيئة وصفات مستحسنة إلا أنه في آخر عمره صارت سيرته مذمومة وأحدث مظالم كثيرة، وقتل أخاه الثاني مراد بخش وفر محمد شجاع أخوه الثالث ولم يعرف أين ذهب، وأورنك زيب ممن يوصف بالملك العادل الزاهد وبلغ من الزهد مبلغاً أناف فيه على ابن أدهم فإنه مع سعة سلطانه يأكل في شهر رمضان رغيفاً من خبز الشعير من كسب يمينه ويصلي بالناس التراويح، وله نعم بارة وخيرات دارة جداًن وأمر من حين ولي السلطنة برفع المكوس والمظالم عن المسلمين ونصب الجزية بعد أن لم تكن على الكفار، وتم له ذلك مع أنه لم يتم لأحمد من أسلافه، أخذ الجزية منهم لكثرتهم وتغلبهم على إقليم الهند، وأقام بها دولة العلم وبالغ في تعظيم أهله وعظمت شوكته وفتح الفتوحات العظيمة، وهو مع كثرة أعدائه وقوتهم غير مبال بهم مشتغل بالعبادات، وليس له في عصره من الملوك نظير في حسن السيرة والخوف من الله تعالى والقيام بنصرة الدين، انتهى.
وقال المرادي في سلك الدرر
السلطان المشهور سلطان الهند في عصرنا وأمير المؤمنين وإمامهم وركن المسلمين ونظامهم المجاهد في سبيل الله العالم العلامة الصوفي العارف بالله الملك القائم بنصرة الدين، الذي أباد الكفار في أرضه وقبرهم وهدم كنائسهم وأضعف شركهم، وأيد الإسلام وأعلى في الهند مناره وجعل كلمة الله هي العليا وقام بنصرة الدين، وأخذ الجزية من كفار الهند ولم يأخذه منهم ملك قبله لقوتهم وكثرتهم، وفتح الفتوحات العظيمة ولم يزل يغزوهم وكلما قصد بلداً ملكها، إلى أن نقله الله إلى داركرامته وهو في الجهاد، وصرف أوقاته للقيام بمصالح الدين وخدمة رب العالمين من الصيام والقيام والرياضة التي لا يتيسر بعضها لآحاد الناس فضلاً عنه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وكان موزعاً
لأوقاته فوقت للعبادة ووقت للتدريس ووقت لمصالح العسكر ووقت للشكاة ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كل يوم وليلة من مملكته لا يخلط شيئاً بشيء، والحاصل أنه كان حسنة من حسنات الزمان ليس له نظير في نظام سلطنته ولا مدان، وقد ألفت في سلطنته وحسن سيرته الكتب الطويلة بالفارسية وغيرها فمن أرادها فليطلع عليها، مولده سنة ثمان وعشرين وألف وجاء تاريخه بالفارسية آفتاب عالمتاب وربى في حجر والده واشتغل بحفظ القرآن من صغره حتى حفظه وجوده واشتغل بالخط حتى كتب الخط المنسوب يضرب بحسنه المثل وكتب مصحفاً بخطه وأرسل للحرم النبوي وهو معروف، ثم شرع في تحصيل العلوم حتى حصل منها الكثير الطيب وصار مرجعاً للعلماء وحضرته محط رجال الفضلاء ثم اشتغل بعلوم الطريق وأخذ عن كثير من أهله العارفين بالله حتى حصلت له نفحة من بعض أولياء الله تعالى وبشره بأشياء حصلت له، واشتهر ذكره في حياة والده وعظم قدره وولاه الأعمال العظيمة فباشرها أحسن مباشرة ثم حصل لوالده فالج عطله عن الحركة وكان ولي عهده من بعده أكبر أولاده دارا شكوه فبسط يده على البلاد وصار هو المرجع والسلطان معنى فلم ترض نفس المترجم وأخوه مراد بخش بذلك فاتفقا على أن يقبضا عليه ويتولى المملكة منهما مراد بخش فقبضا عليه ثم احتال أورنك زيب على مراد بخش أيضاً وقبض عليه ووضع أخويه في الحبس ثم قتلهما لأمور صدرت منهما زعم أنهما استوجبا بها ذلك وحبس والده واشتغل بالمملكة من سنة ثمان وستين وألف وأراد الله بأهل الهند خيراً فإنه رفع المظالم والمكوس وطلع من الأفق الهندي فجره وظهر من البرج التيموري بدره وفلك مجده دائر ونجم سعده سائر،
وأسر غالب ملوك الهند المشهورين وصارت بلادهم تحت طاعته وجبيت إليه الأموال وأطاعته البلاد والعباد ولم يزل في الاجتهاد في الجهاد ولم يرجع إلى مقر ملكه وسلطنته بعد أن خرج منه وكلما فتح بلاداً شرع في فتح أخرى وعساكره لا يحصون كثرة وعظمة، وقوته لا يمكن التعبير عنها بعبارة تؤديها حقها والملك لله وحده، وأقام في الهند دولة العلم وبالغ في تعظيم أهله حتى قصده الناس من كل البلاد، والحاصل أنه ليس له نظير في عصره في ملوك الإسلام في حسن السيرة والخوف من الله تعالى والجد في العبادة وأمر علماء بلاده الحنفية أن يجمعوا باسمه فتاوى تجمع جل مذهبهم مما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية فجمعت في مجلدات وسماها بالفتاوى العالمكيرية واشتهرت في الأقطار الحجازية والمصرية والشامية والرومية وعم النفع بها وصارت مرجعاً للمفتين، ولم يزل على ذلك حتى توفي بدكن في شهر ذي القعدة الحرام سنة ثماني عشرة ومائة وألف وأقام في الملك خمسين سنة، انتهى.
الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)
السلطان محمد أورنك سلطان الهند زيب عالم كير بن خرم شاه جهان بن جهان كير ابن شاه أكبر ابن أبي النصر محمد همايون بن أبي الفيض روح الدين محمد باكير بن عمر شيخ ابن أبي سعيد باقرابا بن محمد بن محمد شاه ابن مران شاه جهان كير ابن أمير تيمورلنك السلطان المشهور سلطان الهند في عصرنا وأمير المؤمنين وامامهم وركن المسلمين ونظامهم المجاهد في سبيل الله العالم العلامة الصوفي العارف بالله الملك القائم بنصرة الدين الذي أباد الكفار في أرضه وقهرهم وهدم كنائسهم وأضعف شركهم وأيد الاسلام وأعلى في الهند مناره وجعل كلمة الله هي العليا وقام بنصرة الدين وأخذ الجزية من كفار الهند ولم يأخذها منهم ملك قبله لقوتهم وكثرتهم وفتح الفتوحات العظيمة ولم يزل يغزوهم وكلما قصد بلداً سلكها إلى أن نقله الله إلى دار كرامته وهو في الجهاد وصرف أوقاته للقيام بمصالح الدين وخدمة رب العالمين من الصيام والقيام والرياضة التي لا يتيسر بعضها لآحاد الناس فضلاً عنه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وكان موزعاً لأوقاته فوقت للعبادة ووقت للتدريس ووقت لمصالح العسكر ووقت للشكاة ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كل يوم وليلة من مملكته لا يخلط شيئاً بشيء والحاصل إنه كان حسنة من حسنات الزمان ليس له نظير في نظام سلطنته ولا مداني وقد ألفت في سلطنته وحسن سيرته الكتب الطويلة بالفارسية غيرها فمن أرادها فليطلع عليها مولده سنة ثمان وعشرين وألف وجاء تاريخه بالفارسة اقتاب عالم قاب وربى في حجر والده واشتغل بحفظ القرآن من صغره حتى حفظه وجوده واشتغل بالخط حتى كتب الخط المنسوب يضرب بحسنه المثل وكتب مصحفاً بخطه وأرسله للحرم النبوي وهو معروف ثم شرع في تحصيل العلوم حتى حصل منها الكثير الطيب وصار مرجعاً للعلماء وحضرته محط رحال الفضلاء ثم اشتغل بعلوم الطريق وأخذ عن كثير من أهله العارفين بالله حتى حصلت له نفحة من بعض أولياء الله تعالى وبشره بأشياء حصلت له واشتهر ذكره في حياة والده وعظم قدره وولاه والده الأعمال العظيمة فباشرها أحسن مباشرة ثم حصل لوالده فالج عطله عن الحركة وكان ولي عهده من بعده أكبر أولاده دار شكراه فبسط يده على البلاد وصار هو المرجع والسلطان معنى فلم ترض نفس المترجم وأخوه مراد بخش بذلك فاتفقا على أن يقبضا عليه ويتولى المملكة منهما مراد بخش فقبضا عليه ثم احتال اورنك زيب على مراد بخش أيضاً وقبض عليه ووضع أخويه في الحبس ثم قتلهما لأمور صدرت منهما زعم انهما استوجبا بها ذلك وحبس والده واشتغل بالمملكة من سنة ثمان وستين وألف وأراد الله بأهل الهند خيراً فإنه رفع المظالم والمكوس وطلع من الأفق الهندي فجره وظهر من البرج التيموري بدره وفلك مجده دائر ونجم سعده سائر وأسر غالب ملوك الهند المشهورين وصارت بلادهم تحت طاعته وجبيت إليه الأموال وأطاعته البلاد والعباد ولم يزل في الاجتهاد في الجهاد ولم يرجع إلى مقر ملكه وسلطنته بعد أن خرج منه وكلما فتح بلاد أشرع في فتح أخرى وعساكره لا يحصون كثرة وعظمة وقونه لا يمكن التعبير عنها بعبارة تؤديها حقها والملك لله وحده وأقام في الهند دولة العلم وبالغ في تعظيم أهله حتى قصده الناس من كل البلاد والحاصل إنه ليس له نظير في عصره في ملوك الاسلام في حسن السيرة والخوف من الله سبحانه والجد في العبادة وأمر علماء بلاده الحنفية أن يجمعوا باسمه فتاوي تجمع جل مذهبهم مما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية فجمعت في مجلدات وسماها بالفتاوي العالم كيرية واشتهرت في الأقطار الحجازية والمصرية والشامية والرومية وعم النفع بها وصارت مرجعاً للمفتين ولم يزل على ذلك حتى توفي بالركن في شهر ذي القعدة الحرام سنة ثماني عشرة ومائة وألف ونقل إلى تربة آبائه وأجداده وأقام في الملك خمسين سنة رحمه الله تعالى.
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر - محمد خليل بن علي الحسيني، أبو الفضل
(1028 - 1118 ه = 1619 - 1707 م) محمد أورنك زيب عالم كير، سلطان الهند، من سلالة تيمورلنك المشهور: من علماء الملوك المسلمين. فتح بلدانا كثيرة. ووصفه مؤرخوه بأنه المجاهد العالم الصوفي. حفظ القرآن من صغره وكتب الخط المنسوب ومنه مصحف بخطه أرسله إلى الحرم النبوي. وكان مرجعا للعلماء. وأمر الأحناف منهم بأن يجمعوا باسمه فتاوى لما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية، فجمعوا (الفتاوى الهندية - ط) أربعة مجلدات، وتسمى (الفتاوى العالمكيرية) أقام في الملك خمسين سنة، وتوفي بالدكن ودفن في تربة آبائه .
-الاعلام للزركلي-