محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن محمد ابن سعيد بن محمد بن فتّوح بن محمد بن أيّوب بن محمد اللّخمى.
من أهل «رندة» أبو عبد الله، ويعرف بابن الحكيم، ذو الوزارتين، الكاتب الأديب البليغ الشهير الذكر بالأندلس، أصل سلفه من «إشبيلية» من أعيانها، ثم انتقلوا إلى «رندة» وأوّل من انتقل منهم إليها جدّه: محمد بن فتّوح فى دولة بنى عبّاد. ويحيى جدّ والده هو المعروف بالحكيم؛ لطبّة، وكانوا قديما يعرفون ببنى فتّوح.
قدم ذو الوزارتين أبو عبد الله على حضرة غرناطة فى خلافة الأمير أبى عبد الله: محمد بن محمد على أثر قفوله من الحج فألحقه بكتّابه، وأقام يكتب له فى ديوان الإنشاء إلى أن توفّى الأمير المذكور فى ثامن شعبان سنة 701 وتقلّد الملك بعده ولىّ عهده: الأمير أبو عبد الله المخلوع فقلّده الوزارة والكتابة وكان مشتركا معه فى الوزارة الوزير [الجليل التقى] أبو سلطان [عبد العزيز وسلطان] الدانى، فلما توفى الوزير أبو سلطان [الدانى] أفرده سلطانه بالوزارة ولقبه بذى الوزارتين وصار صاحب أمره ونهيه.
مولده ببلد رندة فى شهر ربيع الأوّل سنة 660.
وكان علما فى الفضيلة والسّراوة، ومكارم الأخلاق، يكتب خطوطا على أنواع كلّها جميلة الانطباع، خطيبا فصيح القلم، زاكى الشيم مؤثرا لأهل العلم والأدب، بارّا بأهل الفضل والحسب، نفقت فى مدّته للفضائل أسواق، وأشرقت بأمداده الأفاضل فى الآفاق. ورحل إلى المشرق فكانت اجازته البحر من المرية، فقضى فريضة الحج، وأخذ عمّن لقى هنالك من الشيوخ، فمشيخته مشيخة وافرة، وكان رفيقه فى وجهته أبو عبد الله ابن رشيد، وكانت له عناية بالرواية، وولوع بالأدب، وصبابة باقتناء الكتب.
أخذ عنه أبو إسحاق بن أبى العاصى التنوخى، والخطيب أبو عبد الله ابن رشيد، وابنه الوزير أبو بكر [محمد بن] محمد بن الحكيم.
قال أبو العباس بن خاتمة: ومن شعره ما أنشدنيه ابنه أبو بكر مقدمه على المريّة غازيا مع الجيش قال: أنشدنى أبى:
ولما رأيت الشيب حلّ بمفرقى … نذيرا بترحال الشّباب المفارق
رجعت إلى نفسى فقلت لها: انظرى … إلى ما أرى هذا ابتداء الحقائق! ؟
ومما أورده ابن رشيد فى رحلته قال: كتب صاحبنا الوزير الكاتب أبو عبد الله بن الحكيم فى القبّة التى بها قبر أمير المؤمنين: أبى الحسن السعيد انظر إلىّ ففىّ اليوم معتير … إن كنت ممن بعين القلب قد لحظا
بالأمس أدعى سعيدا والورى خولى … واليوم يدعى سعيدا من بى اتّعظا
وله أيضا [من النظم]:
فقدت حياتى بالفراق ومن غدا … بحال نوّى عمّن يحبّ فقد فقد
ومن أجل بعدى عن ديار ألفتها … جحيم فؤادى قد تلظّى وقد وقد
وقد سبقه إلى هذا المنحى: القائل:
أوارى أوارى والدموع تبينه … ومن لى بإطفاء الغرام وقد وقد
فلا تعذلوا من بان عنه حبيبه … فمن فقد الأحباب يوما فقد فقد
قال ابن خاتمة: وأنشدنى رئيس الكتّاب: الصّدر البليغ الفاضل أبو القاسم: عبد الله بن يوسف بن رضوان النجارى، قال: أنشدنى رئيس الكتّاب [الجليل أبو محمد: عبد المهيمن بن محمد الحضرمى، قال: أنشدنى رئيس الكتاب الجليل أبو محمد] ذو الوزارتين أبو عبد الله: محمد بن عبد الرحمن بن الحكيم: سجّ الكتاب وعنّه … واختم على مكنته؟ ؟ ؟
واحذر عليه من مخا … لة الرّقيب بجفنه
واجعل لسانك سجنه … كى لا ترى فى سجنه
توفى بحضرة غرناطة قتيلا غدوة يوم الفطر مستهلّ شوّال سنة 708 وذلك لتاريخ خلع سلطانه، وخلافة أمير المؤمنين أخيه أبى الجيوش مكانه.
ذيل وفيات الأعيان المسمى «درّة الحجال في أسماء الرّجال» المؤلف: أبو العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى الشّهير بابن القاضى (960 - 1025 هـ)