محمد بن إبراهيم بن حزب الله بن عامر بن سعد الخير
ابن عيّاش.
يكنى: ابن عيشون بلفيقى الأصل، مروىّ النشأة والولادة، وشهر بالبلفيقى، يعرف هو بابن الحاج، كما كان يعرف جد جده، ويقول ابن فرحون عن المترجم: «وشهرته بابن الحاج شهرة قديمة، لا يعلم لمن الإشارة [إليه] بها من سلفه؛ إذ لا يعلم فيهم حاج إلا جده إبراهيم الأفرب؟ ؟ ؟ ، ثم قال: ونسبه متصل بحارثة ابن العباس بن مرداس صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأحد خطبائه وشعرائه، رئيس فى الإسلام، ورئيس فى الجاهلية».
كان مستكثرا فى الرواية، مشاركا فى أصول الفقه وفروعه (كان لا يرى إلا فى منزل من منازله أو فى خلق الأساتذة، أو فى مسجد من مساجد خارج المدينة المعدة للتعبد، لا يغشى سوقا ولا مجتمعا، ولا وليمة ولا مجلس حاكم، ولا يلابس أمرا من الأمور التى جرت عادة الناس أن يلابسوها، ثم ترامى إلى الرحلة، فأخذ عن العلماء والصلحاء والأدباء بالقطر الغربى وبحاية، ثم صرف عنايته إلى الأندلس، فتصرف فى الإقراء والقضاء والخطابة بالعا فى ذلك الدرجة الفائقة، ولقد كان إماما فى القراءات والحفظ ومعرفة العروض، متضلعا بصناعة الحديث والتاريخ والرجال، مستكثرا من الرواية) وعلم اللسان، وصناعة المنطق، معدودا من رجال التصرّف، أولى الأحوال، متبحّرا فى معرفة أسماء الكتب، ولوعا بالمطالعة، شاعرا.
وقد ذكر ابن فرحون أن ابن خمسين كان عالما شاعرا، وأن ابن الحاج أخذ عنه كثيرا من شعره. وكتبا منها: الموطأ والمقامات، وقرأ عليه جملة من كلام الشيخ أبى مدين رضى الله عنه.
أخذ عن ابن خمسين الجحدرى معلقا (وسمع على الغافقى: الموطأ والبخارى وسنن الترمذى وقرأ عليه كتاب سيبويه كما تفقه بكثير يطول ذكرهم) وقرأ على ابن الشطا: الإشارة الباجية، وبرهان أبى المعالي، وتنقيح القرافى، ومقدمة المستصفى، وقرأ على أبى الحسن الصغير وابن مريم الجزولى وناصر الدين المشدّالى، قرأ عليه شرحه على المدونة، وعلى أبى العباس بن البناء العددى.
وله مصنّفات غالبها لم يكمل، تركها فى مبيّضات. (منها كتاب: «قد يكبو الجواد فى ذكر أربعين غلطة عن أربعين من النقاد» وهو نوع من تصحيف الحافظ الدارقطنى، وكتاب: «خطر فنظر، ونظر فخطر» و «الإفصاح، فيمن عرف فى الأندلس بالصلاح» و «تاريخ المدينة» غير تام، ومنها ديوان شعره المسمى بالعذب والأجاج؛ من شعر أبى البركات ابن الحاج»، ومنها: «المؤتمن على أنباء الزمن» ومنها: «تأليف فى أسماء الكتب والتعريف بمؤلفيها» على حروف المعجم» ومنها: «الغلسيات» وهى ما صدر من مجالسه فى الكلام على صحيح مسلم فى التغليس، ومنها: «الفصول والأبواب، فى ذكر من أخذ عنه من الشيوخ والأتباع والأصحاب». وغير ذلك)
وله نظم. من ذلك قصيدته التى فى صفة حاله، مطلعها:
تأسّف لكن عزّ عنه تأسّف … وكفكف عينا حيث لا دمع يذرف
وجاذب قلبا ليس يأوى لمألف … وعالج نفسا داؤها يتضعّف
ورام سكونا وهو فى رجل طائر … ونادى بأنس والمنازل تهتف
أراقب قلبى مرّة بعد مرّة … فألفيه ذيّاك الذى أنا أعرف
فإن حلّت الضراء لم ينفعل بها … وإن حلّت السراء لا يتكيّف
تحدّثنى الآمال وهى كذوبة … تبدّل فى تحديثها وتحرّف
[بأنى فى دنيا سأقضى مآربى … وبعد يحقّ الزهد لى والتأسّف
وتلك أمان لا حقيقة عندها … أفى فرق الضدّين يبغى التألّف
ألا إنها الأقدار يظهر سرّها … إذا ما وفى المقدور ما الرأى مخلف
أيا رب إن القلب طاش بما جرى … به قلم الأقدار والقلب يرجف
وفى الكون من سرّ الوجود عجائب … أطلّ عليها العارفون وأشرفوا
فليس لنا إلا نحطّ رقابنا … بأبواب الاستسلام والله يلطف
فهذا سبيل ليس للعبد غيره … وإلا فماذا يستطيع المكلّف
وله رحمة الله علينا وعليه:
لا تبذلنّ نصيحة إلا لمن … تلفى لبذل النّصح منه قبولا
فالنصح إن وجد القبول فضيلة … ويكون إن عدم القبول فضولا؟ !
ومن نظمه:
[كففت عن قومى الأذى إذ همو … يؤذوننى طرا أشد الأذى
أصبحت عينا فيهم واغتدوا … فيها على حكم زمانى قذى
وله أيضا رحمة الله عليه:
إذا ما كتمت السرّ عمّن أراده … توهّم أن الودّ غير حقيقى
ولم أخف عنه السّرّ من ظنّة به … ولكننى أخشى صديق صديقى؟ !
وله أيضا:
رعى الله إخوان الخيانة إنّهم … كفونا مئونات البقاء على العهد
[شاعرافلو قد وفوا كنا أسارى حقوقهم … نراوح ما بين النسيئة والنّقد]
ذيل وفيات الأعيان المسمى «درّة الحجال في أسماء الرّجال» المؤلف: أبو العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى الشّهير بابن القاضى (960 - 1025 هـ)