أحمد بن عبد الأحد السرهندي

تاريخ الولادة971 هـ
تاريخ الوفاة1034 هـ
العمر63 سنة
مكان الولادةسرهند - الهند
مكان الوفاةسرهند - الهند
أماكن الإقامة
  • دهلي - الهند
  • سرهند - الهند

نبذة

الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي الشيخ الأجل الإمام العارف، بحر الحقائق والأسرار والمعارف، محيي السنن النبوية، ناصر الشريعة البيضاء السنية، مشيد مباني الطريقة، مجدد معالم الحقيقة، برهان العارفين والمحققين، وحجة الأولياء المتقين

الترجمة

الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي
الشيخ الأجل الإمام العارف، بحر الحقائق والأسرار والمعارف، محيي السنن النبوية، ناصر الشريعة البيضاء السنية، مشيد مباني الطريقة، مجدد معالم الحقيقة، برهان العارفين والمحققين، وحجة الأولياء المتقين، مفتخر الأعصر والدهور، ومعتمد الفارغين إليه في جل الأمور، آية من آيات الله العظام، ونادرة من نوادر الأيام، الذي أخذ بيد العلم لما زلت به القدم، وكاد أن يهوى في مهاوي العدم، حتى جاء مجدداً للألف الثاني، وبرهاناً ساطعاً على أشرفية النوع الإنساني.
دنيا بها انقرض الكرام فأذنبت وكأنما بوجوده استغفارها شيخ الإسلام والمسلمين، أحمد بن عبد الأحد بن زين العابدين رضي الله عنه، ولد بسرهند في شوال سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، وأخذ أكثر العلوم والطريقة الجشتية عن أبيه، واستفاد بعض العلوم العقلية عن الشيخ كمال الدين الكشميري، وأسند الحديث عن الشيخ يعقوب بن الحسن الصرفي الكشميري الذي أخذ عن الشيخ شهاب ابن حجر الهيتمي المكي، ثم تناول الحديث المسلسل بالأولية عن القاضي بهلول البدخشي عن الشيخ عبد الرحمن فهد عن أبيه الشيخ عبد القادر وعمه الشيخ جار الله عن أبيهما الحافظ عز الدين عبد العزيز عن جده الحافظ الرحلة تقي الدين محمد بن فهد العلوي الهاشمي والحافظ الحجة شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني، وللشيخ أحمد اجازة برواية الكتب الحديثية وغيرها عن القاضي المذكور.
ولما فرغ من تحصيل ما تيسر له من العلوم الظاهرة وكان إذ ذاك ابن سبع عشرة سنة اشتغل بالتدريس والتصنيف، ومما صنفه في تلك الأيام رسالة في إثبات النبوة وأخرى في الرد على الشيعة الإمامية وغير ذلك مما أثنى عليه العلماء، وألبسه أبوه خرقة الخلافة.
فلما توفي أبوه عام سبعة وألف ارتحل إلى دهلي يريد الحج فقاده قائد توفيق من الله عز وجل إلى الشيخ الأجل رضي الدين عبد الباقي النقشبندي رضي الله عنه، فأخذ عنه الطريقة النقشبندية، واشتغل بها وتدرج في أيام معدودات إلى أوج القطبية والفردية ثم إلى ما شاء الله تعالى، حتى بشره الشيخ بحصول رتبة التكميل والترقي إلى مدارج القرب والنهاية، وثم أجاز له بارشاد الطالبين وألبسه خرقة الخلافة، ولم يزل يكرمه ويجله ويفتخر به ويثني عليه بما لا يبلغ وصفه.

فرجع إلى سرهند وجلس على مسند الإرشاد، وأخذ في الدرس والإفادة، وكان يدرس في علوم شتى من الفقه والأصول والكلام والتفسير والحديث والتصوف، وربما يشتغل بالهداية والبزدوي وشرح المواقف والبيضاوي والمشكاة والبخاري والعوارف، ولد مكتوبات في ثلاثة مجلدات، وهي الحجج القواطع على تبحره في العلوم الشرعية، وفيها ما لا يتبادر إلى الأذهان لمن ليس لهم درك في  مقامات العرفان، فشدوا النطاق في خصامه، وسعوا إلى جهانكير بن أكبر سلطان الهند، فأمر باحضار الشيخ ورضي بجوابه، فعرضوا عليه أن الشيخ ما سجد للسلطان تكبراً مع أنه ظل الله وخليفته، بل  لم يتواضع تواضعاً جارياً، فغضب عليه السلطان وحبسه في قلعة كواليار، وكان شاهجهان ولد جهانكير مخلصاً للشيخ فأرسل إليه أفضل خان والمف تي عبد الرحمن من رجاله مع بعض كتب الفقه قبل أن يحضر عند السلطان وقال إن سجدة التحية تجوز للسلاطين، فان تسجدوا للسلطان عند اللقاء فأنا ضامن من أن لا يصل إليكم ضرر منه، فلم يقبل الشيخ وقال: هذه رخصة والعزيمة أن لا يسجد لغير الله سبحانه، فلبث في السجن ثلاث سنين وحفظ القرآن في تلك الحالة، ثم أخرجه السلطان من السجن بشرط أن يقيم في عسكره ويدور معه، فأقام الشيخ في معسكره ثماني سنوات، وبعد وفاة السلطان رخصه ولده شاهجهان المذكور، فعاد إلى سرهند وصرف عمره بالدرس والإفادة.

ومن مصنفاته الرسالة التهليلية ورسالة في إثبات النبوة ورسالة في المبدأ والمعاد، وله رسالة في المكاشفات الغيبية، ورسالة في آداب المريدين، ورسالة في المعارف اللدنية، ورسالة في الرد على الشيعة، وتعليقات على عوارف المعارف للسهروردي، ومكتوبات في ثلاث مجلدات: المجلد الأول يشتمل على ثلاثمائة وثلاثة عشر مكتوباً، والثاني على تسعة وتسعين مكتوباً، والثالث على مائة وأربعة عشر مكتوباً، وله غير ذلك من المصنفات الرشيقة الممتعة، وفي كل ذلك كشف القناع عن وجوه الحقائق والمعارف مما لم يتيسر لأحد قبله.
قال الشيخ محسن بن يحيى البكري التيمي في اليانع الجني: ولقد بلغه الله سبحانه من الولاية منزلة لا يرام فوقها، وهدى به بعهده ثم بأصحابه من بعده خلقاً لا يحصيهم إلا من أحصى رمل عالج عدداً، فلا ترى ناحية من نواحي المسلمين في بلاد الهند وخراسان وما وراء النهر من بلاد الترك والتتر إلى أقصى ثغر بالمشرق ثم أرض العراق والجزيرة وبلاد الحجاز والشام وقسطنطينية وما والاها إلا وقد نمى فيها طريقته وجرى على ألسنة أهلها ذكره، إليه ينتمون وبه يتبركون، بل دخلت طريقته إلى أقصى المغرب مثل فاس وغيرها، يعرف ذلك بمراجعة المنح البادية لمحمد بن عبد الرحمن الفاسي وغير ذلك، وفي هذا حجة واضحة على جليل شأنه عند الله ورفيع مكانه في  أولياء الله، حيث أشاع طريقته في مشارق أرضه ومغاربها، وعم هذه الأمة برغائب فيوضه وغرائبها، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ومن مصنفاته المشهورة الأسفار الثلاثة من مكاتيبه، بحر من العلم والحقائق وكنز من الرموز والدقائق، ورسائل مفردة كالمبدأ والمعاد والمعارف اللدنية والمكاشفات الغيبية وغير ذلك، وله رضي الله عنه في بيان العقائد على مذهب الماتريدية ولتهذيب طريقة الصوفية النقشبندية لسان أي لسان!

ومن أياديه على رقاب كثير من الناس أنه أوضح الفرق بين وحدة الوجود وبين وحدة الشهود، وبين أن وحدة الوجود شيء يعتري السالك في أثناء السلوك، فمن ترقى مقاماً أعلى من ذلك يتجلى له حقيقة وحدة الشهود، فسد بذلك طريق الإلحاد على كثير ممن كان يتستر بزي الصوفية ويتأول كلامهم على أهوائه الزائغة، ومنها أنه باحث الملاحدة الذين كانوا في زمانه وجادلهم جدالاً حسناً بقلمه ولسانه، وكذلك رد على الروافض ونقض بدعاتهم، ورد على الضعفاء مكايدهم، فحمى بذلك حمى الدين، وحرس بيضة المسلمين، ومنها أنه حقق الفرق بين البدعة والسنة وأقيسة المجتهدين، واستحسانات المتأخرين، والتعارف عن القرون المشهود لها بالخير، وما أحدثه الناس في القرون المتأخرة وتعارفوه فيما بينهم، فرد بذلك مسائل استحسنها المتأخرون من فقهاء مذهبه، ومنها أنه كان يأمر بما يراه معروفاً وينهى عن ضده، ولا يخشى في الله لومة لائم ولا يخاف من ذي سطوة في سلطانه، فكان ينكر على الأمراء ويرشدهم إلى مراشد دينهم، وينفرهم من صحبة الروافض ومن شاكلهم من أعداء الدين، ويبذل لهم نصحه، فنفع الله كثيراً منهم بذلك، وصلحت بصلاحهم الرعية، فسد الله ثلمة ظاهر الدين كما رقع به خرق باطنه، فهذب به وبأصحابه في البلدان النائية فئام ممن وفق لسبيل القوم، وذلك لأنه كان فقيهاً ماتريدياً زكي النفس، حريصاً على اتباع السنن مجتهداً فيه، شديد النصح لأبناء زمانه، فجاءت لذلك - والله أعلم - طريقته وعلومه وشمائله محمودة عند المحققين وأهل الإنصاف، ورغب فيها الناس وقل ما تعقب به ورد من قوله، والمسائل التي شدد بها النكير عليه بعض أهل العلم، والحق أنه مصيب في بعضها وله تأويل سائغ في البعض الآخر، وقد شاركه فيها غيره من هذه الطائفة ممن لا يحصى كثرة، فليس إذاً يخصه الإنكار، ولو أخذناهم بأمثال ذلك لم ينج أكثر المتأخرين منهم، ولا يتعين القول بالخطأ فيها إلا في مسألة أو مسألتين من باب السنن قد اعتذروا عنه في أحدهما والعذر فيهما واحد، وقد شهد له بما ذكرت من فضائله أو بما يقرب منه، وأجاب عن شبهات المتقشفة وذب عنه الشيخ ولي الله بن عبد الرحيم العمري الدهلوي وأنعم الثناء عليه، فلم يترك فيه مجالاً لعائب ولا مقالاً لرائب، وكفاك به إماماً يشهد لإمام، والقول ما قالت به حذام، انتهى.
وأما مخالفوه فمنهم الشيخ محمد صالح الأورنك آبادي ومحمد عارف وعبد الله السورتي من أحاب الشيخ محمد صالح، فانهم صوروا سؤالاً وذكروا فيه أقوالاً، وزعموا أنهم استخرجوها من مكتوبات الشيخ أحمد، ثم عربوها بقدر معرفتهم ومقتضى مرادهم وأرسلوها إلى السيد محمد البرزنجي أحد مجاوري المدينة المنورة، ثم بعد وصول ذلك السؤال إليه علق رسالة بتكفير الشيخ أحمد بسبب الأقوال المكتوبة في السؤال بملائمة خاطر المرسل إليه وتصدى لإثبات كفره بها، وسأل قاضي المدينة المنورة ومفتيها وعلماءها أن يكتبوا على تلك الفتوى على وفق مراده، فامتنعوا عن ذلك وردوا عليه كلاماً وأجوبة تليق بالعلماء العاملين لعلمهم، ثم بعد ذلك أتى إلى مكة المشرفة فسأل الكتابة على السؤال المذكور من قاضيها ومفتيها وعلمائها أيضاً، فما وافقه على ذلك أحد فأجابوه بقولهم: هذا الأمر الذي ارتكبته عظيم، فلا يوافقك في تكفير مسلم إلا كل هالك، وما وافقه بالكتابة من العلماء على ذلك إلا آحاد من الناس ممن لا معرفة له بالطريقة، وبعضهم وافقه لملائمة هواه، وبعضهم لا علم له رأساً ولا حقيقة، فحصل ما حصل من القيل والقال، فاحتاج الناس إلى تتبع مكتوبات الشيخ المذكور وتعريب ألفاظه من الفارسية إلى العربية على وجه يتضح الحق على الناس، ولذلك صرف الشيخ الأجل العالم الفاضل نور الدين محمد بيك همته العلية وطلب جميع مكتوبات الشيخ وقابل الأقوال التي في ورقة السؤال مع مكتوبات المرحوم، فوجد بعضها غير موافق معها بسبب التحريف وترك بعض الألفاظ وزيادة أخرى، فكتب رسالة وبين فيها اصطلاحات السادة النقشبندية ومقاصد الشيخ أحمد، فعرب ألفاظه إلى العربية وأحسن واهتم وأتقن، وارتفع من أهل الحق سوء الظن، وندم كثير ممن كتب على السؤال المذكور، وصححه الشيخ عبد الله الآفندي والشيخ أحمد الهشيشي والسيد الأسعد المفتي المدني الحنفي والإمام علي الطبري المفتي الشافعي وعبد الرحمن بن محمد الصالح الإمام المالكي ومحمد بن القاضي الحنفي والشيخ الحسن الحنفي ومرشد الدين ابن أحمد المرشدي والسيد محمد الآفندي والشيخ عبد الله الآفندي عناقي زاده.
ثم تصدى لشرح كلماته الطيبات الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي الدمشقي في رسالة نتيجة العلوم ونصيحة علماء المرسوم، ألفها سنة اثنتي عشرة ومائة وألف، ثم تصدى للرد على البرزنجي الشيخ فرخ شاه بن محمد سعيد السرهندي في رسالة سماها كشف الغطاء عن وجوه الخطاء.

وممن خالفه الشيخ عبد الحق بن سيف الدين البخاري الدهلوي فإنه ألف رسالة في تعقبه وأورد إيرادات شتى على مقالاته، فرد عليه الشيخ عبد العزيز ابن ولي الله العمري الدهلوي، والشيخ غلام علي العلوي الدهلوي وخلق كثير من العلماء والمشايخ، وقيل إن الشيخ نور الحق بن عبد الحق الدهلوي أيضاً خالف أباه في ذلك، بل استفاد الطريقة عن الشيخ محمد معصوم والشيخ محمد سعيد ابني الشيخ أحمد، والمشهور أن الشيخ عبد الحق رجع في آخر عمره عن الإنكار عليه، وكتب في رسالة له إلى الشيخ حسام الدين بن نظام الدين البدخشي الدهلوي أن محبة الفقير في هذه الأيام للشيخ أحمد سلمه الله تعالى متجاوزة عن الحد ولم تبق فيما بيننا الحجب البشرية والغشاوة الجبلية أصلاً، ومع قطع النظر عن رعاية أخوة الطريقة والإنصاف وحكم العقل كيف ينبغي الإنكار والخصومة مع أمثال هؤلاء الأعزة والأكابر! ولقد وقع في باطني شيء أحسه بطريق الذوق والوجدان، يعجز عن تقريره اللسان، سبحان الله مقلب القلوب ومبدل الأحوال ولعل أهل الظاهر يستبعدون ذلك، وإني لا أدري كيف هذا الحال وعلى أي منوال، انتهى.
وفي كشف الغطاء: وقد رأيت بخط سند العلماء أفضل الفضلاء مولانا عبد الحكيم السيالكوتي في رد بعض شبهات المخالفين على كلامه، قدس سره - هذه العبارة القدح في كلام الشيوخ على غير مرادهم جهل وعاقبته وخيمة، فرد كلام الشيخ الأجل العارف الكبير الشيخ أحمد إنما هو من السفاهة وقلة الفهم، كتبه الفقير عبد الحكيم وإن أردت تصديق ذلك فذلك الخط عند إمام العصر الشيخ محمد النقشبندي نجل قدوة الأولياء الشيخ محمد معصوم - قدس الله سره فعليك، به، - انتهى.

وقال الشيخ عبد العزيز بن ولي الله العمري الدهلوي في رسالة له إلى الحافظ صدر الدين الحيدر آبادي: ولما رسخت هذه المعرفة التوحيد الوجودي وتدرج أصحاب العقول الزائغة في طريق الإلحاد، واتخذوا هذه المعرفة الغامضة وسيلة لإبطال الشرائع والتكليفات، وشاع مذهب الشيخ محب الله الإله آبادي الذي ظاهره الإلحاد، وراج رواجاً عظيماً، قيض الله للاصلاح الشيخ الكبير أحمد السرهندي، وألهمه علوماً غريبة ليعتدل الحار بالبارد والرطب باليابس حتى تتزن الأفكار ويزهق الباطل  الممزوج بالحق وذلك معنى التجديد، هذا ما قيل فيه.
ومن ألفاظه القدسية ما قاله في معارف الصوفية.
اعلم أن معارفهم وعلومهم في نهاية سيرهم وسلوكهم إنما هي علوم الشريعة لا أنها علوم أخر غير علوم الشريعة، نعم تظهر في أثناء الطريق علوم ومعارف كثيرة ولكن لا بد من العبور عنها، ففي نهاية النهايات علومهم علوم العلماء وهي علوم الشريعة، والفرق بينهم وبين العلماء أن تلك العلوم بالنسبة إلى العلماء نظرية واستدلالية، وبالنسبة إليهم كشفية وضرورية.
وقال في الشريعة:
اعلم أن الشريعة متكفلة بجميع السعادات الدنيوية والأخروية، ولا يوجد مطلب يحتاج في تحصيله إلى غير الشريعة، وأما الطريقة والحقيقة فهما خادمان للشريعة، وتحصيلهما لتكميل الشريعة لا غير، وأما الأحوال والمواجيد والمعارف التي تظهر للصوفية في أثناء الطريق فليست من المقاصد، بل هي أوهام وخيالات تربى بها الأطفال فلا بد من العبور عنها في النهاية.
وقال في التوحيد:
اعلم أن التوحيد قسمان: توحيد شهودي، وتوحيد وجودي، والذي لا بد منه هو التوحيد الشهودي الذي يتعلق به الفناء، والتوحيد الشهودي لا يخالف العقل ولا الشرع بخلاف التوحيد الوجودي فانه يخالفهما ويتضح ذلك بمثال، وذلك أنه قال شخص عند طلوع الشمس واختفاء الأنجم: لبس في السماء إلا الشمس، فهذا القول صحيح لا يخالف العقل ولا الشرع، إذ لا يرى حينئذ إلا الشمس لضعف بصره، فلو أعطى حدة البصر لرأى النجم مع الشمس، بخلاف ما لو قال ذلك قبل طوع الشمس فإنه يكذبه العقل والشرع وأما أقوال المشايخ التي وردت في التوحيد فلا بد أن تحمل على التوحيد الشهودي حتى لا تخالف العقل والشرع.
يقول الإمام السرهندي في رسالة كتبها إلى الشيخ فريد البخاري.
إن التوحيد الذي يحصل للصوفية في أثناء سلوكهم ينقسم قسمين:
التوحيد الشهودي، والتوحيد الوجودي، التوحيد الشهودي: عبارة عن روية واحد: أي أن لا يكون شهود السالك إلا فرداً أحداً، والتوحيد الوجودي عبارة عن اعتقاد وجود واحد، وفناء كل ما سواه وعدمه.
ثم يقول: مثل أن يطمئن قلب إنسان على وجود الشمس، فلا يستلزم استيلاء هذا اليقين أن يعتقد عدم النجوم وفناءها، ولكن هو عند ما رأى الشمس ولا يرى النجوم، فان مشهوده - حينئذ - ليس إلا الشمس، ولكن رغم ذلك لا يعتقد أن النجوم فانية معدومة، بل يكون على يقين من أنها مختفية ومغلوبة بضوء الشمس وشعاعه.
وهكذا حقق الإمام السرهندي وأثبت أن وحدة الوجود مقام يعرض للسالك خلال السلوك، فيشاهد - عند ذلك - عياناً وجهاراً، أنه لا وجود هناك إلا لواجب الوجود، وكل ما يراه الانسان من وجود، فهو وجود واحد، وما سواه فليس إلا تنوعاته وتلويناته وفي تعبير المتذوقين لهذا المشرب الوجودي تنزلاته.
ولكن لو حالف التوفيق الرباني، ورافق الهدى النبوي وكان السالك صاحب طموح وعلو همة، فانه فوز بمقام آخر وهو مقام وحدة الشهود.
وقال في وجود الحق وفي نبوة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما جاء به:
اعلم أن وجود الحق تعالى وكذا وحدته بل نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل جميع ما جاء به من عند الله تعالى لا يحتاج إلى فكر ولا دليل، والنظر والفكر فيها ما دامت العلة موجودة والآفة ثابتة، وبعد النجاة من مرض القلب ودفع الغشاوة البشرية لا يبقى غير البداهة، مثلاً الصفراوي ما دام مبتلي بعلة الصفراء فحلاوة السكر عنده تحتاج إلى دليل، والأحول يرى الشخص الواحد اثنين ويحكم بعدم وحدته فهو معذور، ووجود الآفة فيه لا يخرج وحدة الشخص من البداهة ولا يجعله نظرياً، ومعلوم أن ميدان الاستدلال ضيق واليقين الذي يحصل من طريقة الأدلة متعذر جداً، فلا بد من تحصيل الإيمان اليقيني من إزالة المرض القلبي، فكما أن السعي في إزالة علة الصفراء للصفراوي لتحصيل اليقين له بحلاوة السكر أهم من السعي في إقامة الأدلة لتحصيل اليقين بحلاوته، فكذلك ما نحن فيه فإن النفس الأمارة منكرة بالذات للأحكام الشرعية وحاكمة بالطبع بنقاضتها، فتحصيل اليقين بهذه الأحكام الصادقة بالأدلة مع وجود إنكار وجدان المستدل متعذر جداً، فلا بد في تحصيل اليقين من تزكية النفس، وتحصيل اليقين من غير تزكيتها صعب لآية "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"، فعلم أن منكر هذه الشريعة الباهرة والملة الطاهرة الظاهرة مثل منكر حلاوة السكر، فالمقصود من السير والسلوك وتزكية النفس وتصفية القلب إزالة الآفات المعنوية والأمراض القلبية، كما قال تعالى: في قلوبهم مرض، حتى يتحقق بحقيقة الإيمان، فإن وجد إيمان مع وجود هذه الآفات فهو بحسب الصورة فقط، فإن وجدان الأمارة حاكمة بخلافه ومصرة على حقيقة كفرها، ومثل هذا الإيمان والتصديق الصوري مثل إيمان الصفراوي بحلاوة السكر، فإن وجدانه شاهد بخلافه، فكما أنه لا يحصل اليقين الحقيقي بحلاوة السكر إلا بعد إزالة مرض الصفراء، فكذلك لا تحصل حقيقة الإيمان إلا بعد تزكية النفس والاطمئنان، وحينئذ يكون وجدانياً، وهذا القسم من الإيمان محفوظ من الزوال، ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون صادق في شأنهم، شرفنا الله تعالى بشرف هذاالإيمان الكامل الحقيقي.
وقال في فضل الطريقة النقشبندية:
إعلم أن طريقة الخواجكان - قدس الله أسرارهم - مبنية على اندراج النهاية في البداية، قال الشيخ نقشبند: نحن ندرج النهاية في البداية، وهذه الطريقة بعينها طريقة الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، فإن الصحابة تيسر لهم في بداءة صحبتهم مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يتيسرلغيرهم في نهايتهم، فلهذا لما تشرف وحشى قاتل حمزة رضي الله تعالى عنهما في بداءة إسلامه مرة بصحبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أفضل من أويس القرني الذي هو خير التابعين، فالذي تيسر لوحشي في بداءة تلك الصحبة ما تيسر لأويس القرني في نهايته.
وقال في بيان أن الجذبة التي قبل السلوك ليست من المقاصد:
إعلم أن للوصول طريقتين: الجذبة، والسلوك، وبعبارة أخرى: التزكية، والتصفية، والجذبة التي قبل السلوك ليست من المقاصد، والتصفية التي قبل التزكية ليست من المطالب، والجذبة التي تكون بعد تمام السلوك، والتصفية التي تكون بعد حصول التزكية الكائنة في السير في الله من المقاصد المطلوبة، فالجذبة والتصفية السابقة لأجل تسهيل السلوك على السالك، وبدون السلوك لا ينال المطلوب، وبلا قطع المنازل لا يظهر جمال المحبوب، فالجذبة الأولى كالصورة للثانية وفي الحقيقة لا مناسبة بينهما، فالمراد من اندراج النهاية في البداية اندراج صورة النهاية وإلا فحقيقة النهاية لا تسعها البداية - وتحقيق هذا المبحث مفصل في رسالة الجذبة والسلوك، فلا ينبغي الاكتفاء عن الحقيقة بالصورة بل لا بد من العبور عن الصورة إلى الحقيقة - انتهى ما في المعربات للشيخ يونس ملخصاً.
أما بيان وحدة الوجود ووحدة الشهود:
أما بيان وحدة الوجود على ما ذكره الشيخ الكبر وأتباعه ووحدة الشهود على ما ذكره الشيخ أحمد والفرق بينهما فيلخص ذلك من المكتوب المدني للشيخ ولي الله بن عبد الرحيم العمري الدهلوي يتضح لك ما قيل فيه:
إعلموا أن وحدة الوجود ووحدة الشهود لفظتان تطلقان في موضعين، فتارة تستعملان في مباحث السير إلى الله عز وجل فيقال: هذا السالك مقامه وحدة الوجود، وذلك مقامه وحدة الشهود، ومعنى وحدة الوجود ههنا الاستغراق في معرفة الحقيقة الجامعة التي تعين العالم فيها بحيث تسقط عنه أحكام التفرقة والتمايز التي معرفة الخير والشر مبنية عليها، والشرع والعقل مخبران عنها مبينان لها أتم بيان وأوفى إخبار، وهذا مقام يحل فيه بعض السالكين حتى يخلصه الله تعالى منه، ومعنى وحدة الشهود: الجمع بين أحكام الجمع والتفرقة، فيعلم أن الأشياء واحدة بوجه من الوجوه كثيرة مباينة بوجه آخر، وهذا المقام أتم وأرفع من الأول، وهذا الاصطلاح مأخوذ من بعض أتباع الشيخ آدم البنوري قدس سره.
ومما يدل على شدة تمسكه بالشريعة الغراء وغيرته عليها أشد الغيرة، واستنكافه عن كل ما عارضها من أقوال الصوفية وكلام المشايخ، ما جاء في رسالة له إلى معاصر كتب إليه أن الشيخ عبد الكبير اليمني قال:
إن الله عليم بالكليات فقط فقال في الرد عليه: يا سيدي! إن هذا الفقير لا يكاد يحتمل سمع مثل هذا الكلام، إن عرقي الفاروقي ينبض عند ذلك،
سواء كان ذلك كلام عبد الكبير اليمني أو محي الدين ابن عربي، نحن في حاجة إلى محمد العربي لا ابن عربي، إن الفتوحات المدنية أغنتنا عن الفتوحات المكية عمدتنا النص لا الفص.
وقد أنكر وجود بدعة حسنة، وقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أطلق القول فقال: كل بدعة ضلالة، فلا يستثنى من هذا الإطلاق بدعة، وله رسائل قوية واضحة في الإنكار على أعمال شركية وتقاليد وعادات تسربت في مسلمي الهند عن أهل البلاد الوثنيين.
وكانت وفاة الشيخ أحمد المجدد لليلتين بقيتا من صفر سنة أربع وثلاثين وألف بمدينة سرهند، فصلى عليه ابنه محمد سعيد ودفنه بها، وقبره هناك مشهور.

الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)