يوسف باشا الوزير المعظم
تاريخ الوفاة | 1231 هـ |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
الوزير المعظم يوسف باشا والي الشام
أصله من الأكراد الدكرليه، وينسب إلى الأكراد الملية، وفي ابتداء أمره، هرب من أهله وعمره إذ ذاك خمس عشرة سنة، فوصل إلى حماة وتعاطى بيع الحشيش والسرجين والروث، ثم خدم عند رجل يسمى ملا حسين مدة سنين، إلى أن ألبسه قلبقاً، ثم خدم بعده ملا إسماعيل بلكباش وتعلم الفروسية، فلعب يوماً في القمار وخسر فيه وخاف على نفسه، فخرج هارباً إلى عمر آغا باسيلي من إشرافات إبراهيم باشا المعروف بالأردن، فتوجه معه إلى غزة، وكان مع المترجم جواد أشقر من جياد الخليل، فقلد على آغا متسلم غزة عمر آغا المذكور، وجعله دالي باش ففي بعض الأيام طلب المتسلم من المترجم الجواد المذكور، فقال له إن قلدتني دالي باش قدمته لك، فأجابه إلى ذلك وعزل عمر آغا وقلد المترجم المنصب عوضاً عنه، وامتنع من إعطائه ذلك الجواد، وأقام في خدمته مدة، فوصل مرسوم من أحمد باشا الجزار خطاباً للمترجم بالقبض على المتسلم، وإحضاره إلى طرفه، وإن فعل ذلك ينعم عليه بخمسين كيساً ومائة بيرق، ففعل ذلك وأوقع القبض على علي آغا المتسلم، وتوجه به إلى عكا بلدة الجزار، فقال المتسلم للمترجم في أثناء الطريق تعلم أن الجزار رجل سفاك للدماء فلا توصلني إليه، وإن كان وعدك بمال أطلقني وأنا أعطيك أضعافه ولا تشاركه في دمي، فلم يجبه إلى ذلك، وأوصله إلى الجزار فحبسه ثم قتله، فحبسه ثم قتله ورماه في البحر، وأقام المترجم بباب الجزار ثم أرسل إليه يأمره بالذهاب إلى حيث يريد فإنه لا خير فيه لخيانته لمخدومه، فذهب إلى حماة وأقام عند إسماعيل آغا وهو متول من طرف عبد الله باشا المعروف بابن العظم، فأقام في خدمته كلارجي زمناً نحواً من ثلاث سنين، وكان بين عبد الله باشا وأحمد باشا الجزار عداوة فتوجه عبد الله باشا إلى الدورة، فأرسل الجزار عساكره ليقطع عليه الطريق، فسلك طريقاً أخرى، فلما وصل إلى جينين وجه الجزار عساكره عليه، فلما تقارب العسكران وتسامعت أهل النواحي امتنعوا من دفع الأموال، فما وسع عبد الله باشا إلا الرحيل، وتوجه إلى ناحية نابلس وحاصر بلدة تسمى صوفين، وأخذ مدافع من يافا وأقام محاصراً لها ستة أيام، ثم طلبوا الأمان فأمنهم ورحل عنهم إلى طرف الجبل مسيرة نصف ساعة، وفرق عساكره لقبض أموال الميري من البلاد، وأقام هو في قلة من العسكر، فوصل إليه خيال وقت العصر يخبره بوصول عساكر الجزار، وأنه لم يكن بينه وبينهم إلا نصف ساعة، وهم خمسة آلاف مقاتل، فارتبك في أمره وأرسل إلى النواحي فحضر إليه من حضر، وهم نحو الثلاثمائة خيال، وبدائرته نحو الثمانين، فأمر بالركوب، فلما تقاربا هاله كثرة عساكر العدو وأيقنوا بالهلاك، فتقدم المترجم إلى العسكر وأشار عليهم بالثبات، وقال لهم لم يكن غير ذلك فإننا إن فررنا هلكنا عن آخرنا، وتقدم المترجم مآغاته ملا إسماعيل، وتبعهم العسكر وولجوا وسط خيل العدو وصدقوا الجملة جملة واحدة، فحصلت في العدو الهزيمة وركبوا أقفيتهم، وتبعهم المترجم حتى حال الليل بينهم، فرجعوا برؤوس القتلى والقلائع، فلما أصبح النهار عرضوها على الوزير وهي نحو الألف رأس وألف قليعة، فخلع عليهم وشكرهم، وارتحلوا إلى دمشق، وذهب المترجم مع آغاته إلى مدينة حماة، واستمر هناك إلى أن حضر الوزير الأعظم يوسف باشا المعروف بالمعدن لي إلى دمشق، بسبب الفرنساوية، ففارق المترجم مخدومه في نحو السبعين خيالاً، وجعل يدور بأراضي حماة بطالاً، ويقال له قيس، فيراسل الجزار لينضم إليه، وكان الجزار عند حضور الوزير انفصل حكمه عن دمشق ووجه ولايتها إلى عبد الله باشا العظم، فلما بلغ المترجم ذلك توجه إلى لقاء عبد الله باشا بالمعرة، فأكرمه عبد الله باشا وقلده دالي باشا كبيراً على جميع الخيالة حتى على آغاته ملا إسماعيل آغا، وأقام بدمشق مدة إلى أن حاصر عبد الله باشا مدينة طرابلس، فوصل إليه الخبر بأن عساكر الجزار استولوا على دمشق وبلادها، فركب عبد الله باشا وذهب إلى دمشق ودخلها بالسيف، ونصب عرضيه خارجها، فوصل خبر ذلك إلى الجزار، فكاتب عساكر عبد الله باشا بتسليمهم، لأن معظمهم غرباء، فاتفقوا على خيانته والقبض عليه وتسليمه إلى الجزار، وعلم ذلك وتثبته فركب في بعض مماليكه وخاصته إلى المترجم، وهو إذ ذاك دالي باشا، وأعلمه الخبر وأنه يريد النجاة بنفسه، فركب بمن معه وأخرجه من بين العسكر قهراً عنهم وأوصله إلى شول بغداد ذم ذهب على الهجن إلى بغداد، ورجع المترجم إلى حماة فقبل وصوله إليها ورد عليه مرسوم الجزار يستدعيه، فذهب إليه فجعله مقدم ألف، وقلده باش الجردة مسافر إلى الحجاز بالملاقاة، وكان أمير الحاج الشامي إذ ذاك سليمان باشا عوضاً عن مخدومه أحمد باشا الجزار، فلما حصلوا في نصف الطريق وصلهم خبر موت الجزار، فرجع يوسف باشا المترجم إلى الشام، واستولى إسماعيل باشا على عكا، وتوجه منصب ولاية الشام إلى إبراهيم باشا المعروف بقطر أغاسي، أي أغات البغال، وفي فرمان ولايته الأمر بقطع رأس إسماعيل باشا وضبط مال الجزار، فذهب المترجم بخيله وأتباعه إلى إبراهيم باشا وخدم عنده، وركب إلى عكا وحصروها، وحطوا في أرض الكرداني مسيرة ساعة من عكا، وكانت الحرب بينهم سجالاً، وعساكر إسماعيل باشا نحو العشرة آلاف، والمترجم يباشر الوقائع وكل وقعة يظهر فيها على الخصم، ففي يوم من الأيام لم يشعروا إلا وعسكر إسماعيل باشا نافذ إليهم من طريق أخرى، فركب المترجم وأخذ صحبته ثلاثة مدافع وتلاقى معهم، وقاتلهم وهزمهم إلى أن حصرهم بقرية تسمى دعوق، ثم أخرجهم بالأمان إلى وطاقه وأكرمهم، وعمل لهم ضيافة ثلاثة أيام، ثم أرسلهم إلى عكا بغير أمر الوزير، ثم توجه إبراهيم باشا إلى الدورة وصحبته المترجم، وتركوا سليمان باشا مكانهم، وخرج إسماعيل باشا من عكا وأغلقت أبيابها، فاتفقت عساكره وقبضوا عليه وسلموه إلى إبراهيم باشا، فعند ذلك برز أمر إبراهيم باشا بتسليم عكا إلى سليمان باشا، وذهب بالمرسوم المترجم فأدخله إليها ورجع إلى مخدومه، وذهب معه إلى الدورة، ثم عاد معه إلى الشام، وورد الأمر بعزل إبراهيم باشا عن الشام وولاية عبد الله باشا المعروف بالعظم، على يد باشت بغداد، فخرج المترجم لملاقاته من على حلب، فقلده دالي باشا على جميع العسكر، فلما وصل إلى الشام ولاه على حوران وغربد والقنيطرة ليقبض أموالها، فأقام نحو السنة، ثم توجه صحبة الباشا مع الحج، وتلاقوا مع الوهابية في الجديدة فحاربهم المترجم وهزمهم، وحجوا واعتمروا ورجعوا، ومكثوا إلى السنة الثانية، فخرج عبد الله باشا بالحج وأبقى المترجم نائباً عنه بالشام، فلما وصل إلى المدينة المنورة منعه الوهابيون، ورجع من غير حج، ووصل خبر ذلك إلى الدولة فورد الأمر بعزل عبد الله باشا عن ولاية الشام وولاية المترجم على الشام وضواحيها، فارتاعت النواحي والعربان، وأقام السنة ولم يخرج بنفسه إلى الحج، بل أرسل ملا حسن عوضاً عنه، فمنع أيضاً عن الحج فلما كانت القابلة انفتح عليه أمر الدورة، وعصى عليه بعض البلاد، فخرج إليها وحاصر بلدة تسمى كردانية ووقع له فيها مشقة كبيرة إلى أن ملكها بالسيف، وقتل أهلها، ثم توجه إلى جبل نابلس وقهرهم وجبى منهم أموالاً عظيمة، ثم رجع إلى الشام واستقام أمره وحسنت سيرته، وسلك طريق العدل في الأحكام، وأقام الشريعة والسنة وأبطل البدع والمنكرات واستتاب الخواطئ وزوجهن، وطفق يفرق الصدقات على الفقراء وأهل العلم والغرباء وابن السبيل، وأمر بترك الإسراف في المآكل والملابس، وشاع خبر عدله في النواحي، ولكن ثقل ذلك على أهل البلاد بترك مألوفهم، ثم إنه ركب إلى بلاد النصيرية وقاتلهم وانتصر عليهم وسبى نساءهم وأولادهم، وكان خيرهم بين الدخول في الإسلام والخروج من بلادهم، فامتنعوا وحاربوا وانخذلوا، وبيعت نساؤهم وأولادهم، فلما شاهدوا ذلك أظهروا الإسلام تقية، فعفا عنهم وعمل بظاهر الحديث وتركهم في البلاد، ورحل عنهم إلى طرابلس وحاصرها بسبب عصيان أميرها بربر باشا على الوزير، وأقام محاصراً لها عشرة أشهر حتى ملكها واستولى على قلعتها، ونهبت منها أموال للتجار وغيرهم، ثم ارتحل إلى دمشق وأقام بها مدة، فطرقه خبر الوهابية أنهم حضروا إلى المزيريب، فبادر مسرعاً وخرج إلى لقائهم، فلما وصل إلى المزيريب وجدهم قد ارتحلوا من غير قتال، فأقام هناك أياماً، فوصل إليه الخبر بأن سليمان باشا وصل إلى الشام وملكها، فعاد مسرعاً إلى الشام، وتلاقى مع عسكر سليمان باشا وتحارب العسكران إلى المساء، وبات كل منهم في محله، ففي نصف الليل في غفلتهم والمترجم نائم وعساكره أيضاً هامدة، فلم يشعروا إلا وعساكر سليمان باشا كبستهم، فحضر إليه كتخداه وأيقظه من منامه، وقال له إن لم تسرع وإلا قبضوا عليك، فقام في الحين وخرج هارباً وصحبته ثلاثة أشخاص من مماليكه فقط، ونهبت أمواله وزالت عنه سيادته في ساعة واحدة، ولم يزل حتى وصل إلى حماة، فلم يتمكن من الدخول إليها ومنعه أهلها عنها، وطردوه فذهب إلى سيجر، وارتحل منها إلى بلدة يعمل بها البارود، ومنها إلى بلدة تسمى ريمة، ونزل عند سعيد آغا فأقام عنده ثلاثة أيام، ثم توجه إلى نواحي إنكاهية بصحبته جماعة من عند سعيد آغا المذكور، ثم إلى السويدة، ولم يبق معه سوى فرس واحد، ثم إنه أرسل إلى محمد علي باشا صاحب مصر واستأذنه في حضوره إلى مصر، فكاتبه بالحضور إليه والترحيب به، فوصل إلى مصر في التاريخ المذكور، فلاقاه صاحب مصر وأكرمه، وقدم إليه خيولاً وقماشاً ومالاً، وأنزله بدار واسعة بالأزبكية، ورتب له خروجاً زائدة من لحم وخبز وسمن وأرز وحطب، وجميع اللوازم المحتاج إليها، وأنعم عليه بجوائز وغير ذلك، وأقام بمصر هذه المدة، وأرسل في شأنه إلى الدولة، وقبلت شفاعة محمد علي باشا فيه ووصله العفو والرضا، ما عدا ولاية الشام، وحصلت فيه علة ذات الصدر، فكان يظهر به شبه السلعة مع الفواق بصوت يسمعه من يكون بعيداً عنه، ويذهب إليه جماعة من الحكماء من الإفرنج وغيرهم، ويطالع في كتب الطب مع بعض الطلبة من المجاورين، فلم ينجح فيه علاج، وانتقل إلى قصر الآثار بقصد تبديل الهواء، ولم يزل مقيماً هناك حتى اشتد به المرض، ومات في ليلة السبت العشرين من شهر ذي القعدة سنة ألف ومائتين وإحدى وثلاثين، وحملت جنازته من الآثار إلى القرافة من ناحية الخلاء، ودفن بالحوش الذي أنشأه الباشا وأعده لموتاه. وكانت مدة إقامته بمصر نحو الست سنوات، فسبحان الحي الذي لا يموت. وصحبته ثلاثة أشخاص من مماليكه فقط، ونهبت أمواله وزالت عنه سيادته في ساعة واحدة، ولم يزل حتى وصل إلى حماة، فلم يتمكن من الدخول إليها ومنعه أهلها عنها، وطردوه فذهب إلى سيجر، وارتحل منها إلى بلدة يعمل بها البارود، ومنها إلى بلدة تسمى ريمة، ونزل عند سعيد آغا فأقام عنده ثلاثة أيام، ثم توجه إلى نواحي إنكاهية بصحبته جماعة من عند سعيد آغا المذكور، ثم إلى السويدة، ولم يبق معه سوى فرس واحد، ثم إنه أرسل إلى محمد علي باشا صاحب مصر واستأذنه في حضوره إلى مصر، فكاتبه بالحضور إليه والترحيب به، فوصل إلى مصر في التاريخ المذكور، فلاقاه صاحب مصر وأكرمه، وقدم إليه خيولاً وقماشاً ومالاً، وأنزله بدار واسعة بالأزبكية، ورتب له خروجاً زائدة من لحم وخبز وسمن وأرز وحطب، وجميع اللوازم المحتاج إليها، وأنعم عليه بجوائز وغير ذلك، وأقام بمصر هذه المدة، وأرسل في شأنه إلى الدولة، وقبلت شفاعة محمد علي باشا فيه ووصله العفو والرضا، ما عدا ولاية الشام، وحصلت فيه علة ذات الصدر، فكان يظهر به شبه السلعة مع الفواق بصوت يسمعه من يكون بعيداً عنه، ويذهب إليه جماعة من الحكماء من الإفرنج وغيرهم، ويطالع في كتب الطب مع بعض الطلبة من المجاورين، فلم ينجح فيه علاج، وانتقل إلى قصر الآثار بقصد تبديل الهواء، ولم يزل مقيماً هناك حتى اشتد به المرض، ومات في ليلة السبت العشرين من شهر ذي القعدة سنة ألف ومائتين وإحدى وثلاثين، وحملت جنازته من الآثار إلى القرافة من ناحية الخلاء، ودفن بالحوش الذي أنشأه الباشا وأعده لموتاه. وكانت مدة إقامته بمصر نحو الست سنوات، فسبحان الحي الذي لا يموت.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.