يحيى بن المزوري العمادي البغدادي
تاريخ الولادة | 1145 هـ |
تاريخ الوفاة | 1245 هـ |
العمر | 100 سنة |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
الشيخ يحيى بن...... المزوري العمادي الشافعي البغدادي
بحر العلوم، وحبر ذوي المنطوق والمفهوم، جامع المنقول والمعقول، وحاوي الفروع والأصول، أستاذ علماء العراق على الإطلاق، وملاذ فحول فضلاء الآفاق في حل المشكلات بلا شقاق، النحرير الهمام حجة الإسلام، الناسك العابد والتقي الزاهد، المتوجه بكله إلى الله والمعتمد عليه لا على سواه.
نقل صاحب المجد التالد أن المترجم المذكور كان من أكابر هذه الأمة المحمدية، وقد بلغ درجة الترجيح في الفقه، مع كونه بحر جميع العلوم النقلية والعقلية والرياضية، كما شهد له بذلك حضرة شيخ الحضرة مولانا خالد النقشبندي، وكانت ولادته في حدود سنة ألف ومائة وخمس وأربعين، وقرأ على مشايخ كثيرين وأساتذة معتمدين، منهم الحبر العلامة والبحر الفهامة، السيد عاصم الحيدري، ومنهم العلامة المحقق والفهامة المدقق، السيد صالح الحيدري. وكان حافظاً لأوقاته مراقباً لحركاته وسكناته، مواظباً على الطاعة متباعداً عن الإضاعة، وآدابه في التقوى والحلم، ومكارم الأخلاق التي أدبه بها الفضل والعلم، كثيرة شهيرة. وفي عام ستة وعشرين ومائتين وألف، لما شرف حضرة مولانا خالد شيخ الحضرة من الهند إلى السليمانية صمم الجماعة البرزنجية الذين هم أكابر بلدة السليمانية وأصحابهم وأتباعهم، وكانوا نحو مائتي رجل على قتل الشيخ خالد المذكور، واتفق رأيهم أن يقفوا بالسلاح يوم الجمعة خارج باب المسجد، فإذا خرج قتلوه وقطعوه إرباً إرباً، فلما جاء يوم الجمعة قام حضرة الشيخ قدس الله سره ومشى إلى المسجد، وكان معه بعض مريديه وجماعة من الحيدريين، فلما تمت صلاة الجمعة وقف الأعداء على الباب ينتظرون خروج الشيخ وهم بالسلاح الكامل، وكان من عادة الشيخ أنه لا يخرج من المسجد إلا بعد خروج الناس، فلما تكامل خروج الناس، ولم يبق في المسجد أحد، خرج حضرة الشيخ والتفت إلى صفوف الأعداء بعين الجلالة، فمنهم من هرب ومنهم من سقط مغمى عليه، ومنهم من صاح وانجذب، ومشى حضرة الشيخ إلى أن وصل إلى الزاوية بجماعته بدون أن يتعرض لهم أحد، وهذه القضية وقعت على رؤوس الأشهاد، فلم يبق أحد من أهل السليمانية إلا وعلمها، فحقد عليه العلماء وأرادوا أن يهينوه في تجهيله في العلم، فامتحنوه بمشكلات أنواع العلوم النقلية والعقلية فلم يقدروا عليه، بل صاروا كأحقر الطلبة بين يديه، فلما رأوا أنفسهم أنهم بالنسبة إليه جهال، وليس لهم قدرة عليه بحال، كتبوا كتاباً وأرسلوه إلى حضرة المترجم، ومضمون الكتاب من كافة علماء السليمانية إلى علامة الدنيا على الإطلاق والدين، حجة الإسلام والمسلمين، مولانا وشيخنا الشيخ يحيى المزوري العمادي متع الله تعالى المسلمين بطول حياته: أما بعد فقد ظهر عندنا خالد وادعى الولاية الكبرى والإرشاد، بعد عوده من الهند إلى هذه البلاد، وهو رجل قد ترك العلوم بعد تحصيلها على وجه الكمال، واختار سبيل الضلال، ونحن قد عجزنا إن إلزامه، وقهره وإفحامه، فيجب عليك أن تتوجه إلى طرفنا لإفحامه، ودفع ضلاله ومرامه، وإلا فقد عم الضلال بين العباد، وانتشر الفساد في البلاد، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فلما وصل الكتاب إلى الشيخ يحيى وقرأه، قام وركب بغلته مع جملة من طلبته الفحول، وتوجه إلى السليمانية وقد استحضر في فكره عدة سؤالات من أشكل المشكلات، في المعقول والمنقول، الفروع والأصول، فلما قرب الشيخ من السليمانية خرج العلماء كافة وأكابر البلدة لاستقباله، وتقبيل يديه ورجليه وأذياله، فلما دخل البلدة دعاه كل إلى منزله من السادة الأعيان، فأبى وقال لا بد أن ألاقي هذا الرجل الآن، فتوجه إلى زاوية الشيخ قدس الله سره، فلما دخل عليه وسلم وحياه، استقبله الشيخ وصافحه وأحسن لقياه، فجلس الشيخ يحيى بجانب مولانا خالد وتهيأ للسؤال، فابتدره الشيخ في الحال، وقال له إن في العلوم مشكلات كثيرة، منها كذا وجوابه كذا ومنها كذا وجوابه كذا، وعدد له جميع الأسئلة التي أعدها للسؤال عنها، وأجاب عن كل منها بأحسن جواب بحيث لم يبق للإشكال باب، فانكب المترجم على قدمي حضرة الشيخ وعرف إجلاله، وطلب منه العفو والسماح والتوجه له بما يصلح آماله، وأعطاه الطريقة النقشبندية، وعين له حجرة يسلك فيها فصار من أخص رجال السادة الخالدية، فلما سمع المنكرون ولوا الأدبار وخأبيا، وبعضهم تاب وأكثر من الندم والاستغفار، وكان حضرة مولانا خالد يحب الشيخ يحيى محبة عظيمة، ويعامله مع كونه مريداً له معاملة الأقران ذوي العظمة والشان، والشيخ يحيى لا يعد نفسه في مجلس الشيخ إلا من الخدام.
وقد حدث العالم الأديب الصالح الشيخ إسماعيل البرزنجي، فقال كنت في خدمة الشيخ يحيى المزوري في حجرة واحدة، وكان الشيخ نائماً وقت القيلولة، فقام حضرة مولانا خالد من محله إلى حجرة الشيخ يحيى فاسقبلته، وقلت له إن الشيخ يحيى نائم فقال لا تنبهه، ثم دخل حضرة مولانا الحجرة وقبل فم الشيخ يحيى وهو نائم، وقال بعد التقبيل متعنا الله تعالى بحياتك، وخرج من الحجرة إلى محله، ومما وقع له أيضاً مما يدل على رفعة مقامه ووصوله في الطريق إلى مرامه، أن عبد الوهاب السوسي الذي خلفه حضرة مولانا خالد في الأستانة العلية، ثم طرده عن الطريقة لعجبه بنفسه بمخالطة أكابر الرجال، وجمع الحطام والأموال، دخل يوماً على الشيخ يحيى وقبل يديه، والتمس منه أن يطلب العفو عنه من حضرة مولانا خالد قدس سره، فقام الشيخ يحيى ودخل على حضرة مولانا خالد والتمس منه العفو عن عبد الوهاب، فقال حضرة الشيخ أن الأمر لو كان بيدي لعفوت عنه، ولكن جميع روحانيات السلسلة العلية النقشبندية قد طردوه عن باب طريقتهم، اللهم إلا أن يحلق عبد الوهاب لحيته ويسود وجهه ويركب الحمار منكوساً ويشهر نفسه في الأزقة والأسواق كسراً لنفسه، فإنهم قدس الله تعالى أسرارهم يعفون عنه حينئذ فقال الشيخ يحيى قدس الله سره: يا شيخي إن عبد الوهاب لا تطاوعه نفسه على مثل هذا الفعل، ولكن رخصني فإني أعمل هذا الفعل عوضاً عنه لعله يعفى عنه وأنا أفدي نفسي في حاجة المسلم، فبكى حضرة مولانا خالد قدس الله سره وتعانق مع الشيخ يحيى وبقيا يبكيان ثم قام حضرة الشيخ قدس الله سره لصلاة النافلة وذهب الشيخ يحيى قدس الله سره إلى محله، وقال لعبد الوهاب فلا تلومن إلا نفسك، وقام عبد الوهاب خائباً والعياذ بالله تعالى من سوء المنقلب.
ومن جملة أدب المترجم مع السنة أنه كان يعاون زوجته في غسل الثياب والطبخ وحوائج البيت، وكان يغسل أولاده إذا ماتوا بنفسه، ويقول لزوجته لا تضجري من موتهم، واشكري الله تعالى. ولما قتل اليزيديون ولده العلامة المحقق عبد الرحمن في الجبال وأتى خبر قتله إليه وهو يدرس العلم، قال حسبنا الله تعالى ونعم الوكيل، ولم يترك الدرس، ولما مات الحبر العلامة السيد أسعد صدر الدين الحيدري كان المترجم نازلاً في بيتهم ضيفاً، فقال أنا أغسل السيد المرقوم فقام وغسله على ملأ من الناس، وكان السيد عبيد الله الحيدري يصب له الماء، وصلى عليه مع خلائق لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، وكان ذلك في أوائل سنة ألف ومائتين وثلاث وأربعين. ثم لما توفي الشيخ المترجم قدس الله سره في بغداد تعاطى غسله العالم الصالح الورع والتقي الملا حسين بن ملا جاحي والسيد محمد أمين ابن السيد عبد الله الحيدري وأخوه السيد صالح الحيدري وعدد كثير من العلماء الأعلام، يصبون الماء على جسده الشريف مناوبة، وصلى عليه العلامة الفهامة النحرير الشيخ عبد الرحمن الروزبهاني طاب ثراه، ولم يبق أحد بحسب الظاهر من أهل بغداد إلا ومشى خلف جنازته، وكأن القيامة في يوم موته قد قامت، ودفن في جوار الغوث الأعظم والقطب الأفخم سيدي عبد القادر الجيلاني قدس سره، وكان عمره يوم وفاته نحواً من مائة سنة، ومات في حدود سنة ألف ومائتين وخمس وأربعين.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.