الشيخ يحيى أفندي أبي النصر بن الشيخ عبد الغني بن الشيخ أحمد بن محمد بن ناصر بن محمد السلاوي نسبة إلى مدينة سلا في المغرب كذا قرر في ترجمة جده الشيخ أحمد السلاوي
ولد في الديار المصرية، وبلغ مبلغاً من العلوم الأدبية، وأتقن صناعة الشعر وأحسنه، وكان يذكر عند مذاكرته في أنواع الأدب من كل شيء أحسنه، وفي سنة ثلاثمائة وألف شرف إلى الشام، وكنت اجتمع به في أكثر الأوقات والأيام، فصيح اللسان ذو معرفة وإتقان، وكان مشتغلاً بنظم قصائد تسعة وعشرين، من كل حرف من حروف الهجاء قصيدة، على طرز قصائد صفي الدين أبي المحاسن عبد العزيز بن سرايا بن أبي القاسم الحلي التي سماها درر النحور في امتداح الملك المنصور، فكان يتلو علينا من أبياتها، ويفكهنا بسكر نباتها، وقد تخلص بكل قصيدة إلى مديح الحضرة المعظمة السلطانية الحميدية، وقد سماها بالعصر الجديد، جمع بها جواهر الآثار، ودقائق المعاني الأبكار، وبعد مدة سافر إلى الأستانة العيلة، وقدمها للسدة السنية الملوكانية، فأحسن إليه برتبة محترمة، وخدمة في دائرة المعارف العمومية الجليلة، ولم يزل مكباً على الاشتغال بالأدب، وآثاره مقبولة تألفها الطباع، وتلتذ بها الأسماع، ومن نظمه البديع وشعره الرفيع، قوله:
أعد الحديث عن الأماني الحفد ... واغتم مسالمة الليالي العود
وأدر كؤوس الراح فيها للهنا ... أيدي الصبا منها صحيفة عسجد
طوراً تطوف بها الشموس وتارة ... تسعى بها الأقمار حول الوقد
من كل وضاح الجبين أغر ذي ... شمم وعز بالشباب معربد
يلقاك ملتحف الوقار كلاهما ... بادي المشيخة في حداثة أمرد
يغدو بأصناف المسرة لاهيا ... يوماً ويوماً بالمقيم المقعد
لا تبصر العينان منه لذي نهى ... إلا خلال ممجد ومسود
إن قال كان الرأي منه مسددا ... أو صال كان الخصم غير مسدد
ومنها:
وخضيبة الكفين مزر قدها ... هيفا بأعطاف الغصون الميد
نشوانة بالحسن تعبث بالنهى ... عبث الحوادث بالوليد المبتدي
تلقاك في ديباجتين منوطة ... من فوق ضاف بالعبير مقرمد
أقسى مساساً من فؤاد معذبي ... وأرق من قلب حزين المكمد
ما بين طلعة بدر تم مشرق ... زاهي الجبين وليل شعر أجعد
فتاكة فتانة مأسورها ... لا يفتدي وقتيلها لا يستدي
إن أقبلت فتنت وإن ولت سبت ... مهج الأراقم دون نيل المقصد
تدني وتبعد بالذي تومي به ... لأخي العفاف وللبغي الأنكد
فتظنها من ثم غير عصية ... وتخالها من ههنا كالعضلد
وتروضها كخليستين عروبة ... غض المساس وحيزبون علكد
لا ينقضي من حبها وطر ولا ... يدنو لها بالغي عزم مجرد
وهي قصيدة طويلة تزيد على المائة وثلاثين بيتاً وتخلص بها لمديح السيد أحمد الرفاعي قدس الله تعالى سره. وله قصائد كثيرة وأشعار شهيرة. ولقد اجتمعت به في الآستانة عام ألف وثلاثمائة وسبعة، فوجدته قد تغير عن حاله، وتبدل الجلال عن جماله، وغلب عليه الجفا بعد ما كان عليه من الوداد والوفا، واللطف والصفا، فسبحان من لا تغيره الأزمان، ولا يحكم عليه وقت ولا أوان.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.