السلطان مصطفى خان بن السلطان عبد الحميد خان
ولد سنة ألف ومائة وثلاث وتسعين، وجلس على تخت الملك في الحادي والعشرين من ربيع الأول سنة ألف ومائتين واثنتين وعشرين فهابه الكبير والصغير والجليل والحقير، وحصل الخوف لجميع أهل الاستانة منه ووقع الرعب في قلوب الجميع، ثم أطلقت المدافع علامة على جلوس السلطان مصطفى ونودي في المنابر باسمه، وتقدم المفتي شيخ الإسلام وقائمقام موسى باشا إلى الجموع التي كانت مجتمعة في فسحة آت ميدان، وأخبروهم أن السلطان مصطفى قد وعد بإبطال ما كان مهتماً به السلطان سليم من وضع النظام الجديد وبإرجاع العوائد القديمة، فلما سمع الجميع هذا الحديث تفرقوا، وبعد أن جلس السلطان مصطفى على تخت السلطنة سلم زمام الأحكام بيد القائمقام كوسج موسى باشا والي المفتى شيخ الإسلام عطا الله أفندي، ولما بلغت هذه الأخبار الصدر الأعظم جلبي مصطفى باشا وكان رئيس الجيوش التي خرجت لقتال الروسية كما تقدم، حزن لذلك وغضب غضباً شديداً هو ومن معه من العساكر، وكان من جملتهم مصطفى باشا البيرقدار، فعقدوا صلحاً مع الروسية، ورجعوا بالعساكر ليتداركوا هذا الأمر، وأرسلوا لعساكر الانكشارية يقولون لهم نحن قادمون لنجدتهم وإتمام رغبتهم ليطمئنوا بذلك، وما دخلوا القسطنطينية إلا بعد مشاق، وأراد البيرقدار مصطفى باشا إرجاع السلطان سليم والقبض على السلطان مصطفى، وطلب من الصدر الأعظم المساعدة على ذلك، فأنكر عليه ذلك مبيناً سوء عواقب الأمور، فغضب البيرقدار غضباً شديداً، وأمر بحبسه وبلغ الخبر السلطان مصطفى فأرسل أناساً يقتلون السلطان سليم، فدخلوا عليه وهو يصلي صلاة العصر، فلم يمهلوه إلى أن يتم الصلاة بل وثبوا عليه وطرحوه إلى الأرض، فنهض حالاً عليهم كالأسد وصرعهم، وكان قوياً جداً، ثم تغلبوا عليه وخنقوه حتى مات، ورجعوا به إلى السلطان مصطفى مسرعين وطرحوه ميتاً أمامه، وكان ذلك سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف، وعمر السلطان سليم ثمان وأربعون سنة ثم أرسل أناساً وأمرهم بخنق أخيه السلطان محمود، وكان البيرقدار قد هجم بجماعة مسرعين لإنقاذ السلطان سليم فوجدوه قد مات، فاهتموا بأمر السلطان محمود، وقال لهم البيرقدار عليكم بنجاة السلطان محمود لأنه هو الوارث الوحيد لتخت السلطنة الباقي من سلالة آل عثمان، فأخذت العساكر تطلب السلطان مصطفى، وتبحث عن السلطان محمود، وإن السلطان محمود لما جاءه جنود السلطان مصطفى الذين يريدون قتله أراد الفرار فرشقه أحدهم بخنجر أصاب يده فهرب، وصعد على سطوح السرايا، فلما نظرته جماعة البيرقدار وضعوا له سلماً فنزل إلى صحن الدار، حيث كان البيرقدار، وعندما نظر إليه البيرقدار فرح فرحاً عظيماً وحمد الله تعالى على خلاصه من أخيه وصار يقبل قدميه، ثم دخل به القاعة وأجلسه على تخت السلطنة، وأرسل جنداً قبضوا على السلطان مصطفى وأمر بحبسه فلما تم جلوس السلطان محمود جعل مصطفى باشا البيرقدار صدراً أعظم، وسلمه زمام الأحكام، فأخذ يجتهد في أخذ الثأر من الذين قتلوا السلطان سليم، ثم شرع في تنظيم العسكر الجديد، وطلب اجتماع أهل الحل والعقد من رجال الدولة، فلما حضروا أخذ يبين لهم شدة الاضطرار لتعليم العساكر صناعة الحرب، وإنفاذ أوامر السلطان طالباً رأيهم في ذلك، فصادقوه مذعنين لأمره، وتعهدوا بالمساعدة في كل من يؤول لنجاح المملكة، وفي الحال أخذ الصدر الأعظم في وضع ترتيبات جديدة أوجبت الملام عليه من كثيرين، وأضمروا له السوء، وصاروا يطعنون فيه جهاراً ويدعونه بالكافر، وعلقوا أوراقاً، ولا زال الأمر في اضطراب إلى أن قتل السلطان مصطفى المترجم بإشارة من السلطان محمود، سنة ألف ومائتين وثلاث وعشرين رحمه الله تعالى. وفي ترجمة السلطان محمود زيادة تفصيل وبيان فليراجع هناك.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.