السيد العلامة محمد بن إسحاق
هو من زهرات أفنان حديقة الأفراح، ترجمة صاحبها مع السادة الملاح، فقال: باب مدينة العلم ومعدن الكرم والحلم، نثره أبهى من الدر المنثور، ونظمه أفخر من قلائد النحور. فمن لطائفه قوله:
أيا بارق الجرعا هل الجزع ممطور ... وهل بالغواني ذلك السفح معمور
وهل ذلك الروض لنضير نضارة ... بعين الرضا من ساكن السفح منظور
وهل كسيت فيه الغصون قطيفة ... مطرزة خضرا وأزرارها نور
أزاهير تغدو بعد حين كأنها ... دراهم في حافاتها ودنانير
فلله ذاك الروض كم عبرت به ... نسيم الصببا في طيها المسك منشور
يكبر من يأتيه حتى طيوره ... لها فيه تهليل كثير وتكبير
إذا رقصت أغصانه فحجامه ... مزامير في أرجائه وطنابير
سقاها الحيا طول المدى فهي جنة ... لأن الحسان اللاعبات بها حور
كواعب لا تفتر عن حرب عاشق ... بتدبير رأي فيه للصب تدمير
يجهزن جيش الانكسار لحربه ... وما هو إلا لحظ عين وتفتير
وغيداء أما اللحظ منها ففاتك ... وأما اريج الثغر منها فكافور
إذا ابتسمت أو كلمت مغرماً يرى ... من الدر منظوم بغيها ومنثور
يحافظ مضناها على حبه لها ... وياليت مضناها على ذاك مشكور
لها في الجفا جزم على رغم أنفه ... وفي وصلها تقديم رجل وتأخير
بطول تجنيها وتفتير لحظها ... فؤادي مسجور هناك ومسحور
شكوت لها هجري وقلت لها متى ... بطيب التداني منك يسعد مهجور
فيا هذه عطفاً على ذي صبابة ... له في الهوى شأن لحسنك مشهور
أسرت منامي بعد اطلاق مدمعي ... وكم في الهوى يشكو طليق ومأسور
وأرسلت قلبي المستهام مع الصبا ... إليك فعاد القهقري وهو مقهور
هبي أنه ضيف ألم بداركم ... وللضيف إكرام عليك وتوقير
على كل حال أنت عندي حبيبة ... وعذرك مقبول وذنبك مغفور
انتهى كلام الحديقة. ثم إن المترجم المذكور رحمه الله تعالى قد كانت وفاته في أوائل القرن الثالث عشر لكنني لم اقف على تعيين تاريخها.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.