السيد علي البكري المصري
قال الإمام الجبرتي ما ملخصه: كان مجذوباً أقام سنين متجرداً ويمشي في الأسواق عرياناً ويخلط في كلامه، وبيده نبوت طويل يصحبه معه في غالب أوقاته، وكان يحلق لحيته. وللناس فيه اعتقاد عظيم وينصتون إلى تخليطاته، ويوجهون ألفاظه ويؤولونها على حسب أغراضهم ومقتضيات أحوالهم ووقائعهم.
وكان له أخ من ذوي الكمال فحجر عليه في داره ومنعه من الخروج، وألبسه ثياباً ورغب الناس في زيارته، وذكر مكاشفاته وخوارق كراماته، فأقبل الناس عليه من كل ناحية وترددوا لزيارته من كل جهة، وأتوا إليه بالهدايا والنذور وجروا على عوائدهم في التقليد، وازدحم عليه الخلائق وخصوصاً النساء، فراج بذلك أمر أخيه واتسعت دنياه، ونصبه شبكة لصيده، ومنعه من حلق لحيته فنبتت وعظمت، وسمن بدن وعظم جسمه من كثرة الأكل والراحة، وقد كان قبل ذلك عرياناً شقياناً تعباناً، غالب لياليه بالجوع طاوياً من غير أكل، بالأزقة في الصيف والشتاء، وقيد به من يخدمه ويراعيه في منامه ويقظته، وقضاء حاجته، ولا يزال يحدث نفسه ويخلط ألفاظه وكلامه، وتارة يضحك وتارة يشتم، ولا بد من مصادفة بعض الألفاظ لما في نفس بعض الزائرين وذوي الحاجات، فيعدون ذلك كشفاً واطلاعاً على ما في نفوسهم، ولا يبعد أن يكون كذلك لأنه كان من المجاذيب المستغرقين.
وسبب نسبتهم إلى البكري أنهم كانوا يسكنون بسويقة البكري لا أنهم من البكريين ولم يزل هذا حاله حتى توفي سنة سبع ومائتين وألف، واجتمع الناس لجنازته من كل جهة، ودفنوه بمسجد الشرايبي بالقرب من جامع الرويعي، وعملوا على قبره مقصورة ومقاماً يقصد للزيارة نفعنا الله بعباده الصالحين.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.