نَجِيب الحَدَّاد
(1283 - 1316 هـ = 1867 - 1899 م)
نجيب بن سليمان الحداد:
صحفي أديب، له شعر. وهو ابن أخت الشيخ إبراهيم اليازجي. ولد في بيروت، وتعلم بها وبالإسكندرية. وكان في هذه من كتاب جريدة " الأهرام " ومجلة " أنيس الجليس " وأصدر مع آخرين جريدة " لسان العرب " يومية، ثم أسبوعية بالقاهرة. وعاد إلى الإسكندرية فتوفي بها.
له " تذكار الصبا - ط " وهو ديوان شعره، وقصص " روائية " منها " رواية صلاح الدين الأيوبي - ط " و " شهداء الغرام - ط " و " حمدان - ط " مسرحية، و " السيد - ط " ترجمها عن الفرنسية، و " غصن البان - ط " و " الفرسان الثلاثة - ط ". ولعادل الغضبان " الشيخ نجيب الحداد - ط " في سيرته وأدبه، وللدكتور محمد يوسف نجم " نجيب حداد - ط " مسرحياته .
-الاعلام للزركلي-
الشيخ نجيب الحداد
الشيخ نجيب الحداد ١٨٦٧م–١٨٩٩م.
ترجمة حاله
ولد في فبراير من عام ١٨٦٧م، ووالده سليمان أفندي الحداد، ووالدته كريمة المرحوم الشيخ ناصيف اليازجي، فربِّي في مهد الأدب، وقد ورث ملكة الشعر من جدَّيه، ورضع لبان النظم والنثر من خاليه (المرحومين الشيخ إبراهيم اليازجي وشقيقه الشيخ خليل اليازجي)، وتلقى بعض العلم عنهما، ولكنه فطر على الأدب مذ نعومة أظفاره، فنظم الشعر قبل أن يدرك الحُلُم، وإليك مثالًا من أبيات نظمها قبل أن يدرك الخامسة عشرة من عمره:
أما ومن زين المعالي بكل صمصامة وحلى
لأعنة الخيل في قتام يريك فيها الغبار كحلا
أحب من عين ذات خدر مقرونة الحاجبين كحلا
وجاء الإسكندرية بعد الحوادث العرابية، فتولى التحرير في جريدة الأهرام إلى عام ١٨٩٤م، فاعتزلها وأنشأ جريدة لسان العرب مع شقيقه أمين أفندي الحداد وعبده أفندي بدران، وتولى هو رئاسة التحرير، فاشتهر اللسان بمتانة عبارته وسهولتها. ثم قضت حال الصحافة بتعطيل الجريدة، فجاء القاهرة وأنشأها أسبوعية، ثم عاد إلى الإسكندرية وتولى تحرير مجلة أنيس الجليس وجريدة السلام، فكان يحرر الجريدتين وجريدته وهو مع ذلك لا ينقطع عن تأليف الروايات وترجمتها ونظم القصائد الرنانة، والمرض ينتابه ويكاد يقعده، وهو يجاهد في دفعه حتى قضى نحبه قبل أن يتم الثانية والثلاثين من عمره. وكان (رحمه الله) ذكي الفؤاد، سريع الخاطر، متوقد الذهن، كما سترى من أمثلة نظمه ونثره.
مؤلفاته
(١) رواية صلاح الدين الأيوبي: وهي في الأصل تأليف السير وولتر سكوت الشاعر الإنكليزي الشهير، فسبكها المترجم في قالب التشخيص وغيَّر فيها وبدَّل، حتى لقد يصح أن يقال إنه ألفها؛ مثلت في مصر والإسكندرية مرارًا فنالت شهرة واسعة تغنينا عن الإطناب.
(٢) رواية السيد: وهي من مؤلفات كورنيل الكاتب الفرنساوي، فنقلها إلى اللسان العربي وسماها «غرام وانتقام»، وقد مثلت مرارًا.
(٣) رواية المهدي: وهي تشخيصية تاريخية مثَّل فيها بعض حوادث المهدي السوداني.
(٤) رواية حمدان: عرَّبها عن رواية أرنيني لفيكتور هوكو.
(٥) رواية شهداء الغرام: عرَّبها عن روميو وجولييت لشكسبير.
(٦) رواية الرجاء بعد اليأس.
(٧) رواية البخيل: معرَّبة.
(٨) رواية غصن البان.
(٩) رواية ثارات العرب.
(١٠) رواية الفرسان الثلاثة الشهيرة لإسكندر دوماس، وقد نقلها إلى العربية.
فضلًا عما كتبه من المقالات الرنانة في لسان العرب وغيره؛ منها مقالة في المقابلة بين الشعر العربي والشعر الإفرنجي نشرت في مجلة البيان بمصر. وتمتاز ترجماته عن كثير من ترجمات أهل العصر بخلوصها من شوائب العجمية. وقد اشتهر (رحمه الله) خصوصًا في تأليف الروايات التمثيلية أو ترجمتها، وأكثر ما يمثل على المراسح المصرية اليوم من تأليف الحداد أو ترجمته.
شعره
وكان شاعرًا عصريًّا حسن الأسلوب، يكفينا في وصف شعره أن نورد بعضه على سبيل المثال، فقد قال من قصيدة نظمها في وصف سوق الإحسان التي احترقت بالنور الكهربائي في باريس عام ١٨٩٧م، ومات فيها نحو ٢٠٠ امرأة من المحصنات الباريسيات:
أي رزء أجرى الدموع دماءَ وأذاب القلوب والأحشاء
ليس بدع في خطب باريس أن تشـ ـمل آثار حزنه الدنياء
وهي أم الآداب أثكلها الدهر فأبكت بوجدها الأبناء
قد دهاها مصاب سادوم لكن خص من قومها الأبرياء
فهي في الحزن مثل راحيل إذ تبكي بنيها ولا تريد عزاء
أَصْلَتِ الكهرباء فيها لهيبًا قد كرهنا لأجله الكهرباء
ورماها نور الضياء بنار أظلمتها فما تلاقي الضياء
في مكان أنشي لدفع بلاءٍ عن فقير فكان فيه بلاء
سوق بُرٍّ تباع فيها اللهى بيعًا ويشرى الثوب فيها شراء
زينتها بيض الأيادي وأيدي البيض من محسن ومن حسناء
أنفس تبتغي السماء فما أمسين إلا وقد بلغن السماء
أدركت ما تروم من جنة الخـ ـلد ولكن كان الطريق صلاء
من رأى قبلها جحيمًا يؤدي لنعيم أبناءه الشهداءَ
أو رأى محسنًا يجود على النا س فيلقى نار الجحيم جزاء
أترى كان ذاك مطهر من ما توا فيمحوا عن النفوس الخطاءَ
أم هو الدهر لا يزال مسيئًا لكريم ومكرمًا من أساء
يا ربوعًا كانت معاهد إحسا ن وحسن فأصبحت قفراء
وديارًا كانت منازل إينا س فأضحت بلاقعًا وخلاء
وكرامًا كانوا مناهل جود لفقير فأصبحوا فقراء
أمراءٌ نادى الندى فأطاعو ه أميرًا لهم ولبوا النداء
وحِسان قد جدن برًّا كأن الـ ـبر ثوب يزيدهن بهاء
ساحة تنبت المكارم والرأ فة والمجد والندى والإخاء
فنساء بها تباري رجالًا ورجال بها تباري النساء
أوجه يشرق السنا من محيا ها فتزداد بالجميل سناء
رحن يزهين بالبياض فما أصـ ـبحن إلا كوالحًا سوداء
رحمًا لم تدع بها النار إلا رسم جسم وأعظمًا جرداء
كن ناسًا فصرن نارًا فأصـ ـبحن رمادا بها فصرن هباء
قد كفت لحظة لأن تقلب الأمـ ـر وأن تجعل النعيم شقاء
فاستحال الهناء بؤسًا وأحزانًا وأضحى ذاك السرور بكاء
نقمة صبها القضاء على الأ برار ظلمًا ومن يرد القضاء
رحم الله من قضى وشفى الجر حى وعزى الباكين والتعساء
وقال من قصيدة يصف بها بعض منتزهات الإسكندرية ومركباتها ومخدراتها:
من بدور تسير في المركبات ومن القبعات في هالات
كللتها أزاهر الصنع من نبـ ـت الأيادي لا من أيادي النبات
زهرات ما حاكها ابن سحاب في ربى الروض بل بنان البنات
إن يكن فاتها الأريج فقد عوَّ ضن عنه روائح الغانيات
أو يكن فاتها رياض جنان فهي فوق الرءوس في جنات
أو عدتها الغصون فهي على مثـ ـل غصون الربى من القامات
سائرات جوالس فهي لم تعـ ـجل ولكنها على عجلات
مفردات الجمال تنطبق الخيـ ـلُ فرادى بها ومزدوجاتِ
وكأن الجياد تشعر بالحسـ ـن فتجري بهن مفتخرات
قد درت أنها تجر بدورًا فتبارت كالأنجم السائرات
مسرعات ترى الدواليب من سر عتها في مرورها ثابتات
وقلوب العشاق تتبع الغيـ ـد تباري أفراسها الجاريات
صاح هذه هوادج الحضر اليو م فخل الهوادج الباديات
ودع النوق والفلاة فلا نو قًا بأحيائنا ولا فلوات
ودع العيس والحداء لقوم ألفوا عيسهم وزجر الحداة
تلك حالٌ مرَّت قديمًا وذي حا ل وسبحان مبدل الحالات
وقال من قصيدة غراء وصف بها القمر:
وسار البدر يسبح في سماء عليها من كواكبها سفين
تمرُّ به السحائب مسرعات فيخفى تحتهن ويستبين
كخود أقبلت في الروض تسعى فتظهر ثم تحجبها الغصون
تقابل وجهه فيلوح فيه لصورة وجهك الرسم المبين
فنحسب منه أن هناك ماء ولا ماء هناك ولا عيون
ولا نبت عليه ولا حياة ولا نسمٌ ولا غيثٌ هتون
جنازة ميت لا نعش فيها ولا أيدٍ حملن ولا أنين
قرين الأرض ليس يغيب عنها ولكن لا يواصلها القرين
يدور به ولكن حين يدنو يفر فلا يجيب ولا يلين
كمعشوق يداعب ذات خدر فلا يعطي الوصال ولا يبين
فكم بسمت لمرآه ثغور وكم سالت لمرآه شئون
وكم ذكر المحب به حبيبًا وكم نسي الخَدِينَ به خَدِينُ
وتصفرُّ النجوم إذا تبدى كما يصفرُّ من حسد جبين
يسير فتختفي من جانبيه نوافر وهو مجتازٌ رزين
كما طلع المليك عليه تاج فأطرقت الوجوه له تدين
كأن كواكب الأفلاك درٌّ تبدى بينها حجرٌ ثمين
فيا شبه الحبيب حويت منه بهاه وفاتنا منك الفتون
وكم تحيي الظلام وأنت ميت وكم تعلو النجوم وأنت دون
حويت عجائبًا فدعاك قوم إلهًا حبه في الناس دين
تخبرهم بأعداد الليالي ويلزمك السكوت فما تبين
وتصدقهم وفيك النقص طبع وعهدي كل ذي نقص يمين
لنا في كل شهر منك شك ولكن ليس يمهله اليقين
ترى فيك البداءة كيف كانت قديمًا والفناء متى يكون
وله من قصيدة في وصف القمار:
لكل نقيصة في الناس عار وشر معايب المرء القمار
تشاد له المنازل شاهقات وفي تشييد ساحتها الدمار
نصيب النازلين بها سهادٌ فإفلاس فيأس فانتحار
قد اختصروا التجارة من قريب فعدم في الدقيقة أو يسار
وبئس العيش فقرٌ مستديم يعارضها يسارٌ مستعار
وبئس المال لا تحظى يمين به حتى تسلمه اليسار
يفرُّ من البنان فليس يبقى لهم من أثره إلا اصفرار
فبينا تبصر الوجنات وردًا إذا هي في خسارتهم بهار
تراهم حول بسطتها قعودًا يدير عيونهم ورق يدار
يلاحظ بعضهم بعضًا بعين يكاد يضيء أسودها الشرار
فتحسب أن بين القوم ثأرًا ولا ثأر هناك ولا نفار
كأن عيونهم لما أديرت فراش حائم والمال نار
فهم لا يبصرون سواه شيئًا كساري الليل لاحَ له منار
وهم لا يعطفون على خليل وليس يشوق أنفسهم مزار
وهم لا يذكرون قديم عهد وليس لهم سوى الأمس اذكار
فكم غضبوا على الأيام ظلمًا وكم حنقوا على الدنيا وثاروا
وكم تركوا النساء تبيت تشكو وتسعدها الأصبية الصغار
تبيت على الطوى ترجو وتخشى يؤرقها السهاد والانتظار
فبئست عيشة الزوجات حزن وتسهيد وهجر وافتقار
وبئست خلة الفتيان همٌّ وأتعابٌ وخسرانٌ وعار
ومن شعره أبيات نظمها إجابة لاقتراح مصلحة السكة الحديدية المصرية، وكانت قد اقترحت على الشعراء نظم أبيات تنقش على جدران المحطة بمصر، وفرضت جائزة ينالها المجيد، فنالها هو، وأما الأبيات فهي:
يا حسن عصرٍ بعباس العلى ابتسما حتى الحديد غدا ثغرًا له وفما
طرائق في ضواحي القطر تبلغنا أقصى البلاد ولم ننقل بها قدما
مصرٌ كصفحة قرطاس بتربتها غدا القطار عليها الخط والقلما
أرض بها كان خصب النيل منتثرًا حتى أتاها قطار النار مضطرما
لنا غنى عن قطار السحب منسجمًا ولا غنى عن قطار النار مضطرمًا
يجري بها الرزق في جسم البلاد كما يجري دم في عروق الجسم منتظما
محطة هي قلبٌ والخطوط بدت مثل الشرايين فيها والقطار دما
مع السلامة يا من سار مرتحلًا عنا وأهلًا وسهلًا بالذي قدما
وكانت مجلة مرآة الحسناء قد فرضت جائزة لمن ينظم أحسن ترجمة لقصيدة إنكليزية نظمت في أمور اشترطها خاطب على خطيبته وجوابها عليه، فنظمها الحداد ونال الجائزة، وإليك القصيدة:
طلبتَ أثمن شيء في الوجود غلا قلب التي لم ينلها كل من سألا
سألتني وأنا أنثى سؤال فتى فقف لتسألك الأنثى وكن رجلا
تريدني أن أجيد الطبخ حاذقة وأرفأ الثوب حتى ما عليه بلى
أما أنا فطلابي أن تقدم لي قلبًا كنجم ونفسًا كالسماء على
فإن طلبت لذيذ الأكل مجتهدًا وأن يكون عليك اللبس مكتملا
فأنت تطلب طباخًا على قدرٍ وذات خيط صَناعًا تُصْلِح الحُللا
أما سؤالي فأعلى من سؤالك لي ومنيتي فرق ما ترجوه بي أملا
إذ أبتغي ملكًا بيتي ولايته وأبتغي رجلًا بين الورى مثلا
أنا صغيرة سن في الشباب ولي من فوق خدي ورد يكتسي خجلا
لكنَّ ذا كله فانٍ بجملته وعن قريب ترى ورد البها ذبلا
فهل يدوم غرام في فؤادك لي بعد الصبا مثل ما قد كان مقتبلا
وهل فؤادك بحر لا قرار له تجري به سفن آمالي ولا وجلا
فإن كل فتاة زوجت حملت في زهر إكليلها النعمى أو الأجلا
هناك تعرف إما أن تسير إلى حيث النعيم وإما أن تسير إلى
إني أريد مساواة ومعدلة وخير بعل بخير الخلق قد كملا
فإن ظفرت بهذا منك كنت كما ترومني وأتاك القلب ممتثلا
أو لا فإن الذي تبغي خياطته وطبخه فأمور نيلها سهلا
تنالها بأجور المال تبذلها أما الفتاة وإخلاص الفتاة فلا
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، تأليف جُرجي زيدان، ج/2 – ص: 367 – 374.
الشيخ نجيب الحداد
(1867 ـ 1899م)
مولده ونشأته: هو المرحوم الشيخ نجيب ابن الشيخ سليمان الحداد شاعر الشباب والكاتب والصحافي والروائي المشهور، والدته حنة بنت الشيخ ناصيف اليازجي، ابن أخت حجة العربية وإمام البلاغة والبيان المرحوم الشيخ إبراهيم اليازجي، منشئ مجلة الضياء الشهيرة.
وأصل الأسرة من عرب بني لطيف الحوارنة، وتكنت بلقب الحداد في عهد نجم الحداد جد سليمان الذي كان يعمل بتعدين الحديد للأمير بشير الشهابي، فغلب عليه وعلى نسله من بعده لقب (الحداد).
ولد المترجم في مدينة بيروت يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر شباط 1867م، وقد نزح به والده إلى مصر، وهو ابن ست سنوات، وتلقى دروسه في مدرسة الفرير، وامتاز على أقرانه بذكائه، وفي أيام الثورة العرابية عاد إلى بيروت، فدخل المدرسة البطريركية، وأخذ أصول اللغة العربية عن خاليه الشهيرين العلامة الشيخ إبراهيم والشيخ خليل اليازجي، فتمكن من شواردها، وفي سنة 1883م أرسل مدرساً إلى بعلبك فأقام يدرس في مدرستها اللغتين العربية والفرنسية سنة كاملة، وكانت أول أشعاره الغرامية هناك، وله فيها من الأشعار الرائعة على حداثته في ذلك العهد ما يدل على استحكام ملكة الشعر فيه.
عودته إلى مصر: ثم استدعي إلى جريدة الأهرام للمساهمة في تحريرها، وبقي المنشئ الأول فيها مدة اثنتي عشرة سنة بلا انقطاع ثم فارقها، وأنشأ في سنة 1894م جريدة لسان العرب اليومية، فاشتهرت أحاديثه الأخلاقية التي كان يصور فيها عواطف الإنسان وأمياله ورغائبه في كل شيء، ودلت على مكانته العليا من البلاغة في عالم الإنشاء.
ثم اضطر لإصدارها مجلة أسبوعية، وقد بدأ المترجم النابغة بالكتابة في الخامسة عشرة من عمره في تحرير جريدة الأهرام، وانتهى قبل وفاته بشهرين بكتابة جريدة السلام، وله مقالات مأثورة في مجلة البيان وسواها من الجرائد السيارة.
رواياته: وفي خلال قيامه بتحرير جريدة الأهرام وضع كثيراً من الروايات التمثيلية والقصصية فوق أشغاله الكثيرة، فوقعت رواياته موقع الإعجاب من جميع قرائها وسامعيها؛ لما اشتهرت به من حسن الجدل وسلامة انتقاء المواضع وبلاغة الإنشاء ورشاقة الشعر، حتى أصبح يتغنى بشعره المنشدون ويتناشده الناس؛ لما امتاز به من الطلاوة والسهولة والابداع، وانتشر شعره في الأقطار العربية انتشاراً لم يسـبق لسـواه مـن مشاهيـر الكتـاب، ومن رواياته: 1 ـ صلاح الدين الأيوبي،2 ـ المهدي، 3 ـ شهداء الغرام، 4 ـ أحمدان، 5 ـ البخيل، 6 ـ حلم الملوك، 7 ـ العاشقة المتنكرة، 8 ـ فضيحة العشاق، 9 ـ روميو وجوليت، 10 ـ الطبيب المغصوب، 11 ـ السيد، 12 ـ فيدر،13 ـ حديث ليلة، 14 ـ غرام واحتيال.
أما رواياته التمثيلية فهي: 15 ـ الرجاء بعد اليأس، 16 ـ ثارات العرب، 17 ـ قتيـل القيصـر ميـلادي، 18 ـ سينا، 19 ـ بيربنيس،20 ـ غرام الأخوين، 21 ـ زايير، 22 ـ أوديب، واشتهرت رواياته القصصية، 23 ـ الفرسان الثلاثة: وهي أول ما عرّبه من القصص، 24 ـ ورواية غصن البان: وهي رواية عاطفية وجدانية أبدع فيها ما شاءت البلاغة من وصف لم يسبقه إليه سواه من كتاب العرب ، ولم يطرقه غيره من كتاب ذلك العصر، وكانت فرسان الليل في ثلاثة أجزاء، وكان مؤلفاً للشيخ سلامة حجازي الممثل المصري المشهور.
فن التمثيل: وكانت أشهر الفرق التمثيلية لا تمثل غير رواياته، ولا يقبل فريق الأدباء إلا على هذه الروايات، ويعد المترجم أول من أجاد تعريب الروايات الغربية وأبدع فيها أيما إبداع، كما عرب روايات قصصية أكثرها عن دوماس، وكان المرحوم عبده الحمولي الموسيقار المصري الشهير صديقاً للمترجم ومن المعجبين بمواهبه.
شعره: كان بلبلاً غريداً في خمائل الوحي والإلهام، وكان يعالج بشعره أهم النواحي الاجتماعية وأكثرها علاقة بحياة الأفراد والجماعات، فكل ما رآه في زمنه من عادات منكرة وانغماس في حمأة الشهوات والملذات دعاه أن يرفع صوته بالنقد اللاذع، وأهاب به إلى أن يشن حملة شعواء على أرباب السخف ودعاة التفرنج العقيم، يمتاز شعره عن غيره من الشعراء بموافقته للذوق العصري، ومخالفته للمعاني القديمة، بارز في الثوب العربي الصحيح، خلافاً لما يظهر على شعر عن غيره في المعاني العصرية من النسق الإفرنجي المنتحل، وعدم موافقته في شيء للأساليب العربية المألوفة، ومما خالف به أكثر الشعراء، عدم تعرضه للمدح إلا في القليل لنادر لكراهية مدح من لا يستحقه، وقد أهداه سلطان زنجبار وسام الكوكب الدري مكافأة له عما بذله في خدمة العلم، ولما أزمع شكره بقصيدة فاجأته المنية، ومن نظمه البليغ قوله في الفجر:
إذا ملئت من البدر العيون
وهاجت منه أو سكنت شجون
فكم بسمت لمرآة ثغور
وكم سالت لمرآة شؤون
وكم ذكر المحب به حبيبا
وكم نسي الخدين به الخدين
فيا شبه الحبيب حويت منه
بهاء وفاتنا منك الفتون
وقاك الله كم تفني قرونا
ولا يُفني محياك القرون
وفاته: لقد أرهقه الدهر بتكاليف الحياة والأسقام، فكانت حياته قصيرة كعمر الورود، واستطاع خلال هذه الفسحة الضيقة من العمر أن يطرف الناطقين بالضاد بكل طلي شهي من ثمار الأدب والفن، وأن يسير وراءه جيشاً لجباً من المريدين والمعجبين، وقد طواه الردى يوم الجمعة التاسع من شهر شباط سنة 1899م وهو في أوج شبابه، وأرخ وفاته خالة الشيخ إبراهيم اليازجي فقال:
فصغت بيتاً من التاريخ قلت به
قد مات بعد النجيب الشعر والأدب
أعلام الأدب والفن لأدهم الجندي ج 2 ص 370