الشيخ عبد الرحمن العراقي الشافعي الأشعري
قد ترجمه السيد عثمان بن سند فقال: إن المشار إليه، ممن تضرب أكباد الإبل للثم يديه، ويعول في المنقول والمعقول عليه، وهو ذو فنون كم من طيها من فنون، وإشارات لها نواظر العرفان عيون، ومحاسن يشهد بحسنها الحاسدون، وشمائل يتنافس بها المتنافسون. وآيات محكمة الآثار، وروايات تستفيض منها الأسرار، وسيادة بأرجها الكون معطار. فهو من الكمل الذين هزوا من العلوم فناً وفنا، والأجلاء الذين بهم طير الفضائل تغنى، والوجوه الذين أسفر بغرورها الزمان، والصدور الذين راق بهم كل صدر وزان، والأقطاب الذين تدير أنظارهم رحى العرفان، والشرفاء الذين لعالية الشرف كالسنان، والفضلاء المرتقين على الأقران، والأذكياء المحرزين قصب السبق في كل رهان، والأكارم الذين افتخر بهم الأوان، فهو لا ريب أنه على كمال الصفات أبهى عنوان، وهو الفاضل الذي أحيا للشافعي آثاره وأعلى من الفقه بالدقائق مناره، والقمر الذي له العلوم دارة، والمعتبر الذي أبان من روض الإسناد أزهاره، والمتصدر الذي رفعته على صهوتها الصدارة، والمحرر الذي شكره المحرر وعطر المحافل بما أملى وقرر، والمدرس الذي أبرز النكت وأظهر وأدنى قطوف الفوائد، وكان الصلة لطلاب العلم والعائد:
ولع بأبكار المعاني فكره ... فكأنها عرب إليها يطرب
صفى من العلم الدقيق زجاجة ... فوها عن السر الإلهي معرب
يا ربع فقه الشافعي بشارة ... إذ جاد روضك منه دان صيب
أصبحت مفتر الأزاهر ضاحكا ... من علمه فغناك منه مخصب
أضحت مواردك الشهية في الورى ... مورودة إذ طاب منك المشرب
حكم أراها ما بدون لعارف ... إلا سما وله أتم المطلب
ونوادر ما زلن منه شورداً ... نادي العلوم بها مريع مخصب
رقت زجاجة طبعه فطلبته ... لأنال منه ما به أتقرب
والشيب لم يكرع بفودي ذوده ... وقضيبه برد النجابة يسحب
فصرفت عنه لسوء جد في الورى ... وبقيت لا شرف لدي ومنصب
وبالجملة فهو مفرد علم، وأوحد علت له في العلوم القدم، وحيث لم تؤذن الأقدار، بالإقامة في هذه الدار، دعاه داعي اللقا إلى دار البقا، وقد أثبت ترجمته السيد محمد سند، وتلا صحيح مناقبه بأعلى سند، وفي آخر مدته قصده للقراءة عليه حضرة مولانا الشيخ خالد، فوجدت يتقلب على فرش المرض الزائد، ولم يمض عليه أيام حتى اختار الآخرة دار السلام، وذلك عام ألف ومائتين واثني عشر رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.