السيد صالح أفندي بن السيد عبد القادر أفندي بن السيد أحمد بن السيد حسن بن السيد مصطفى بن السيد عبد الرحمن بن السيد إسماعيل بن السيد محب الدين الحصني الحسيني
المعروف بابن تقي الدين، فهو الحسيب الذي لا ريب أنه من أشرف العناصر محسوب، والنسيب الذي هو إلى أعظم الأكابر منسوب، من سلسلة تسلسلت إلى أشرف إنسان، وارتقت إلى مكان قيل فيه ليس في الإمكان أبدع مما كان. قد ارتفع شرفه على كاهل الفخار، واستوى سؤدد مجده على ذروة المدار، فلله دره من أديب طاف حول كعبة لطفه ذوو الأدب، وأريب سعى بين مروة سنائه وصفا صفائه ذوو الأرب، قد أينع زهر كماله في حدائق الفضائل، وأشرق بدر جماله فاهتدى به أولو الوسائل.
ولد في دمشق الشام، دار آبائه وأجداده السادة الكرام، وذلك سنة ثلاث وخمسين ومائتين وألف، ونشأ في حجر والده المعروف بكل كمال ولطف، ثم بعد أن قرأ القرآن العظيم وجوده، صرف همته إلى الخط فنال منه أحسنه وأجوده، ثم حضر دروس العلماء، ولازم مجالس الفضلاء، فأتقن العلوم العربية، واجتهد في تحصيل العلوم الشرعية، إلى أن بلغ مناه، وحاز على ما تمناه، وأجازه علماء زمانه بالإجازة العامة، وكتبوا له ما يدل على كمالاته التامة، وتقدم لدى أهل زمانه، وتسامى مقامه بين أقرانه، ثم سار إلى الآستانة دار السلطنة العثمانية فاستقام بها مدة، ثم سار إلى الحجاز لقضاء الفريضة الإسلامية، وبعد أداء فريضة الحج الشريف بالتمام، توجه لزيارة جده المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام. ثم بعد مدة توجه إلى الدار الدمشقية، فاستقام بها مدة ثم رحل منها إلى الدار العلية، فجعلها مجل تجارته، وموطن إقامته، وفي سنة أربع وتسعين ومائتين وألف وجهت عليه نقابة القدس الشريف، وقد أناب من قام عنه بهذا المنصب المنيف، ودخل في سلك المناصب العلمية، إلى أن وصل إلى باية بروسه السنية، من البلاد الخمس الموصلة للحرمين، وعين السعادة ملاحظة له بما تقر به العين، ولم يزل ملازماً على الأدب والخضوع، والتذلل والعبادة والخشوع، وزيارة الصالحين وحب المساكين، ومساعدة ذوي المقاصد، والإكرام لكل قاصد. وله هيئة حسنة ومعاشرة مستحسنة، وتقوى وعبادة وقناعة وزهادة، وفي شهر ربيع الأول سنة ألف وثلاثمائة وسبع، وجهت عليه نقابة أشراف الشام، فمكث بها سنتين وفي الثالثة توجه إلى الحجاز الشريف والحرم السامي ذي القدر المنيف، وبعد أداء النسك والعبادة، دعاه إلى دار الآخرة داعي السعادة، فكانت وفاته في شهر ذي الحجة الحرام سنة ألف وثلاثمائة وعشر من هجرة سيد الأنام.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.