عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن فتح العكي أبي محمد
ابن سبعين أبي محمد
تاريخ الولادة | 612 هـ |
تاريخ الوفاة | 669 هـ |
العمر | 57 سنة |
مكان الوفاة | مكة المكرمة - الحجاز |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن فتح ابن سبعين العكّي
مرسي، رقوطي الأصل، سكن بآخرة مكّة، يكنى أبا محمد، ويعرف بابن سبعين.
حاله: قال ابن عبد الملك : درس العربية والأدب بالأندلس، عند جماعة من شيوخها. ثم انتقل إلى سبتة، وانتحل التصوف، بإشارة بعض أصحابه، وعكف برهة على مطالعة كتبه، وتعرّض بعد لإسماعها، والتكلّم على بعض معانيها، فمالت إليه العامة، وغشيت محلّه. ثم فصل عن سبتة، وتجوّل في بلاد المغرب منقطعا إلى طريقة التصوف، داعيا إليها، محرّضا عليها. ثم رحل إلى المشرق، وحجّ حججا، وشاع ذكره، وعظم صيته هنالك، وكثر أتباعه على مذهبه الذي يدعو إليه من التصوف نحلة، ارتسموا بها من غير تحصيل لها، وصنّف في ذلك أوضاعا كثيرة، تلقّوها منه، وتقلّدوها عنه، وبثّوها في البلاد شرقا وغربا، ولا يخلو أحد منها بطايل، وهي إلى وساوس المخبولين، وهذيان الممروضين أقرب منها إلى منازع أهل العلم، ولفظه غير ما بلد وصقع، لما كان يرمى به من بلايا الله أعلم بحقيقتها، وهو المطلع على سريرته فيها. وكان حسن الأخلاق، صبورا على الأذى، آية في الإيثار، أبدع الناس خطّا.
وقال أبو العباس الغبريني في كتاب «عنوان الدّراية» عند ذكره: وله علم وحكمة ومعرفة، ونباهة وبلاغة وفصاحة. ورحل إلى العدوة، وسكن بجاية مدة، ولقيه من أصحابنا ناس كثير، وأخذوا عنه، وانتفعوا به في فنون خاصة له، مشاركة في معقول العلوم ومنقولها، ووجاهة لسان، وطلاقة قلم، وفهم جنان ، وهو آخر الفضلاء، وله أتباع كثيرة من الفقراء، ومن عامّة الناس، وله موضوعات كثيرة، موجودة بأيدي الناس ، وله فيها ألغاز وإشارات بحروف أبجد . وله تسميات مخصوصات في كتبه، هي نوع من الرّموز. وله تسميات ظاهرة كالأسامي المعهودة، وله شعر في التحقيق، وفي مراقي أهل الطريق، وكتابته مستحسنة في طريقة الأدباء. وله من الفضل والمزية ملازمته لبيت الله الحرام، والتزامه الاعتمار على الدوام، وحجّته مع الحجاج في كل عام، وهذه مزية لا يعرف قدرها ولا يرام. ولقد مشى به للمغاربة بحظّ في الحرم الشريف، لم يكن لهم في غير مدّته.
وكان أصحاب مكة، شرّفها الله، يهتدون بأفعاله، ويعتمدون على مقاله.
قلت : وأغراض الناس في هذا الرجل متباينة، بعيدة عن الاعتدال، فمنهم الموهن المكفّر، ومنهم المقلّد المعظّم، وحصل لطرفي هذين الاعتقادين من الشهرة والذّياع ما لم يقع لغيره. والذي يقرب من الحق، أنه كان من أبناء الأصالة ببلده، وولّي أبوه خطّة المدينة، وبيته نبيه، ونشأ ترفا مبجّلا، في ظل جاه، وعزّ نعمة، لم تفارق معها نفسه البلد. ثم قرأ وشدا، ونظر في العلوم العقلية، وأخذ التحقيق عن أبي إسحاق بن دهاق، وبرع في طريقة الشّوذية ، وتجرّد واشتهر، وعظم أتباعه، وكان وسيما جميلا، ملوكي البزّة، عزيز النفس، قليل التصنع، يتولّى خدمته الكثير من الفقراء السّفارة، أولي العبا والدقاقيس، ويحفون به في السّكك، فلا يعدم ناقدا، ولا يفقد متحاملا. ولما توفرت دواعي النقد عليه من الفقهاء زيّا وانتباذا ونحلة وصحبة واصطلاحا، كثر عليه التأويل، ووجهت لألفاظه المعاريض، وفلّيت موضوعاته، وتعاورته الوحشة، ولقيه فحول من منتابي تلك النّحلة، قصر أكثرهم عن مداه في الإدراك والاضطلاع، والخوض في بحار تلك الأغراض. وساءت منه لهم في الملاطفة السيرة، فانصرفوا عنه مكظومين يندّرون في الآفاق عليه من سوء القيلة، ما لا شيء فوقه. ورحل إلى المشرق، وجرت بينه وبين الكثير من أعلامه خطوب. ثم نزل مكة، شرفها الله تعالى، واختارها قرارا، وتلمذ له أميرها، فبلغ من التعظيم الغاية. وعاقه الخوف من أمير المدينة المعظمة النبوية، عن القدوم عليها، إلى أن توفي، فعظم عليه الحمل لأجل ذلك، وقبحت الأحدوثة.
شهرته ومحلّه من الإدراك:
أما اضطلاعه، فمن وقف على «البدّ» من كتبه، رأى سعة ذرعه وانفساح مدى نظره، لما اضطلع به من الآراء والأوضاع والأسماء، والوقوف على الأقوال، والتعمق في الفلسفة، والقيام على مذاهب المتكلمين، بما يقضي منه العجب .
ولما وردت على سبتة المسائل الصّقلية، وكانت جملة من المسائل الحكمية، وجهها علماء الروم تبكيتا للمسلمين، انتدب إلى الجواب عنها، على فتيّ من سنّه، وبديهة من فكرته. وحدّثني شيخنا أبو البركات ، قال : حدّثني أشياخنا من أهل المشرق، أن الأمير أبا عبد الله بن هود، سالم طاغية النصارى، فنكث عهده ، ولم يف بشرطه، فاضطرّه ذلك إلى مخاطبته إلى القومس الأعظم برومة، فوكّل أبا طالب بن سبعين، أخا أبي محمد ، المتكلم عنه، والاستظهار بالعقود بين يديه. قال: فلما بلغ باب ذلك الشخص المذكور برومة، وهو بلد لا تصل إليه المسلمون، ونظر إلى ما بيده، وسئل عن نفسه، كلّم ذلك القسّ من دنا منه محلّه من علمائهم بكلام، ترجم لأبي طالب بما معناه: اعلموا أنّ أخا هذا ليس للمسلمين اليوم أعلم بالله منه.
دعواه وإزراؤه:
وقد شهر عنه في هذا الباب كثير، والله أعلم باستحقاقه رتبة ما ادعاه أو غير ذلك. فقد ذكروا أنه قال: وقد مرّ ذكر الشيخ أبي مدين رحمه الله: «شعيب عبد عمل، ونحن عبيد حضرة» . وقال لأبي الحسن الشّشتري عندما لقيه، وقد سأله عن وجهته، وأخبره بقصده الشيخ أبا أحمد، إن كنت تريد الجنة فشأنك ومن قصدت، وإن كنت تريد ربّ الجنة فهلم إلينا. وفي كتاب «البدّ» ما يتشوف إليه من هذا الغرض عند ذكره حكماء الملة. وأما ما ينسب إليه من آثار السّيمياء والتصريف فكثير.
تواليفه: وتواليفه كثيرة تشذّ عن الإحصاء، منها كتابه المسمى بالبدّ «بدّ العارف» ، وكتاب الدّرج، وكتاب الصفر، والأجوبة اليمينة، والكلّ والإحاطة. وأما رسائله في الأذكار، كالنورية في ترتيب السلوك، وفي الوصايا والعقايد فكثير، يشتمل على ما يشهد بتعظيم النبوة، وإيثار الورع، كقوله من رسالة : «سلام الله عليك ورحمته. سلام الله عليك ثم سلام مناجاتك. سلام الله ورحمته الممتدّة على عوالمك كلّها، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، وصلّى الله عليك كصلاة إبراهيم من حيث شريعتك، وكصلاة أعزّ ملائكته من حيث حقيقتك، وكصلاته من حيث حقه ورحمانيته. السلام عليك يا حبيبه . السلام عليك يا قياس الكمال، ومقدّمة السعد ، ونتيجة الحمد، وبرهان المحمود، ومن إذا نظر الذهن إليه قد أنعم العيد ، السلام عليك يا من هو الشرط في كمال الأولياء، وأسرار مشروطات الأزكياء الأتقياء. السلام عليك يا من جاوز في السماء مقام الرّسل والأنبياء، وزاد رفعة، واستولى على ذوات الملأ الأعلى، ولم يسعه في وجهته تلك إلّا ملاحظة الرّفيق الأعلى، وذلك قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى إلى الأخرى والأولى، لا إلى الآخرة والأولى، وبلغ الغاية والمطلوب، التي عجزت عنه قوة ماهيّة النّهى، وزاد بعد ذلك حتى نظر تحته من ينظر دونه سدرة المنتهى، إلى استغراق كثير، أفضى إلى حال من مقام» .
ومن وصاياه يخاطب تلاميذه وأتباعه: حفظكم الله، حافظوا على الصلوات، وجاهدوا النفس في اجتناب الشهوات، وكونوا أوّابين، توّابين، واستعينوا على الخيرات بمكارم الأخلاق، واعملوا على نيل الدّرجات السّنية، ولا تغفلوا عن الأعمال السّنيّة، وحصّلوا مخصص الأعمال الإلهية ومهملها، وذوقوا مفصّل الذات الرّوحانية ومحملها، ولازموا المودة في الله بينكم، وعليكم بالاستقامة على الطريقة، وقدموا فرض الشريعة على الحقيقة، ولا تفرقوا بينهما؛ لأنهما من الأسماء المترادفة، واكفروا بالحقيقة التي في زمانكم هذا، وقولوا عليها وعلى أهلها لعنة الله؛ لأنها حقيقة كما سمّي اللّديغ سليما، وأهلها مهملون حدّ الحلال والحرام، مستخفّون بشهر الصوم والحج وعاشوراء والإحرام، قاتلهم الله أنّى يؤفكون.
ومنها: واعلموا أن القريب إليّ منكم، من لا يخالف سنّة أهل السّنّة ويوافق طاعة رب العزّة والمنّة، ويؤمن بالحشر والنار والجنّة، ويفضل الرّؤية على كل نعمة، ويعلم أن الرّضوان بعدها، أجلّ كل رحمة، ثم يطلب الذّات بعد الأدب مع الصفات والأفعال، ويغبط نفسه بالمشاهدة في النوم والبرزخ والأحوال، وكل مخالف سخيف، متّهم منه الفساد، وإن كان من إخوانكم، فاهجروه في الله، ولا تلتفتوا إليه، ولا تسلموا له في شيء، ولا تسلّموا عليه حتى يستغفر الله العظيم بمحضر الكل منهم، ويرضى عن نفسه وحاله وعنكم، ويخرج من صفاته المذمومة، ويترك نظام دعوته المحرومة. وأنا مذ أشهدت الله العظيم، أني قد خرجت من كل مخالف متخلّف العقل واللسان، ولا نسبة بيتي وبيته في الدنيا والآخرة، فمن زلّ قدمه يستغفر الله، ولا يخدعه قدمه، وأمثال هذا كثير.
دخوله غرناطة: أخبرني غير واحد من أصحابنا المعتنين بهذا، أنه دخل غرناطة في رحلته، وأظنّه يجتاز إلى سبتة، وأنه حلّ وسطه، على اصطلاح الفقراء، برابطة العقاب من خارجها، في جملة من أتباعه.
شعره: وشعره كثير، مما حضرني منه الآن قوله : [البسيط]
كم ذا تموّه بالشّعبين والعلم ... والأمر أوضح من نار على علم
وكم تعبّر على سلع وكاظمة ... وعن زرود وجيران بذي سلم
ظللت تسأل عن نجد وأنت بها ... وعن تهامة، هذا فعل متّهم
في الحيّ حيّ سوى ليلى فتسأله ... عنها! سؤالك وهم جرّ للعدم
وفاته: توفي بمكة، شرّفها الله تعالى، يوم الخميس التاسع لشوال من عام تسعة وستين وستمائة .
الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.
عبد الحق بن سبعين 612 - 667 للهجرة
عبد الحق بن ابرهيم بن سبعين المرسي، قطب الدين، المتزهد الفيلسوف المجاور. نسب إلى أمور، والله اعلم بها.
مات بمكة في شوال سنة سبع وستين وستمائة، عن خمس وخمسين سنة.
طبقات الأولياء - لابن الملقن سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري.
الشيخ أبي محمد عبد الحق ابن سبعين: المذكور العالم الصوفي الشهير الذكر توفي بمكة المشرفة في شوال سنة 667 هـ[1268 م].
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف
عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر ابن سبعين الإشبيلي المرسي الرّقوطي، قطب الدين أبو محمد:
من زهّاد الفلاسفة، ومن القائلين بوحدة الوجود. درس العربية والآداب في الأندلس، وانتقل إلى سبتة، وحج، واشتهر أمره. وصنف كتاب (الحروف الوضعية في الصور الفلكية) و (شرح كتاب إدريس عليه السلام الّذي وضعه في علم الحرف) ؟ وكتاب (البدو) وكتاب (اللهو) و (أسرار الحكمة المشرقية - خ) في دار الكتب، ورسالة (النصيحة - ط) وتسمى (النورية) نشرت في صحيفة المعهد المصري، بمدريد، أول المجلد الرابع، في 45 صفحة. ونشر حديثا في القاهرة كتاب (رسائل ابن سبعين - ط) وغير ذلك. وكفره كثير من الناس. له مريدون وأتباع يعرفون بالسبعينية. قال ابن دقيق العيد: جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر، وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تعقل مركباته. وقال الذهبي: اشتهر عن ابن سبعين أنه قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعا بقوله لا نبيّ بعدي. وكان يقول في الله عزوجل: إنه حقيقة الموجودات.
وفصد بمكة، فترك الدم يجري حتى مات نزفا .
-الاعلام للزركلي-
عبدُ الحق بنُ إبراهيمَ بنِ محمدٍ، المرسيُّ، الأندلسيُّ الصوفيُّ، يعرف بابن سبعين.
كان صوفيًا على قواعد الفلاسفة من القائلين بوحدة الوجود، وله كلام كثير في العرفان، وتصانيف، وله أتباع ومريدون، يعرفون: بالسبعينية.
ذكر له سليم الخوري في "آثار الأدهار" ترجمة مطولة، قال: وقد رُمي بضعف المعتقد، واختلفت فيه الأقوال، وقال غير واحد: إن أغراض الناس فيه متباينة بعيدة عن الاعتدال، فمنهم المرهق المكفِّر، ومنهم المقلد المعظم الموقر، وحصل بهذين الطرفين من الشهرة والاعتقاد والنفرة والانتقاد ما لم يقع لغيره.
قال ابن خلدون: وكان حافظًا للعلوم الشرعية والعقلية، سالكًا مرتاضًا بزعمه على طريقة الصوفية، ويتكلم بمذاهب غريبة منها، ويقول برأي الوحدة، ويزعم بالتصرف في الأكوان على الجملة، فأرهق في عقيدته، ورُمي بالكفر أو الفسق في كلماته، وأعلن بالنكير عليه والمطالبة له السكوني، فلحق بالمشرق، انتهى. وقد ذهب ابن سبعين إلى القول بالحلول والوحدة المطلقة، وتوغل فيه، كالهروي، وابن عربي، وابن العفيف، وابن الفارض، والنجم الإسرائيلي، وهذا القول غريب في تعقله وتفاريعه.
ومن مكفريه: شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - والله أعلم.
قال الذهبي: ذكر شيخنا ابن دقيق العيد، قال: جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر، وهو يسرد كلامًا تعقل مفرداته، ولا تعقل مركباته. قال الذهبي: واشتهر أنه قال لقد تحجر ابن آمنة واسعًا بقوله: "لا نبيَّ بعدي"، قال: إن كان ابن سبعين قال هذا، فقد خرج من الإسلام، مع أن هذا الكلام هو أخفُّ وأهون من قوله في رب العالمين: إنه حقيقة الموجودات - تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا -، ثم إنه فصد يديه، وترك الدم يخرج حتى مات بمكة في سنة 668، وله عدة رسائل، وكتاب "الإحاطة"، ويقال: إنه كان يعرف السيمياء والكيمياء، ويحكون عنه أشياء من الرياضة، وكلام فحل محشو بكلام.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.