عبد القادر بن عبد الله ابن عبد الملك بن سوّار المحاربي
حاله: هذا الرجل دمث الأخلاق، سكون، وقور. خدم أبوه بغرناطة كاتبا للغزاة، منوّها به، مشهورا بكرم وظرف. وانتقل إلى العدوة، ونشأ ابنه المذكور بها، وارتسم بخدمة ولي العهد الأمير أبي زيّان، وورد على الأندلس في وسط عام سبعة وخمسين وسبعمائة في بعض خدمه، وأقام بغرناطة أياما يحاضر محاضرة يتأنّس به من أجلها الطالب، وينتظم بها مع أولي الخصوصية من أهل طريقه، وينقل حكايات مستطرفة؛ فمن ذلك أن الشيخ عبد الرحمن بن حسن القروي الفاسي كان مع أبي القاسم الزياني بجامع القرويين ليلة سبع وعشرين من رمضان، فدخل عليهم ابن عبدون المكناسي، فتلقاه الزياني وتأيّده، وتوجهوا إلى الثّريّا بالقرويين وقد أوقدت، وهي تحتوي على نحو ألف كاس من الزجاج، فأنشد الزياني: [السريع]
انظر إلى ناريّة نورها ... يصدع بالّألاء حجب الغسق
فقال ابن عبدون: [السريع]
كأنّها في شكلها زهرة ... انتظم النور بها فاتّسق
وحكيت القصة للأديب الشهير أبي الحكم مالك بن المرحّل، فقال: لو حضرت أنا لقلت: [السريع]
أعيذها من شرّ ما يتّقى ... من فجأة العين بربّ الفلق
واستنشد من شعره في الثامن والعشرين لربيع الآخر من العام بقصر نجد، فقال من حكايات: إن السلطان أمير المسلمين وجد يوما على رجل أمر بتنكيله، ثم عطف عليه في الحال وأحسن إليه، وكان حاضرا مجلسه أبو الحسن المزدغي، رحمه الله، فأنشده بديهة: [البسيط]
لا تونسنّك من عثمن سطوته ... وإن تطاير من أثوابه الشرر
فإنّ سطوته والله يكلأه ... كالبرق والرّعد يأتي بعده المطر
قال المترجم به: فحدّثني بذلك والدي، فتعقّبتها عليه عام تسعة وعشرين وسبعمائة، لموجب جرّ ذلك بقولي: [البسيط]
لا تيأسن من رجا كهف الملوك أبي ... سعيد المرتجى للنّفع والضّرر
وإن بدا منه سخط أو رأيت له ... من سطوة أقبلت ترميك بالشّرر
فإنما شيء مثل الرّعد يتبعه ... برق ومن بعده ينهل المطر
وأنشدني لبعض الأحداث من طلبة فاس، يخاطب صاحبنا الفقيه الكاتب أبا عبد الله بن جزي، وقد توعده على مطل باستنساخ كتاب كان يتناول له، وهو بديع:
[الطويل]
إذا ما أتت أبطال قيس وعامر ... وأقيال عبس من بغام وقسور
تصادمني وسط الفلا لا تهولني ... فكيف أبالي بابن جزء مصغّر؟
مولده: بفاس في العشر الأول لذي حجة عام تسعة وسبعمائة.
الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.