محمد بن أحمد بن قاسم الأمي أبي عبد الله

القطان

تاريخ الولادةغير معروف
تاريخ الوفاة750 هـ
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةغير معروف
أماكن الإقامة
  • غرناطة - الأندلس
  • مالقة - الأندلس

نبذة

محمد بن أحمد بن قاسم الأمي: من أهل مالقة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالقطّان، الفقيه الأوّاب المتكلم المجتهد. كان هذا الرجل غريب المنزع، عجيب التّصوّف. قرأ وعقد الشروط، وتصدّر للعدالة، ثم تجرّد، وصدق في معاملته لله، وعوّل عليه، واضطلع بشروط التّوبة، فتحلّل من أهل بلده، واستفاد واسترحم، واستغفر، ونفض يديه من الدّنيا، والتزم عبادة كبيرة، فأصبح يشار إليه في الزّهد والورع، لا تراه إلّا متبسّما، ملازما لذكر الله، متواضعا لأصاغر عباده، محبّا في الضّعفاء والمساكين، جميل التّخلّق، مغضيا عن الهنات، صابرا على الإفادة.

الترجمة

محمد بن أحمد بن قاسم الأمي
من أهل مالقة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالقطّان، الفقيه الأوّاب المتكلم المجتهد.
حاله: من «العائد» : كان هذا الرجل غريب المنزع، عجيب التّصوّف. قرأ وعقد الشروط، وتصدّر للعدالة، ثم تجرّد، وصدق في معاملته لله، وعوّل عليه، واضطلع بشروط التّوبة، فتحلّل من أهل بلده، واستفاد واسترحم، واستغفر، ونفض يديه من الدّنيا، والتزم عبادة كبيرة، فأصبح يشار إليه في الزّهد والورع، لا تراه إلّا متبسّما، ملازما لذكر الله، متواضعا لأصاغر عباده، محبّا في الضّعفاء والمساكين، جميل التّخلّق، مغضيا عن الهنات، صابرا على الإفادة. وجلس للجمهور بمجلس مالقة، يتكلم في فنون من العلم، يعظ الناس، ويرشدهم، ويزهّدهم، ويحملهم على الإيثار، في أسلوب من الاستنفار والاسترسال والدلالة والفصاحة والحفظ، كثير التأثير في القلوب، يخبر بإلهام وإعانة، فمال الخلق إليه، وتزاحموا على مجلسه، وأعلنوا بالتّوبة، وبادر مترفوهم إلى الإقلاع عن إجابة الشهوات، والاستقالة من الزّلّات، ودهم الوباء، فبذلوا من الأموال في أبواب البرّ والصّدقة، ما لا يأخذه الحصر ولا يدركه الإحصاء، ولولا أن الأجل طرقه، لعظم صيته، وانتشر نفعه.
وفاته: توفي شهيد الطّاعون عصر يوم الأربعاء الرابع لصفر من عام خمسين وسبعمائة، ودفن بجبانة جبل فاره ، ضحى يوم الخميس الثاني من يوم وفاته، وصلّى عليه خارج باب قنتنالة، وألحده في قبره الخطيب القاضي الصالح أبو عبد الله الطّنجالي، رحم الله جميعهم.
وممّن رثاه الشيخ الأديب أبو الحسن الورّاد فقال: [الطويل]
أبعد وليّ الله دمعي يسجم ... وغمار قلبي من كلوم تترجم؟
فؤادي مكلوم بحزني لفقده ... لذاك جفوني دمعها كلّه دم
وماذا عسى يغني التفجّع والبكا ... وماذا عسى يجدي الأسى والتّبرّم؟
سأصبر للبلوى وإن جلّ خطبها ... فصبر الفتى عند الشّدائد يعلم
كذا العلم بالسيف الصّقيل لدى الوغى ... فويق الذي من حسنه لا يوسّم
على قدر صبر المرء تصغر عنده ... خطوب من الدنيا على الناس تعظم
ألا إنها الدّنيا تعلّة باطل ... ومحمض أحلام لمن بات يحلم
تجنّبها أهل العقول فأقصروا ... وأغرق فيها الجاهلون وأشأموا

أعد نظرا فيها تجبك براحة ... وإنس بما تقضي عليك وتحكم
أعدّ لها درياق صبرك إنها ... من البؤس والتّلوين والله أرقم
تلفّت إلى تعذيبها لمحبّها ... وماذا بها يلقى كئيب ومغرم
يظنّ بها ريحانة وهي سدرة ... ولا منتهى إلّا الرّدى والتّندم
عجبت لها تخفى علينا عيوبها ... وذاك لأنّا في الحقيقة نوّم
أليس عجيبا أن يعوّل عاقل ... على عاجل من وصلها يتصرّم؟
وما وصلها معشار عشر صدورها ... ولكنه صرف وللدّهر أدوم
إذا ابتسمت يوما ترقّب عبوسها ... فما إن لنا منها يدوم التّبسّم
ضحى كان وجه الدّهر سبر بشرّه ... فلم يمس حتى بان منه التّجهّم
ذرينا بعقد من وليّ مكانه ... مكين لدى العلياء سام معظّم
هوى مثل ما هوى من الأفق كوكب ... فجلّلنا ليل من الخطب مظلم
تساوى لديه صيدها وعبيدها ... وعالمها النّحرير والمتعلّم
هو الموت لا ينفكّ للخلق طالبا ... يروح ويغدو كلّ حين عليهم
وما هو إلّا الدّاء عزّ دواؤه ... فليس لشيء في البسيطة يحسم
دها كل مخلوق فما منه سيّد ... له الجاه عند الله ينجو ويسلم
ولو كان ذا كان النّبيّ محمد ... تجنّبه، صلّوا عليه وسلّموا
تعنّى به موسى ويوسف قبله ... ونوح وإدريس وشيث وآدم
به باد بهرام وتبّر بهرم ... وكسّر من كسرى سوار ومعصم
وكم من عظيم الشّأن حلّ بربعه ... فإن تختبره فهو ربّ وأعظم
ولكنّنا ننسى ونأبى حديثه ... وننجد في الإعراض عنه ونتهم
فحتّى إذا حلّ ساحة ماجد ... نطلّ بها من حسرة نتكلّم
نسينا حديث الموت جهلا بغدره ... فألهمنا إذ هزّنا منه ملهم
وفاة ورميّ في التّراب موسّد ... وآثاره فوق السّماك تخيّم
خبا ضوء ناديّ فأقفر ربعه ... من العلم والتّعليم ربع ومعلم

تردّى فأردى فقده أهل ريّة ... فما منهم إلّا كئيب ومغرم
غدا أهلها من فجعة بمصابه ... وعيشهم صاب قطيع وعلقم
وهل كان إلّا والد مات عنهم؟ ... فيا من لقوم يتّموا حين أيّموا
قضى نحبه الأستاذ واحد عصره ... فكاد الأسى يقضي إلى الكلّ منهم
قضى نحبه القطّان فالحزن قاطن ... مقيم بأحناء الضّلوع محكّم
وهل كان إلّا روضة رفّ ظلّها ... أتيح له قيظ من الجون صيلم؟
وهل كان إلّا رحمة عاد فقدها ... علامة فقد العلم والله أعلم؟
سل التّائبين العاكفين على الهدى ... لكم منّة أسدى وأهدى إليهم
أفادهم من كلّ علم لبابه ... وفهّمهم أسراره فتفهّموا
جزى الله ربّ الناس خير جزائه ... دليلا بهم نحو الهدى حيث يمّموا
أبان لهم طرق الرّشاد فأقدموا ... وحذّرهم عن كل غيّ فأحجموا
وجاء من التّعليم للخير كله ... بأبين من يأتي به من يعلّم
فصاحة ألفاظ وحسن عبارة ... مضيّ كما يمضي الحسام المصمّم
يصيب فلا يخطي إذا مقصدا ... ومن يجيب فلا يبطي ولا يتلعثم
يحدّث في الآفاق شرقا ومغربا ... فأخباره أضحت تخطّ وترسم
سرى في الورى ذكر له ومدائح ... يكاد بها طير العلى يترنّم
لعمرك ما يأتي الزمان بمثله ... وما ضرّني لو كنت بالله أقسم
فقيه نزيه زاهد متواضع ... رؤوف عطوف مشفق مترحّم
يودّ لو أنّ الناس أثرى جميعهم ... فلم يبق مسكين ولم يبق معدم
يودّ لو أنّ الله تاب على الورى ... فتابوا فما يبقى من الكلّ مجرم
عليه من الرّحمن أوسع رحمة ... فقد كان فينا الدّهر يحنو ويرحم

الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.