محمد بن محمد بن ميمون الخزرجي
يكنى أبا عبد الله، ويعرف بلا أسلم؛ لكثرة صدور هذه اللفظة عنه، مرسي الأصل، وسكن غرناطة ووادي آش وألمريّة.
حاله: من كتاب «المؤتمن» : كان دمث الأخلاق قبل أن يحرجه شيء من مضيّقات الصّدور، يشارك في العربية، والشعر النازل عن الدرجة الوسطى لا يخلو بعضه عن لحن. وكان يتعيش من صناعة الطّب. وجرت له شهرة بالمعرفة نرفع به بتلك الصّناعة على حدّ شهرة ترك النّصيحة فيها، فكانت شهرته بالمعرفة ترفع به. وشهرته بترك النصيحة تنزله، فيمرّ بين الحالتين بشظف العيش، ومقت الكافّة إيّاه.
قلت: كان لا أسلم، طرفا في المعرفة بطرق العلاج، فسيح التّجربة، يشارك في فنون، على حال غريبة من قلّة الظّرف، وجفاء الآلات، وخشن الظاهر، والإزراء بنفسه وبالناس، متقدّم في المعرفة بالخصوم، يقصد في ذلك. وله في الحرب والحيل حكايات، قال صاحبنا أبو الحسن بن الحسن: كانت للحكيم لا أسلم خمر مخبّأة، في كرم كان له بألمريّة، عثر عليها بعض الدّعرة، فسرقها له. قال: فعمد إلى جرّة وملأها بخمر أخرى، ودفنها بالجهة، وجعل فيها شيئا من العقاقير المسهّلات، وأشاع أن الخمر العتيقة التي كانت له لم تسرق، وإنما باقية بموضع كذا، فعمد إليها أولئك الدّعرة، وأخذوا في استعمالها، فعادت عليهم بالاستطلاق القبيح المهلك، فقصدوا الحكيم المذكور، وعرضوا عليه ما أصابهم، فقال لهم: إيه، أدّوا إليّ ثمن الشّريبة، وحينئذ أشرع لكم في الدواء، ويقع الشّفاء بحول الله، فجمعوا له أضعاف ما كان يساويه خمره، وعالجهم حتى شفوا بعد مشقّة. وأخباره كثيرة.
وفاته: توفي عقب إقلاع الطّاغية ملك برجلونة عن ألمريّة عام تسعة وسبعمائة . وخلفه ابن كان له يسمى إبراهيم، ويعرف بالحكيم، وجرى له من الشّهرة ما جرى لأبيه، مرّت عليه ببخت وقبول، وتوفي بعد عام خمسين وسبعمائة.
الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.