جعفر البيتي
تاريخ الولادة | غير معروف |
تاريخ الوفاة | غير معروف |
الفترة الزمنية | بين 1200 و 1300 هـ |
نبذة
الترجمة
المرحوم السيد جعفر البيتي
نابغة الأدب، الآتي من غرائب المحاسن بكل عجب، يملأ مسامعه بجذل وطرب، ويحلي أعطاف إفهامه بوشاح در وذهب، استكان له عصا الأدب وأطاعه، إذ رأى إحسانه له وإبداعه، مقلداً جيد أبكاره المصون، بمنظوم در بيانه المكنون، همام ألقت إليه الفصاحة مقاليدها، وملكته البلاغة طارفها وتليدها، فتصرف فيها بفكره الرصيف، وصرفها على وفق مراده بأحسن تصريف، فعنده من نوادر التحف كل آبدة، ومقيدة في صحف أفكاره كل شاردة، إن تكلم لم يترك كلاماً لغيره، وإن سار في طرق الإفادة فلله حسن سيره، كيف لا وهو خاتمة أهل الأدب بلا ريب، والمجمع على نزاهة تحريراته من الخلل والعيب، وتفننه في فنون العلوم، أمر ذائع معلوم، سلمت له في طول يده فيها كل أقرانه، وأقرت له بالفضل جهابذة أهل زمانه، فكم له من قطع إنشاءٍ كأنها قطع الروض الأزهر، أو قطع الشهب العنبر، مرقشة بنتف الأمثال، والتحف التي ليس لها مثال، ومن لمع نظم أرفع من الدر قدراً، وأضوع من المسك نشراً، إن تأملتها تجدها للنكت معدناً، ولخرد البدائع مسكناً. فمن نظمه الرقيق، المحاكي للزلال الممزوج بالرحيق، قوله:
أبادني السقم لا عيني ولا أثري ... أظن ما عندكم علمي ولا خبري
ما عندكم قلقي ما عندكم حرقي ... ما عندكم أرقي ما عندكم سهري
ولا اطلعتم على صب تقلبه ... يد الصبابة بين الشوك والإبر
ولا رعيتم مراعاتي لودكم ... ولا ذكرتم عهودي مثل مدكري
أنا المشوق المعنى المستهام بكم ... حسبي جنوني بكم عزاً ومفتخري
والنار لا نار إلا ما حوت كبدي ... ويلاه من حر نيراني ومن شرري
يا نازلين حمى نجد ترابكم ... أعزه الله من عيني ومن نظري
لولاكم لم يكن في نجد لي أرب ... ولم يكن نجد من قصدي ولا وطري
ومن غرر قصائده الباهرة، المخجلة للأنجم الزاهرة قوله:
حمامك في الحمى يا صاح صاحا ... فحي على الصبوح وعم صباحا
عهودي بالطلا طالت وإني ... سئمت وحقك الماء القراحا
تقدم للشمول ولم شملي ... ومن أقداحنا أجل القداحا
تأمل في خيوط الفجر لاحت ... وأهمل عاذلي إن كان لاحا
وعاجلنا فياقوت الحميا ... إذا طلعت عليه الشمس ساحا
وقد قصت أيادي الحزن ريشي ... فأنبت بالمسرة لي جناحا
أرح روحي براحك يا نديمي ... وراوحني فإن الروح راحا
وليل الصحو أظلم فاقتدح لي ... لأجل السكر بالقدح اقتداحا
وقل لعويذلي دع لي فسادي ... فإني قد وهبت لك الصلاحا
أدرها من عصير ورود خد ... شقيقاً ضمنت ثغراً أقاحا
يريك حبابها اثني عشر عيناً ... فتعلم مشرباً لك واصطباحا
يطوف بها علي اغن غان ... تربع في الضمائر واستراحا
رشا دلت مآثره عليه ... وحالي توضح الحال اتضاحا
جوارش ريقه أفواح قلبي ... ومنه اعتضت معجوناً نجاحا
بعيشك هل رأيت صنوف زهر ... على فرد من الأغصان لاحا
يصادر بالنهود عن التشكي ... فألتزم التمائم والوشاحا
ويعذل بالعيون وبالتثني ... فاعتنق الصوارم والرماحا
إذا طعن الفؤاد برمح قد ... رأيت دمي من العبرات ساحا
تنزه منه في بستان حسن ... ترى في صدره التفاح فاحا
ومزق لي فؤادك يا ابن ودي ... معي عشقاً ووجداً وافتضاحا
على خلع العذار كتبت عهدي ... وغي قد أبى إلا جماحا
فلا تعتب إذا ما طاش حلمي ... فقد أبصرت أردافاً رجاحا
وحبي شاهدت عيناي فيه ... صنوف الحسن أجمع والملاحا
حبيب مذ طرحت سلاح جهدي ... وصبري دونه حمل السلاحا
وجد لقتلتي بحديد طرف ... لأول نظرة كانت مزاحا
فيا لك نظرة ملئت نصالاً ... ومهجة عاشق ملأت جراحا
إذا غنى الحمام هوى تغنى ... ومهما ناح للأحزان ناحا
تساكرنا به نرجوه سكراً ... وذاك ألذ ممن قد تصاحى
ولا نوفيه حقاً في التصابي ... ومن ذا في الصبا يوفي الصباحا
وله من قصيدة عارض بها قصيدة فتح بن النحاس
رأى البق من كل الجهات فراعه ... فلا تنكروا تحكيكه والتياعه
ولا تسألوني كيف بت فإنني ... لقيت عذاباً لا أطيق دفاعه
نزلنا بمرسى ينبع البحر مرة ... على غير رأي ما علمنا طباعه
نقارع من جند البعوض كتائباً ... وفرسان ناموس عدمنا قراعه
فلو عاينت عيناك ميدان ركضه ... رأيت جريء القلب فيه شجاعه
وجنداً من الفيران في البيت كمنا ... متى وجدوا خرقاً أحبوا اتساعه
وسرية قمل تنبري إثر سرية ... خفافاً إلى مص الدماء سراعه
ينازعها البرغوث لحماً فليته ... رضي بتلافي واكتفينا انتزاعه
فلو يجد الملسوع من عظم ما به ... من الصخر درعاً لاستخار ادراعه
فرب قميص كان شراً من العرى ... إذا ضمه الملتاع زاد التياعه
كأني وكيل للبراغيث قائم ... أقيت له أيتامه وجياعه
إذا شبع الملعون مج دماً على ... ثيابي فلا أحيا الإله شباعه
فما رشنا بالدم إلا لسانه ... ولم تر عيني مكره وخداعه
سلوا عن دمي سارى البعوض فإنني ... علمت يقيناً أنه قد أضاعه
فلله جلد صار بالحك أجرباً ... أخاف عليه يا فلان انقشاعه
فلا تعذلوا المسكين أن عيل صبره ... وأظهر من جور الزمان انفجاعه
فقد مارس الأهوال في أرض ينبع ... ووطأ فوق النائبات اضطجاعه
زرعت العنا فيه يميناً ويسرة ... وصيرت صبري والتأسي ذراعه
فأعدمني طول المقام تجلدي ... وكشف عن وجه اصطباري قناعه
إذا رنم الناموس حولي أعلني ... وصدع قلبي سجعه وابتداعه
وإن مص من لحمي وطار تبعته ... إلى فائت منه أرجي ارتجاعه
عدمت غناء مثل أنغام سجعه ... فما كان أشنى سجعه وابتداعه
ضعيف قوي لا يقر من الأذى ... وأضعف منه من يرجي اصطناعه
وكم نفذت في دفعة كل حيلة ... ولو كان بالحسنى طلبت اندفاعه
فيا لأصيحابي اقتلوني ومالكاً ... فقد مد نحوي مفسد البق باعه
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.