حضرة صاحب السماحة والسيادة السيد توفيق أفندي البكري نقيب السادة الأشراف بمحروسة مصر
إمام اغترفت من بحر علمه علماء الأمصار، وهمام اعترفت بفضائله ذوو البصائر من الأفاضل والأبصار، أثمرت أغصان الأقلام بفرائد مآثره، وكشف له العرفان حجاب الستر عن محيا سرائره، له في كل فن مقام مشهور، وفي كل علم علم منشور، وله شعر منظوم نظم الكواكب في السحر، ونثر منثور نثر اللآلىء والدرر، فلا ريب أنه قلد جيد الدهر بعقود حلاه، وشيد ربوع المجد بنوامي فضله وعلاه، فهو الذي استوى على عرش الفنون، واحتوى على ما تلذ به الأسماع وتقر به العيون.
وفي عام ألف وثلاثمائة وخمسة عشر حينما قامت الحرب بين الدولة العلية واليونان، وكانت طليعة النصر تحت إمرة السلطان عبد الحميد خان، فهنأه المترجم بهذه القصيدة،، المقدمة لذاته السعيدة:
أما ويمين الله حلفة مقسم ... لقد قمت بالإسلام عن كل مسلم
فلولاك بعد الله أمست دياره ... بأيدي الأعادي مثل نهب مقسم
لقد سر هذا النصر قبراً بطيبة ... وبيتاً ثوى عند الحطيم وزمزم
فحيا أمير المؤمنين وملكه ... ثناء البرايا من فصيح وأعجم
إمام له في آل عثمان لحمة ... تبحبح منها في الذرى والمقدم
خليفة صدق يسبق الوعد جوده ... كما انهل قبل البرق ميزاب مرهم
يسوس الرعايا والبلاد بحكمة ... أقامت لدى نهج من الحق أقوم
ويقطع أقران الأمور بفيصل ... من الرأي يحكي منه ضربة مخذم
رمى الروم لما أن عتوا بكتيبة ... تميل بأعطاف الوشيج المقوم
وأعطاهموا سلماً فلما تألبوا ... لشر غدوا ما بين أنياب ضيغم
ومد لهم في الحم باعاً رحيبة ... فزادوا طماحاً في عتو وملأم
كذاك مرار النبت أن ما سقيته ... من العذب يزدد طعم صاب وعلقم
وزجوا جموعاً كالدبى في عديدها ... فألقاهموا في جوف دهياء صيلم
أسال فجاج الأرض بالجند يلتوي ... كأغدرة الوديان في كل مخرم
يموج به الماذي في رونق الضحى ... كما ماج لج بين أرحاء عيلم
فمن كل صنديد ثبيت مشيع ... سبوق إلى الغايات أحوس مجذم
يرى أن في بذل النفوس صيانة ... النفوس وأن قد يحقن الدم بالدم
ومن كل ذيال كان هويه ... هوي شهاب أو عقاب محوم
ومن كل حصداء دلاص كأنها ... على عاتق الأجناد بردة أرقم
وبيض كلون الملح لكن متونها ... كنمل على نهر من الماء عوم
وسود جثي كالإكام دوافع ... بحمر كأشباه الصواعق رجم
وجأواء حرى كالوطيس أقامها ... عليهم فكانت كالفضاء المحتم
كأن النصال البيض وسط عجاجها ... شرار تعالى في دخان مخيم
يطير قشاري الحديد بأفقها ... بحبل وتين أو بكفٍ ومعصم
فلا شيء فيا غير ضرب مفلق ... لهام ورمي مثل تهطال مرزم
وطعن دراك يسبق الحس للردى ... فليس وإن أفنى النفوس بمؤلم
أمال بلا ريسا عروش عداته ... وأشرق من فرسالة الأرض بالدم
كأن الأكام الأدم لما تصبغت ... به أنبتت نبتي شقيق وعندم
ويوم ملسطينو أقام نعيهم ... بشعواء تنفي حدة المتغشرم
فأصلاهمو ناراً فقوم درأهم ... كما قوم التثقيف معوج لهذم
فأمسوا حديثاً في الأنام وعبرة ... وبادوا كطسم في البلاد وجرهم
بيمن له قد أدرك النصر قائد ... رمى منه أكباد العداة بقشعم
وسوف يدين المشرقان لملكه ... ويتلى اسمه في كل واد ومعلم
ولا زال في علياء ثبت عمودها ... وأيامه ما بين عيد وموسم
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.