محمد بن محمد بن أحمد بن شلبطور الهاشمي
من أهل ألمريّة، يكنى أبا عبد الله، من وجوه بلده وأعيانه، نشأ نبيه البيت، ساحبا بنفسه وبماله ذيل الحظوة، متحلّيا بخصل من خطّ وأدب، وزيرا، متجنّدا، ظريفا، دربا على ركوب البحر وقيادة الأساطيل. ثم انحطّ في هواه انحطاطا أضاع مروءته، واستهلك عقاره، وهدّ بيته، وألجأه أخيرا إلى اللّحاق بالعدوة فهلك بها.
وجرى ذكره في الإكليل بما نصّه : مجموع شعر وخطّ، وذكاء عن درجة الظّرفاء غير منحطّ، إلى مجادة أثيلة البيت، شهيرة الحيّ والميت. نشأ في حجر التّرف والنعمة، محفوفا بالماليّة الجمّة، فلما غفل عن ذاته، وترعرع بين لداته، أجرى خيول لذّاته، فلم يدع منها ربعا إلّا أقفره، ولا عقارا إلّا عقره، حتى حطّ بساحلها، واستولى بسعر الإنفاق على جميع مراحلها، إلّا أنه خلص بنفس طيّبة، وسراوة سماؤها صيّبة، وتمتّع ما شاء من زير وبمّ ، وتأنّس لا يعطي القياد لهمّ.
وفي عفو الله سعة، وليس مع التوكل على الله ضعة.
شعره: من شعره قوله يمدح السلطان، وأنشدها إياه بالمضارب من وادي الغيران عند قدومه من ألمرية : [الطويل]
أثغرك أم سمط من الدّرّ ينظم؟ ... وريقك أم مسك به الرّاح تختم؟
ووجهك أم باد من الصّبح نيّر؟ ... وفرعك أم داج من الليل مظلم؟
أعلّل منك النفس والوجد متلفي ... وهل ينفع التّعليل والخطب أعظم» ؟
وأقنع من طيف الخيال يزورني ... لو أنّ جفوني بالمنام تنعم
حملت الهوى حينا فلمّا علمته ... سلوت لأني بالمكارم مغرم
ولي في أمير المسلمين محبّة ... فؤادي مشغوف بها ومتيّم
بلغت المنى لما لثمت يمينه ... فها أنذا في جنّة الخلد أنعم
يصوغ قومي الشّعر في طيب ذكره ... ويحسن فيه النّظم من ليس ينظم
فاستمسك الدّين الحنيف زمانه ... وقام منار الحقّ والشّرك مغرم
له نظر في المشكلات مؤيّد ... والله مهد إلى الرشد ملهم
ويستغرق طارحا فيه وابل جوده ... فمن فعله في جوده يتعلم
فلو أن أملاك البسيطة أنصفوا ... لألقوا إليه الأمر طوعا وسلّموا
وفي الدّين والدنيا وفي البأس والنّدى ... لكم يا بني نصر مقام معظّم
ومنها:
إليك أمير المسلمين اقتضيتها ... حمائل شكر طيرها مترنّم
تنمّ بعرف المسك أنفاسها ... إذا يفوه لراو في الندى بها فم
فباسمك سيّرت في المسامع ذكرها ... ويغزى في أقصى البلاد ويشمم
ولو أنني في المدح سحبان وائل ... وأنجدني فيه حبيب ومسلم
لما كنت إلّا عن علاك مقصّر ... ومن بعض ما نشدت وتولي وتنعم
بقيت ملاذا للأنام ورحمة ... وساعدك الإسعاد حيث يتمّم
ومن شعره مذيّلا على البيت الأخير حسبما نسب إليه : [البسيط]
نامت جفونك يا سؤلي ولم أنم ... ما ذاك إلّا لفرط الوجد والألم
أشكو إلى الله ما بي من محبّتكم ... فهو العليم بما نلقى من السّقم
«إن كان سفك دمي أقصى مرادكم ... فما غلت نظرة منكم بسفك دمي»
وممّا نسب إليه كذلك : [السريع]
قف بي وناد بين تلك الطّلول ... أين الألى كانوا عليها نزول
أين ليالينا بهم والمنى ... نجنيه غضّا بالرضا والقبول
لا حمّلوا بعض الذي حمّلوا ... يوم تولّت بالقباب الحمول
إن غبتم يا أهل نجد ففي ... قلبي أنتم وضلوعي حلول
وممّا خاطبني به: [الرجز]
تالله ما أورى زناد القلق ... سوى ريح لاح لي بالأبرق
أيقنت بالحين فلولا نفحة ... نجديّة منكم تلافت رمقي
لكنت أقضي بتلظّي زفرة ... وحسرة بين الدموع تلتقي
فآه من هول النّوى وما جنى ... على القلوب موقف التّفرّق
يا حاكي الغصن انثنى متوّجا ... بالبدر تحت لمّة من غسق
الله في نفس معنّى أقصدت ... من لاعج الشّوق بما لم تطق
أتى على أكثرها برح الأسى ... دع ما مضى منها وأدرك ما بقي
ولو بإلمام خيال في الكرى ... إن ساعد الجفن رقيب الأرق
فربّ زور من خيال زائر ... أقرّ عينيّ وإن لم يصدق
شفيت من برح الأسى لو أنّ من ... أصبح رقّي في يديه معتقي
ففي معاناة الليالي عائق ... عن التّصابي وفنون القلق
وفي ضمان ما يعاني المرء من ... نوائب الدهر مشيب المفرق
هذا لعمري مع أني لم أبت ... منها بشكوى روعة أو فرق
فقد أخذت من خطوب غدرها ... بابن الخطيب الأمن ممّا أتّقي
فخر الوزارة الذي ما مثله ... بدر علا في مغرب أو مشرق
ومذ أرانيه زماني لم أبل ... من صرفه من مرعد أو مبرق
لا سيما منذ حططت في حمى ... جواره الأمنع رحل أينقي
أيقنت أني في رجائي لم أخب ... وأنّ مسعى بغيتي لم يخفق
ندب له في كلّ حسن آية ... تناسبت في الخلق أو في الخلق
في وجهه مسحة بشر إن بدت ... تبهرجت أنوار شمس الأفق
تعتبر الأبصار في لألئها ... عليه من نور السّماح المشرق
كالدهر في استينائه وبطشه ... كالسيف في حدّ الظّبا والرونق
إن بخل الغيث استهلّت يده ... بوابل من غيث جود غدق
وإن وشت صفحة طرس انجلى ... ليل دجاها عن سنى مؤتلق
بمثلها من حبرات أخجلت ... حواشي الرّوض خدود المهرق
ما راق في الآذان أشناف سوى ... ملتقطات لفظه المفترق
تودّ أجياد الغواني أن يرى ... حليّها من درّ ذاك المنطق
فسل به هل آده الأمر الذي ... حمّل في شرخ الشباب المونق؟
إذا رأى الرّأي فلا يخطئه ... يمن اختيار للطريق الأوفق
إيه أبا عبد الإله هاكها ... عذراء تحثو في وجوه السّبق
خذها إليك بكر فكر يزدري ... لديك بالأعشى لدى المحلّق
لا زلت مرهوب الجناب مرتجى ... موصول عزّ في سعود ترتقي
مبلّغ الآمال فيما تبتغي ... مؤمّن الأغراض فيما تتّقي
ناب في القيادة البحرية عن خاله القائد أبي علي الرّنداحي، وولّي أسطول المنكّب برهة. توفي بمراكش في عام خمسة وخمسين وسبعمائة رحمه الله.
الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.
محمد بن محمد بن أحمد بن شلبطور الهاشمى.
من أعيان أهل المريّة، أبو عبد الله، وقد مرّ ذكر أبيه محمد، وجدّه أحمد
أخذ عن أبى محمد: عبد الله بن محمد الحمى، وتلا عليه الكتاب العزيز، وبه تأدّب وعلى أبى الحسن: على بن أبى العيش القاضى، وعلى الأستاذ أبى عثمان: سعد بن ليون.
وولى قيادة أسطول المنكب، ولم تمتدّ مدّته به، ورحل للمغرب لائذا بجناب السلطان/فولاه المزورة بمراكش، وكانت رحلته من المريّة سنة 755 .
من نظمه يخاطب مولاه أبا القاسم: محمد بن خاتمة، جوابا عن قطعة خاطبه بها مطلعها البيت الأخير من هذه الأبيات:
أعد ذكر تلك الليالى القصار … فقد قدح الشوق زند أذكار
وفاضت دموعى بفرط ولوعى … وبين ضلوعى هوّى شبّ نار
فكم ذا أقاسى وقلبك قاس … ومالى آسى لطول النّفار
أترضى مماتى وأنت حياتى … إذا لم توات فكيف اصطبار
فجد بالوصال فلست بسال … وقلبى صال جحيم الأوار
أطلت التجنّى وأسهرت جفنى … فكم ذا أعنّى لبعد المزار
خلعت عذارى بوادى المزار … وسمع القمارى ورشف الصغار
[وقوله وكتبها على تفاحة:
وتفاحة. . . من المسك … كأنما أنفاسها. . .»
تزهى بلونين على جمرة … تورد ذاك الخد لك
وصفرة شاهدة إنّنى … متيم القلب بلا شكّ
إن كنت قد ملّكت أمر الهوى … فإننى لا صبر لى عنك]
توفى آخر شوال سنة 756.
ذيل وفيات الأعيان المسمى «درّة الحجال في أسماء الرّجال» المؤلف: أبو العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى الشّهير بابن القاضى (960 - 1025 هـ)