محمد بن إبراهيم بن علي بن باق الأموي
مرسي الأصل، غرناطي النشأة، مالقي الإسكان، يكنى أبا عبد الله.
حاله: من عائد الصلة : كان، رحمه الله تعالى ، كاتبا أديبا ذكيّا، لوذعيّا، يجيد الخطّ، ويرسل النادرة، ويقوم على العمل، ويشارك في الفريضة.
وبذّ السّبّاق في الأدب الهزلي المستعمل بالأندلس. عمر زمانا من عمره، محارفا للفاقة، يعالج بالأدب الكدية، ثم استقام له الميسم، وأمكنه البخت من امتطاء غاربه، فأنشبت الحظوة فيه أناملها بين كاتب وشاهد ومحاسب ومدير تجر، فأثرى ونما ماله، وعظمت حاله، وعهد عندما شارف الرحيل بجملة تناهز الألف من العين، لتصرف في وجوه من البرّ، فتوهّم أنها كانت زكاة امتسك بها.
وجرى ذكره في التاج بما نصّه : مدير أكواس البيان المعتّق، ولعوب بأطراف الكلام المشقّق، انتحل لأول أمره الهزل من أصنافه، فأبرز درّ معانيه من أصدافه، وجنى ثمرة الإبداع لحين قطافه. ثم تجاوزه إلى المعرّب وتخطّاه، فأدار كأسه المترع وعاطاه، فأصبح لفنّيه جامعا، وفي فلكيه شهابا لامعا، وله ذكاء يطير شرره، وإدراك تتبلّج غرره، وذهن يكشف الغوامض، ويسبق البارق الوامض»
، وعلى ذلاقة لسانه، وانفساح أمد إحسانه، فشديد الصّبابة بشعره ، مغل لسعره.
شعره: أخبرني الكاتب أبو عبد الله بن سلمة، أنه خاطبه بشعر أجابه عنه بقوله، في رويّه : [الخفيف]
أحرز الخصل من بني سلمه ... كاتب تخدم الظّبا قلمه
يحمل الطّرس عن أنامله ... أثر الطّرس كلّما رقمه
وتمدّ البيان فكرته ... مرسلا حيث يمّمت ديمه
خصّني متحفا بخمس إذا ... بسم الرّوض فقن مبتسمه
قلت أهدى زهر الرّبا خضلا ... فإذا كلّ زهرة كلمه
أقسم الحسن لا يفارقها ... فأبرّ انتقاؤها قسمه
خطّ أسطارها ونمّقها ... فأتت كالقعود منتظمه
كاسيا من حلاه لي حللا ... رسمها من بديع ما رسمه
طالبا عند عاطش نهلا ... ولديه الغيوث منسجمه
يبتغي الشّعر من أخي بله ... أخرس العيّ والقصور فمه
أيها الفاضل الذي حمدت ... ألسن المدح والثّنا شيمه
لا تكلّف أخاك مقترحا ... نشر عار لديه قد كتمه
وابق في عزّة وفي دعة ... صافي العيش واردا شبمه
ما ثنى الغصن عطفه طربا ... وشدا الطير فوقه نغمه
مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزّبير، والخطيب أبي عثمان بن عيسى.
وفاته: توفي بمالقة في اليوم الثامن والعشرين لمحرم عام اثنين وخمسين وستمائة ، وأوصى بعد أن حفر قبره بين شيخيه الخطيبين أبي عبد الله الطّنجالي وأبي عثمان بن عيسى، أن يدفن به ، وأن يكتب على قبره هذه الأبيات:
[الطويل]
ترحّم على قبر ابن باق وحيّه ... فمن حقّ ميت الحيّ تسليم حيّه
وقل آمن الرحمن روعة خائف ... لتفريطه في الواجبات وغيّه
قد اختار هذا القبر في الأرض راجيا ... من الله تخفيفا بقرب وليّه
فقد يشفع الجار الكريم لجاره ... ويشمل بالمعروف أهل نديّه
وإني بفضل الله أوثق واثق ... وحسبي وإن أذنبت حبّ نبيّه
الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.