محمد بن أحمد بن الحدّاد الوادي آشي
يكنى أبا عبد الله.
حاله: شاعر مفلق، وأديب شهير، مشار إليه في التعاليم، منقطع القرين منها في الموسيقى، مضطلع بفكّ المعمّى. سكن ألمريّة، واشتهر بمدح رؤسائها من بني صمادح. وقال ابن بسّام: كان أبو عبد الله هذا شمس ظهيرة، وبحر خبر وسيرة، وديوان تعاليم مشهورة، وضح في طريق المعارف وضوح الصّبح المتهلّل، وضرب فيها بقدح ابن مقبل ، إلى جلالة مقطع، وأصالة منزع، ترى العلم ينمّ على أشعاره، ويتبيّن في منازعه وآثاره.
تواليفه: ديوان شعر كبير معروف. وله في العروض تصنيف ، مزج فيه بين الأنحاء الموسيقية، والآراء الجليلة.
بعض أخباره: حدّث بعض المؤرخين ممّا يدلّ على ظرفه أنه فقد سكنا عزيزا عليه، وأحوجت الحال إلى تكلّف سلوة، فلمّا حضر الندماء، وكان قد رصد الخسوف بالقمر ، فلمّا حقّق أنه قد ابتدأ، أخذ العود
وغنّى : [المتقارب]
شقيقك غيّب في لحده ... وتشرق يا بدر من بعده
فهلّا خسفت وكان الخسوف ... حدادا لبست على فقده؟
وجعل يردّدها، ويخاطب البدر، فلم يتمّ ذلك إلّا واعترضه الخسوف، وعظم من الحاضرين التعجّب. قال : وكان مني في صباه بصبية من الرّوم، نصرانية، ذهبت بلبّه وهواه، تسمّى نويرة، افتضح بها، وكثر نسيبه.
شعره: قال في الغرض المذكور : [الطويل]
حديثك ما أحلى! فزيدي وحدّثي ... عن الرّشإ الفرد الجمال المثلّث
ولا تسأمي ذكراه فالذّكر مؤنسي ... وإن بعث الأشواق من كلّ مبعث
وبالله فارقي خبل نفسي بقوله ... وفي عقد وجدي بالإعادة فانفثي
أحقّا وقد صرّحت ما بي أنه ... تبسّم كاللاهي، بنا، المتعبّث
وأقسم بالإنجيل إنّي شابق ... وناهيك دمعي من محقّ محنّث
ولا بدّ من قصّي على القسّ قصّتي ... عساه مغيث المذنف المتغوّث
ولم يأتهم عيسى بدين قساوة ... فيقسو على بثّي ويلهو بمكرث
وقلبي من حلي التجلّد عاطل ... هوى في غزال الواديين المرعّث
سيصبح سرّي كالصباح مشهّرا ... ويمسي حديثي عرضة المتحدّث
ويغرى بذكري بين كأس وروضة ... ويشدو بشعري فوق مثنى ومثلث
ومن شعره في الأمداح الصّمادحية : [الطويل]
لعلّك بالوادي المقدّس شاطىء ... وكالعنبر الهنديّ ما أنت واطئ
وإنّي في ريّاك واجد ريحهم ... فروح الجوى بين الجوانح ناشئ
ولي في السّرى من نارهم ومنارهم ... هداة حداة والنجوم طوافىء
لذلك ما حنّت ركابي وحمحمت ... عرابي وأوحى سيرها المتباطىء
فهل هاجها ما هاجني؟ أو لعلّها ... إلى الوخد من نيران وجدي لواجىء
رويدا فذا وادي لبيني وإنه ... لورد لباناتي وإني لظامىء
ميادين تهيامي ومسرح ناظري ... فللشّوق غايات لها ومبادئ
ولا تحسبوا غيدا حمتها مقاصر ... فتلك قلوب ضمّنتها جآجىء
ومنها:
محا ملّة السّلوان مبعث حسنه ... فكلّ إلى دين الصّبابة صابىء
فكيف أرفّي كلم طرفك في الحشا ... وليس لتمزيق المهنّد رافىء؟
وما لي لا أسمو مرادا وهمّة ... وقد كرمت نفس وطابت ضآضىء؟
وما أخّرتني عن تناه مبادئ ... ولا قصّرت بي عن تباه مناشئ
ولكنّه الدّهر المناقض فعله ... فذو الفضل منحطّ وذو النقص نامئ
كأنّ زماني إذ رآني جذيله ... يلابسني منه عدوّ ممالئ
فداريت إعتابا ودارأت عاتبا ... ولم يغنني أني مدار مدارىء
فألقيت أعباء الزمان وأهله ... فما أنا إلّا بالحقائق عابىء
ولازمت سمت الصّمت لاعن فدامة ... فلي منطق للسّمع والقلب صابىء
ولولا علا الملك ابن معن محمد ... لما برحت أصدافهنّ اللآلئ
لآلىء إلا أنّ فكري غائص ... وعلمي ذو ماء ونطقي شاطىء
تجاوز حدّ الوهم واللّحظ والمنى ... وأعشى الحجا لألاؤه المتلالىء
فتنعكس الأبصار وهي حواسر ... وتنقلب الأفكار وهي خواسىء
وقال من أخرى : [الكامل]
أقبلن في الحبرات يقصرن الخطا ... ويرين في حلل الوراشين القطا
سرب الجوى لا الجوّ عوّد حسنه ... أن يرتعي حبّ القلوب ويلقطا
مالت معاطفهنّ من سكر الصّبا ... ميلا يخيف قدودها أن تسقطا
وبمسقط العلمين أوضح معلم ... لمهفهف سكن الحشا والمسقطا
ما أخجل البدر المنير إذا مشى ... يختال والخوط النضير إذا خطا
ومنها في المدح:
يا وافدي شرق البلاد وغربها ... أكرمتما خيل الوفادة فاربطا
ورأيتما ملك البريّة فاهنآ ... ووردتما أرض المريّة فاحططا
يدمي نحور الدّارعين إذا ارتأى ... ويذلّ عزّ العالمين إذا سطا
وإحسانه كثير. دخل غرناطة، ومن بنات عملها وطنه، رحمه الله.
الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.