محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الإستجي الحميري

أبي عبد الله

تاريخ الولادةغير معروف
تاريخ الوفاة639 هـ
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةغرناطة - الأندلس
أماكن الإقامة
  • غرناطة - الأندلس
  • مالقة - الأندلس

نبذة

محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الإستجّي الحميري من أهل مالقة، وأصله من إستجّة، انتقل سلفه إلى مالقة، يكنّى أبا عبد الله. كان من جملة حملة العلم، والغالب عليه الأدب، وكان من أهل الجلالة، ومن بيت علم ودين. أقرأ ببلده، وقعد بالجامع الكبير منه، يتكلّم على صحيح البخاري، وانتقل في آخر عمره إلى غرناطة. وكان من أبرع أهل زمانه في الأدب نظما ونثرا.

الترجمة

محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الإستجّي الحميري
من أهل مالقة، وأصله من إستجّة، انتقل سلفه إلى مالقة، يكنّى أبا عبد الله.
حاله: كان من جملة حملة العلم، والغالب عليه الأدب، وكان من أهل الجلالة، ومن بيت علم ودين. أقرأ ببلده، وقعد بالجامع الكبير منه، يتكلّم على صحيح البخاري، وانتقل في آخر عمره إلى غرناطة.
وقال الأستاذ : كان من أبرع أهل زمانه في الأدب نظما ونثرا.
شعره: منقولا من خط الوزير الرّاوية أبي محمد عبد المنعم بن سماك، وقد ذكر أشياخه فقال: الشيخ المتفنن الأديب، البارع، الشاعر المفلق، قرأ على أشياخها، وأقرأ وهو دون العشرين سنة. وكانت بينه وبين الأستاذ المقرئ الشهير أبي العباس، الملقب بالوزعي، قرابة، وله قصيدة أولها: [الكامل]
ما للنسيم لدى الأصيل عليلا ومنها:
حتى النسيم إذا ألّم بأرضهم ... خلعوا عليه رقّة ونحولا

وكان يقول: كان الأستاذ أبو العباس يستعيدني هذا البيت ويقول: نعم أنت قريبي. وقدم على غرناطة، أظنّ سنة تسع وثلاثين وستمائة.
محنته: قال الأستاذ: جرى له قصة، نقل بعض كلامه فيها، على بعض أحاديث الكتّاب من جهة استشهاد أدبي عليه فيها، غالب أدبه، فأطلق عنان الكلام، وما أكثر مما يطاق فيما يأنفه إدراكات تلك الأفهام، ولكل مقام مقال، ومن الذي يسلم من قيل وقال. وكان ذلك سبب الانقطاع، ولم يؤت من قصر باع، وانتقل إلى غرناطة، فتوفي في أثر انقطاعه وانتقاله.
شعره: من ذلك قوله في غرض يظهر من الأبيات: [الطويل]
قضوا في ربى نجد ففي القلب مرساه ... وغنّوا إن أبصرتم ثمّ مغناه
أما هذه نجد أما ذلك الحمى؟ ... فهل عميت عيناه أم صمّ أذناه؟
دعوه يوفّي ذكره باتّشامه ... ديون هواه قبل أن يتوفّاه
ولا تسألوه سلوة فمن العنا ... رياضة من قد شاب في الحب فوداه
أيحسب من أصلى فؤادي بحبّه ... بأني سأسلو عنه، حاشاه حاشاه؟
متى غدر الصّبّ الكريم وفى له ... وإن أتلف القلب الحزين تلافاه
وإن حجروا معناه وصرّحوا به ... فإن معناه أحقّ بمعناه
ويا سابقا عيس الغرام سيوفه ... وكلّ إذا يخشاه في الحبّ يخشاه
أرحها فقد ذابت من الوجد والسّرى ... ولم يبق إلّا عظمها أو بقاياه
ويا صاحبي عج بي على الخيف من منى ... وما للتعنّي لي بأنّي ألقاه
وعرّج على وادي العقيق لعلّني ... أسائل عمّن كان بالأمس مأواه
وقل للّيالي قد سلفن بعيشه ... وعمر على رغم العذول قطعناه
هل العود أرجوه أم العمر ينقضي ... فأقضي ولا يقضى الذي أتمنّاه؟

ومن شعره أيضا، قوله، رحمه الله: [الطويل]
سرت من ربى نجد معطّرة الرّيّا ... يموت لها قلبي وآونة يحيا
تمسّح أعطاف الأراك بليلة ... وتنثر كافورا على التربة اللّميا
وترتدّ في حجر الرياض مريضة ... فتحيي بطيب العرف من لم يكن يحيا
وبشرى بأنفاس الأحبّة سحرة ... فيسرع دمع العين في إثرها جريا
سقى الله دهرا ذكره بنعيمه ... فكم لجفوني عند ذكراه من سقيا
نآني محيّاه الأنيق وحسنه ... ومن خلقي قد كنت لا أحمل النأيا
وبي رشأ من أهل غرناطة غدا ... يجود بتعذيبي ويبخل باللّقيا
رماني فصابني بأول نظرة ... فيا عجبا من علّم الرّشأ الرّميا
وبدّد جسمي نوره وكأنه ... أشعّة شمس قابلت جسدي مليا
تصوّر لي من عالم الحسن خالصا ... فمن عجب أن كان من عالم الدنيا
وهمّ بأن يرقى إلى الحور جسمه ... فثقّلته كتبا وحمّلته حليا
إذا ما انثنى أو لاح أو جاح أو رنا ... سبا القصب والأقمار والمسك والضيا
رعى الله دهرا كان ينشر وصله ... برود طواها البين في صدره طيّا
مشيخته: ومما يشتمل على أسماء شيوخه، ويدلّ على تبحّره في الأدب ورسوخه، إجازته أبا الوليد إسماعيل بن تبر الأيادي، وعندها يقال: أتى الوادي:
[الخفيف]
إنّ لي عند كلّ نفحة بستا ... ن من الورد أو من الياسمينا
نظرة والتفاتة أتمنّى ... أن تكوني حللت فيما تلينا
ما هذه الأنوار اللائحة، والنّوار الفائحة، إني لأجد ريح الحكمة، ولا مفنّد، وأرد مورد النعمة، ولا منكد، أمسك دارين ينهب، أم المندل الرطب في الغرام الملهب، أم نفحت أبواب الجنّة ففاح نسيمها، وتوضحت أسباب المنّة فلاح وسيمها: [الطويل]
محيّاك أم نور الصباح تبسّما ... وريّاك أم نور الأقاحي تنسّما
فمن شمّ من ذا نفحة رقّ شيمة ... ومن شام من ذا لمحة راق مبسما؟
أجل خلق الإنسان من عجل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتفهموا أسرار الحكم وتعوا، وإذا رأيتم رياض الجنّة فارتعوا، يعني مجالس الذّكر، ومأنس النظر والفكر، ومطالع المناظرة، ومواضع المحاضرة، فهذه بتلك، وقد انتظمت الجواهر النبوية في سلك، ولهان حمى للعطارة وطيس، بين مسك المداد وكافور القراطيس. فيا أيها المعلم الأوحد، والعالم الذي لا تنكر أمامته ولا تجحد، حوّمت على علم الملوك، ولزمت بحلم طريق الحكم المسلوك، فلم تعد أمل الحكماء، ولم تعد إلّا بعمل العلماء، وقد قال حكيمهم الفاضل، وعظيمهم الذي لا مناظر له ولا مفاضل: إذا خدمت الأمراء فكن بين استلطاف واستعطاف، تجن المعارف والعوارف دانية القطاف، فتعلّمهم وكأنك تتعلّم منهم، وترويهم وكأنك تروي عنهم، فأجريت الباب، وامتريت من العلم اللّباب، ثم لم تبعد، فقد فعل النحويون ذلك في يكرم، ويعد، ويعزّ، ولا غرو أن تقرأ على من هو دونك، وتستجيز الإجازة عن القوم العظام يقصدونك. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أمره الله بأن يقرأ على أبيّ بن كعب، فهل في حيّ الخواطر الذكية من حيّ؟ فقال له، رضي الله عنه: الله أمرك أن تقرأ عليّ، والعناية الرّبانية تنادي إليّ إليّ، وإذا قال لي: من أحبّ مولاي، واستعار لزينته حلاي:
فما على الحبيب من اعتراض ... وللطّبيب تصرّف في المراض
قد يرحل المرء لمطلوبه ... والسبب المطلوب في الرّاحل
عجت متواضعا، فما أبرمت في معاجك، ولا ظلمت في السؤال نعجته إلى نعاجك، فإنه سرّ الله، لا يحلّ فيه الإفشاء، وحكمة الله البالغة، والله يؤتي الحكمة من يشاء، وإن لبست من التواضع شعارا، ولبست عن الترفع تنبيها على السّر المكتوم وإشعارا، فهذه الثريّا من العجائب إذا ارتفعت في أعلى صعودها، وأسمى راياتها الخافقة وبنودها، نهاية وجودها الحسّي عدم، وغاية وصفها الشّبهي أن تشبّه بقدم، فإذا همّت بالركوع، وشمّت في المغرب ريح الوقوع، كان لها من السّمو القدح المعلّى، وعادت قرطا تتزيّن به الآذان وتتحلّى:
وفي الشرق كأس وفي مغاربها ... قرط وفي وسط السماء قدم
هذه آثار التواضع متلوّة السّور، مجلوّة الصّور، وكان بعضهم إذا أعطى الصّدقة، يعطيها ويده تحت يد السّائل، وهكذا تفهم المسائل. فإنه لما سمع النبوة تقول: اليد العليا خير من اليد السّفلى، أراد أن يؤثر المقام الأعلى. ولما أعطى أبو بكر، رضي الله عنه، ماله كله، أعطى عمر، رضي الله عنه، النصف من المال، لا احتياطا على ماله، ولكن ليقف لأبي بكر في مقام القصور عن كماله، تفويضا وتسليما، وتنبيها لمن كان له قلب وتعليما. ورؤي الدّارقطني، رحمه الله عليه، يحبس أباه بركابه، فلا ينكر عليه، فقيل له في ذلك، فقال: رأيته يبادر إلى فضيلة، فكرهت مخالفته: [البسيط]
فوق السماء وفوق الزّهر ما طلبوا ... وهم إذا ما أرادوا غاية نزلوا
وإلى هذا وصل الله حفظك، وأجزك من الخيرات حظّك، فإنه وصلتني الكرّاسة المباركة، الدّالّة على التفنن في العلوم والمشاركة، فبينما أنا أتلو الإجازة، وأريق صدور البيان وإعجازه، ألقي إليّ كتاب كريم، إنه من أبي الوليد، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، فحرت، ووقفت كأنني سحرت، وقلت: ساحران تظاهرا معا، وأحدهما قاتلي، فكيف إذا اجتمعا: [الطويل]
فلو كان رمحا واحدا لاتّقيته ... ولكنه رمح وثان وثالث
ومن لعبت بشيمته المثاني ... فأحرى أن تطير به المثالث
وطار بي الشوق كلّ مطار، وقرأت سماء فكرتي سورة الانفطار، وكدت أصعد إلى السماء توقّدا، واختلط بالهواء تودّدا: [الكامل]
كانت جواهرنا أوائل قبل ذان ... فالآن صارت بالتحول ثوان
وجدت وراء الحسن وهي كثيفة ... فوجودهن الآن في الأذهان
ولم يكف أن بهرت بالحسن الخلوب، حتى أمرت أن أنظم على ذاك الأسلوب، وبالحريّ لذلك النثر البديع، الحريريّ أو البديع، ولذلك النّظم العجيب، المتنبي أو حبيب، ولذلك التصوف الرقيق، الحارث بن أسد ذي التحقيق. وأما الحديث، فما لك تقطع تلك المسالك، إلّا أن العربية ليس لأحد معه فيها دليل، أستغفر الله إلّا للخليل، لكن أصول الدين مجريّة، تركت تلك الميادين. هنّاك الله جمع كل منقبة جليلة، فترى الفضيلة لا تردّ فضيلة، فمر الرديف وقد ركب غضنفرا، أو المدّعي صفة فضل، وكلّ الصّيد في جوف الفرا . من يزحم البحر يغرق، ومن يطعم الشجر يشرق. وهل يبارى التوحيد بعمل، أو يجارى البراق بجمل؟ ذلك انتهى إلى سدرة المنتهى، وهل انبرى ليلطم خدّه في الثرى؟ لا تقاس الملائكة بالحدّادين، ولا حكماء يونان بالفدادين. أفي طريق الكواكب يسلك، وعلى الفلك الأثير يستملك؟ أين الغد من الأمس، وظلمة الغسق من وضح الشمس؟ ولولا ثقتي بغمام فضلك الصّيّب، لتمثلت لنفسي بقول أبي الطيب : [الطويل]
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق ... أراه غباري ثم قال له ألحق
فإن رضيت أيها العلم، فما لجرح إذا أرضاكم. ألم تر كيف أجاري أعوج بمغرب أهوج وأجاري ذا العقال بجحش في عقال؟ ظهر بهذه الظّلمة، ذلك الضياء، وبضدّها تتبين الأشياء. وما يزكو بياض العاج حتى يضاف إلى سواد الأبنوس. ألفاظ تذوب رقّة، وأغراض تملك حبّ الكريم ورقّة الزّهر، والزّهر بين بنان وبيان، والدرّ طوع لسان وإحسان: [الوافر]
وقالوا ذاك سحر باهليّ ... فقلت وفي مكان الهاء باء
وأما محاسن أبي الوليد، فيقصر عنها أبو تمام وابن الوليد: [المتقارب]
معان لبسن ثياب الجمال ... وهزّت لها الغانيات القدودا
كسون عبيدا ثياب عبيد ... وأضحى لبيد لديها بليدا
وكيف أعجب من إجرائك لهذه الجياد، وأياديك من إياد؟ أورثت هذه البراعة المساعدة، عن قسّ بن ساعدة؟ أجدّك أنت الذي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كأني أنظر إليه في سوق عكاظ على جمل أورق، وهو يقول أيها الناس: مطر ونبات، وآباء وأمهات، إلى قوله: [مجزوء الكامل]
في الذاهبين الأوّلي ... ن من القرون لنا بصائر

لمّا رأيت موارد ... للموت ليس لها مصادر
أيقنت أنّي لا محا ... لة حيث صار القوم صائر
إيه بغير تمويه. رجع الحديث الأول إلى ما عليه المعوّل. سألتني، أيها السيد الذي يجب إسعافه، أن أرغم أنف القلم حتى يجري رعافه، وأن أكحّل جفون الأوراق بمداد الأقلام، وأن أجمع الطّروس والأمدّة ، بين إصباح وإظلام، وأطرّز بياض السّوسن بخضرة الآس، وأبرز العلم الأبيض تحت راية بني العباس، فقلت مبادرا ممتثلا، وجلت في ميدان الموافقة متمثّلا: [البسيط]
لبّيك لبّيك أضعافا مضاعفة ... إنّي أجبت ولكن داعي الكرم
أتى من المجد أمر لا مردّ له ... أمشي على الرأس فيه لا على القدم
دعاء والله مجاب؛ ونداء ليس دونه حجاب: [المتقارب]
كتبت ولو أني أستطيع ... لإجلال قدرك بين البشر
قددت البراعة من أنملي ... كأنّ المداد سواد البصر
نعم أجزت، سيدي الفقيه الأجل، الخطيب الأكرم، العالم العلم، الأوحد الأكمل، الحسيب الأحفل الأطول، أبا الوليد بن الفقيه الأجل، المعظم الموقر، المكرم المبارك الأظهر، المرحوم أبي زكريا يحيى بن سعيد بن قتري الأيادي القرموني، ونبيه السّادات النجباء المباركين، أبا القاسم أحمد، وأبا إسحاق إبراهيم، وأبا الحسين بتزيا. ونعمت الأغصان والشجرة، والأقنان والثمرة، أقرّ الله بهم أعين المجد، ولا زالوا بدورا في مطالع السّعد، ولا برحوا في مكارم يجنون نوّارها، ويجتلون أنوارها، وتفيض عليهم يد العناية الإلهية، نهرها الكوثري ونهارها، جميع ما رويته قراءة وسماعا، وإجازة ومناولة، من العلوم على اختلافها، وتباين أصنافها، بأي وجه رويته، وعلى أي وصف تقلّدته ودريته، وكذلك أجزتهم جميع ما قلته وأقوله، من مسطور ومرسوم، ومنثور ومنظوم، وتصرّفت فيه من منقول ومفهوم، وقصائدي المسماة بالرّوحانيات، ومعشّراتي الحبيبات، وما نظمته من الوتريات، وشرحي لشعر أبي الطيب المسمى ب «ظهور الإعجاز بين الصدور والأعجاز» ، وكتابي المسمى «شمس البيان في لمس البنان» ، والزهرة الفائحة في الزّهرة اللائحة، ونفح الكمامات في شرح المقامات، واقتراح المتعلمين في اصطلاح المتكلمين، وكتاب التّصوّر والتصديق، في التوطية لعلم التحقيق، ورقم الحلل، في نظم الجمل، ومفتاح الإحسان، في إصلاح اللسان. وما أنشأته من السلطانيات نظما ونثرا، وخطابة وشعرا.
والله تعالى يجعل أعمالنا خالصة لوجهه بمنّه وكرمه، فليقل الفقيه الأجل، وبنوه الأكرمون، رضي الله عنهم، أنبأنا وأخبرنا وحدّثنا، أو ما شاءوا من ألفاظ الرواية، بعد تحري الشروط المرعيّة، في الإجازات الشرعية، وإن ذهبوا حفظ الله كمالهم، وأراهم في الدارين آمالهم، إلى تسمية من لي من المشايخ، قدّس الله أرواحهم، وزحزح عن النار أشباحهم:
فمنهم الأستاذ الخطيب الكبير، العالم الفاضل الجليل، البقيّة الصالحة، آخر الأدباء، وخاتمة الفضلاء، أبو جعفر أحمد بن يحيى بن إبراهيم الحميري القرطبي الدّار، رضي الله عنه. قرأت عليه بقرطبة شعر أبي الطيب قراءة فهم لمعانيه، وإعراب لألفاظه؛ وتحقيق للغته، وتنقير عن بديعه. وكذلك قرأت عليه أكثر شعر أبي تمام. وسمعت عليه كتاب الكامل لأبي العباس المبرّد، ومقامات التميمي، كان يرويها عن منشئها، وكانت عنده بخط أبي الطاهر. وتفقهت عليه «تبصرة الضمري» . وكان على شياخته، رحمه الله، ثابت الذهن، مقبل الخاطر، حافظ المعيّا: [الوافر]
يروع ركانة ويذوب ظرفا ... فما تدري أشيخ أم غلام
نأتيه بمقاطيع الشعر فيصلحها لنا. ويقف على ما نستحسنه منها، فنجده أثبت منّا، ولقد أنشدته يوما، في فتى مفقود العين اليسرى: [الكامل]
لم تزو إحدى زهرتيه ولا انثنت ... عن نورها وبديع ما تحويه
لكنه قد رام يغلق جفنه ... ليصيب بالسّهم الذي يرميه
فاستفادهما وحفظهما، ولم يزل، رحمه الله، يعيدهما مستحسنا لهما، متى وقع ذكرى. وكان يروي عن الإمام المازري بالإجازة، وعن القاضي أبي مروان بن مسرّة، وعن الأستاذ عباس، وعن أبي عبد الله بن أبي الخصال.
ومنهم الفقيه الأجل العالم العدل، المحدّث الأكمل، المتفنن، الخطيب، القاضي أبو محمد بن حوط الله. سمعت عليه كتبا كثيرة بمالقة، بقراءة الفقيه الأستاذ أبي العباس بن غالب، ولقيته بقرطبة أيضا، وهو قاضيها. وحدّثني عن جدّي، وعن جملة شيوخ، وله برنامج كبير، وأخوه القاضي الفاضل أبو سليمان أيضا منهم.

ومنهم الفقيه الأجلّ، العالم العلم، الأوحد، النحوي، الأديب المتفنن، أبو علي عمر بن عبد المجيد الأزدي، قرأت عليه القرآن العزيز مفردات، وكتاب الجمل، والإيضاح، وسيبويه تفقها، وكذلك الأشعار السّتة تفقها، وما زلت مواظبا له إلى أن توفي رحمه الله. وكان فريد عصره في الذكاء والزكا. ولم يكن في حلبة الأستاذ أبي زيد السّهيلي أنجب منه على كثرتهم. وقد قال الأستاذ أبو القاسم السهيلي للإمام المنصور، رضي الله: هو أقعد لكتاب سيبويه منّا. وقال لي يوما، وقد نظر إلى طالب يصغي بكليته إلى ثان، فقلت: ماذا؟ فقال: إنّ حبّ الشيء يعمي ويصمّ، فقلت له:
ويعيد الصّبح ليلا مدلهمّ، فاستحسنه.
ومنهم الفقيه الأجلّ، الأديب الأريب الكامل، اللغوي الشهير، أبو علي ابن كسرى الموري، قريبي ومعلّمي. وكان من طلبة أبي القاسم السّهيلي، وممن نبغ صغيرا. وهو الذي أنشد في طفولته السيد أبا إسحاق الكبير بإشبيلية: [الكامل]
قسما بحمص وإنه لعظيم ... فهي المقام وأنت إبراهيم
وكان بالحضرة الأستاذ أبو القاسم السهيلي، فقام عند إتمامه القصيدة، فقال: لمثل هذا كنت أحسيك الحسا، ولمثل هذا كنت أواصل في تعليمك الإصباح والإمساء. وقد أنشد هذا لأمير المؤمنين أبي يعقوب ، رضي الله عنه:
[الطويل]
أمعشر أهل الأرض بالطّول والعرض ... بهذا أنادي في القيامة والعرض
فقد قال الله فيك ما أنت أهله ... فيقضى بحكم الله فيك بلا نقض
فإياك يعنى ذو الجلال بقوله ... كذلك مكّنّا ليوسف في الأرض
ومنهم الفقيه الأجل، العالم المحدّث، الحافظ الفاضل المؤثر، السيد أبو محمد القرطبي، قرأت عليه القرآن بالروايات مفردات، وتفقهت في الجمل والأشعار، وأجازني جميع ما رواه. وكذلك فعل كل واحد ممن تقدّم ذكره. وكان، رحمه الله، آخر الناس علما ونزاهة وحسن خلق، وجمال سمت وأبهة ووقار، وإتقان وضبط، وجودة وحفظ.

ومنهم الفقيه الأجل، الحاج الفاضل، الشّهيد في كائنة العقاب ، المحدّث الورع، الزاهد الطاهر، أبو عبد الله بن حسين بن صاحب الصلاة الأنصاري، وعليه كان ابتدائي للقراءة، وكان مبارك التعليم، حسن التفهيم، شديد التواضع.
ومنهم الفقيه الأجل الفاضل الورع، المحدث، الحاج الملهم، المجاب الدعوة، الميمون النّقيبة، الأوّاب، أبو الحجاج بن الشيخ، رضي الله عنه. وهذا الكتاب على الإطالة مني، ولكن القرطاس فنّي، والسلام الأتمّ عليكم، ورحمة الله وبركاته. قال ذلك، وكتبه العبد المعترف بذنبه، الراجي رحمة ربّه، محمد بن عبد الله الحميري ثم الإستجي، في أواسط شعبان المكرم من عام أحد وأربعين وستمائة.
وفاته: من خطّ الوزير أبي محمد عبد المنعم بن سماك، قال: قدم غرناطة، أظنّ سنة تسع وثلاثين وستمائة، وشكى علّة البطن مدة ثمانية أشهر بدار أبي، رحمه الله، مرّضناه الثلاثة الأخوة، إلى أن توفي، رحمه الله، ودفن بمدفنه، مغنى الأدب، بروضة الفقيه أبي الحسن سهل بن مالك.
الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.