إسحاق بن يوسف اليماني
سيد إمام عصره وفريد قطره ومصره، لم يكن له في وقته مماثل ولا في فضائله معادل، فهو بغية المستفيد ورب الكمال الباهر والرأي السديد، قد شهد له الفضل بأنه خير أربابه، وأقر البلغاء بقصورهم عن درجة علمه وآدابه، نثره عزيز ونظمه أعز من الذهب الإبريز، فمن لطائفه وجميل طرائفه قوله:
جسدي واه ودمعي مرسل ... كاللآلي راوياً عن شنبك
أنت نصب العين مني دائماً ... لم تزل في لحظة عن منصبك
طمعي عيشي هيامي كلفي ... فيك في وصلك من أجلك بك
لو رأى يا ليل بدري لاختفى ... بدرك الباهي السنا في حجبك
أو رأته الشمس في مطلعها ... لتوارت حسداً في مغربك
أو رأت أنجمك الزهر حلى ... جيده لاستترت في غيهبك
يا عذولي في الهوى لي مذهب ... فانفصل عني وخذ في مذهبك
وله رحمه الله تعالى
وقد نلت أنواع الشدائد كلها ... ومارست أهوال الخطوب الكوارب
وذقت حلاوات الزمان ومره ... وعلمني حكماً دوام التجارب
وأشرعت الأيام نحوي رماحها ... كأني عدو للزمان المحارب
وجربت كل النائبات فلم أجد ... أشد وأنكى من جفاء الأقارب
وإن كنت في سن الشباب فإنني ... أعلم أعلام الشيوخ الأشايب
فلم أر في أبناء آدم من له ... صفاء وداد خالصاً عن شوائب
وأبعد من ترجو المودة عنده ... قريبك فارج الود عند الأجانب
توفي رحمه الله تعالى سنة ألف ومائتين ونيف وعشرين
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.