أحمد عارف حكمت بك بن إبراهيم عصمت بك
تاريخ الولادة | 1201 هـ |
تاريخ الوفاة | 1275 هـ |
العمر | 74 سنة |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
شيخ الإسلام أحمد عارف حكمت بك بن السيد إبراهيم عصمت بك بن إسماعيل رائف باشا الحسيني الحنفي.
بدر أشرقت به سماء عروج العلماء، وأضاءت به أفلاك بروج الفضلاء، رضع ثدي المعالي منذ كان طفلاً، وبرع في تحصيل الأمالي فكان في المكان الأرقى الأعلى، واشتهر بين أهل الفضل بأنه آية الإعجاز، وبهر في جمع العلوم فكان المشار إليه ببنان الحقيقة والمجاز، فهو الفرد الذي لا يبارى، ولا يلحق في ميدان التقدم ولا يجارى.
ولد في ليلة الأحد الخامس والعشرين من شهر محرم الحرام عام ألف ومائتين وواحد، وكانت يد الإسعاد تحوطه من كل ماكر وحاسد، وغب تمييزه قرأ القرآن واشتغل في الطلب على العلماء ذوي الإتقان، وفي سنة ألف ومائتين وإحدى عشرة دخل التدريس، وفي غرة رمضان سنة ألف ومائتين وإحدى وثلاثين دخل في سلك موالي قضاء القدس، وفي سنة ألف ومائتين وست وثلاثين أحرز مولوية مصر القاهرة، وفي ألف ومائتين وتسع وثلاثين نال مولوية طيبة الطاهرة، وفي اثنتين وأربعين حاز باية استانبول، وفي خمس وأربعين تعين من جانب السلطنة السنية مأموراً لتحرير النفوس الروملي، وبعد رجوعه من المأمورية المذكورة أي في سنة ست وأربعين تشرف بمنصب نقابة السادة الكرام، ومن حين وفاة والده الماجد إلى مضي نحو خمس وعشرين سنة كانت إقامته في البيت المنتقل إليه من جده الأمجد مع كمال الاعتدال والراحة، وكان محله هذا مورداً لأصحاب الفضل، ومقصداً لذوي المروءة والعدل، وبعده انتقل لبيته الكائن بأسكدار الواقع بجدار حمام العتيق، فجعله محل انقطاعه وخلوته، فما لبث أن صار لقضاء حاجات الواردين على بحر حضرته، ومورداً لذوي الرشد والهدى، ومقصداً لطلاب الجود والندى، وفي رأس ألف ومائتين وتسع وأربعين أحرز رتبة باية الأناطولي، وفي خلال ألف ومائتين وخمسين استعفى من مسند النقابة الآنفة الذكر، وفي سنة اثنتين وخمسين وجهت لعهدته باية الروملي الجليلة، وفي سنة خمس وخمسين يعني أوائل عصر السلطان عبد المجيد خان أرسل لجانب الروملي بكمال الإعزاز والإكرام لأجل تفتيش أحوال البلاد والعباد مع مأمورية رئاسة مجلس أحكام العدلية، وبعد العود جعل عضواً لدائرة الشورى العسكرية، وقد أبرز من المساعي المشكورة ما يخلد له الذكر الجميل، والثناء الجليل، واشتغل بفصل المواد المهمة الجسيمة المتعلقة بالسلطنة السنية، فاجتهد بما قدمه على سواه، وقضى برفعته وارتقاه، إلى أن نال مسند مشيخة الإسلام العالي في يوم السبت الواقع في اثنين من شهر ذي الحجة عام ألف ومائتين واثنين وستين، وبعد أن استمر في هذا المسند لحل مشكلات المسائل سبع سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوماً جرى انفصاله يوم الثلاثاء الواقع في حادي وعشرين جمادى الآخرة سنة ألف ومائتين وسبعين، وبعدها سكن في بيت الشرف الذي تملكه من إحسان الذات الشاهانية بوقت مشيخته الكائن بحصار الروملي، واشتغل بالعبادات والطاعات، وتتبع الكتب والمجلات، في دائم الأوقات، وخصص الأوقاف الجسيمة من المسقفات والمستغلات، وبعدها أنشأ مكان مكتبة في المدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام، ورتب لها حفظة وخدمة ووقف بها سائر كتبه المتجاوزة خمسة آلاف كتاب من الكتب النفيسة، وأرسلها إلى ذلك المكان، وبعد إكمال ذلك عزم هو أيضاً على أن يهاجر إلى خير البقاع، وفي نيته أن يختم بقية عمره بتلك البقعة المباركة نظراً لشدة محبته لخير الأنام، ورسول الملك السلام، عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، ولكن المرء يسعى والمنية تضحك حيث أن أنفاس الحياة المعدودة وصلت إلى النهاية فتوفي رحمه الله تعالى ليلة الأحد لست عشرة خلت من شهر شعبان المعظم سنة ألف ومائتين وخمس وسبعين ودفن في قبره المخصوص الكائن في أسكدار عند محل بئر نوح.
هذا وإن المترجم الكبير، والناقد البصير، قد حضر مجالس العلم، بالاستحقاق والفهم، على سادات عظام، وجهابذة قادة أعلام، من أجلهم الفرد الكامل، والعالم العامل، والقطب الشهير السيد محمد الأمير الكبير، وقد كانت له الشهرة الكافية، والمعارف الوافية.
وفي سنة ثلاث وستين حينما توجه والدي للدار العثمانية، والدعوة السامية السلطانية، في أيام أمير المؤمنين السلطان عبد المجيد، لختان ولديه السلطان مراد والسلطان عبد الحميد، قد كثر بين والدي وبين المترجم الوداد، ولم يكن لواحد منهما في غير مذاكرة الآخر مراد، وقد استجاز كل منهما صاحبه، وعامله لمعرفة قدره بالمعاملة الواجبة،
وبالجملة والتفصيل، إن هذا المترجم كاد أن يقال ليس له مثيل، له ذهن يكشف الغامض الذي يخفى، وفكر لحل المشكلات أروق من الزلال وأصفى، يبصر الخفيات بفهمه، ويقصر فكها على خاطره ووهمه، فجاء بالنادر الذي أعجز، مع تبديل التطويل بالمختصر الموجز، ونظم عقود اللآلي في لبة القريض، ونثر درر المعالي على هام مادحيه فكانوا يفدون عليه وفود البحر الطويل العريض، وكان بعاصمة الروم سراً للإحسان وحاكياً جود زياد وشعر حسان، وقد نظم ونثر، ما يزدرى رقة بنسيم السحر، فمن ذلك قوله رحمه الله وجعل الجنة مأواه ومثواه.
إلهي قد فرضت صيام شهر ... علينا محسناً أوفى الجزاء
فنلنا فرحة في وقت فطر ... ونرجو مثلها عند اللقاء
وقال
إن الزمان يعادي من له شرف ... قواه عند أولي الأنظار برهان
فللشموس زوال حيثما ارتفعت ... وللبدور إذا يكملن نقصان
وقال
ألا أن أهنا العيش باكورة الصبا ... وإن الفتى في روضه يانع الغصن
وأصعبه ما جاور الشيب حينما ... حكى البدن المنفوش من ناعم العهن
ومن جملة توسلاته:
يا من إليه الملتجا ... فيما يخاف ويرتجى
أنت المجيب لكل من ... يدعوك في غسق الدجى
ولكم كشفت غياهباً ... من بعد ما انقطع الرجا
أنت المغيث لكل ملهوف ... حشاه تأججا
قد أقلق المهج الضعا ... ف أذى الزمان وأزعجا
يتلجلج النطق الفصيح ... لدى الرجاء تلجلجا
ولقد أضاق علي من ... كل الجهات المخرجا
بين الجوانح والحشا ... حر الهموم تأججا
بحياة خيرتك الذي ... للخير أوضح منهجا
أزكى الصلاة مع السلا ... م عليه ما داعٍ نجا
ومنها:
إصبر إذا باب المنى ... سدت عليك يد الحرج
تمنح فتوح مهيمن ... فالصبر مفتاح الفرج
ومن جملة تقريظاته ما كتبه على الأحكام المرعية:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي وضع الأرض للأنام، فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام، والحب ذو العصف والريحان، فسبحانه من متفضل جزيل الإحسان، والصلاة والسلام على من طابت ببركته الثمار، واخضرت من بقية وضوئه الأشجار، وعلى آله وصحبه الذين أحيوا أموات قلوبنا بهواطل الروايات، فنلنا من مزارع فضائلهم حصائد الخيرات والبركات وبعد فإن خليفتنا الأعظم وسلطاننا الأفخم، ولي نعمة العالم، المتحمل أعباء الخلافة من نوع بني آدم، خاقان البرين والبحرين، خادم الحرمين الشريفين، ظل الله سبحانه في أرضه، مالك الربع المعمور في طوله وعرضه، المتخلق بخلق الراحمون يرحمهم الرحمن، المتمثل لقوله سبحانه " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " السلطان ابن السلطان ابن السلطان، السلطان عبد المجيد خان بن السلطان الغازي محمود خان ابن السلطان الغازي عبد الحميد خان، خلد الله ملكه، وجعل الدنيا بأسرها ملكه، ولا زالت أيام دولته كالشمس وضحاها، ولا برحت ليالي سلطنته كالقمر إذا تلاها، وعساكره منصورة في غدوها ومسراها، ومواهبه شاملة للبرية أقصاها وأدناها، ما تبرج ظهر الأرض رافلاً بالخلع الخضراء من وشي الربيع، وتبسمت ثغور الروض من محاسن الصنع البديع، لما اقتعد غارب سرير الخلافة، بسط بساط الإنصاف فائقاً أسلافه الكرام وأخلافه، وتيقظ في إزالة ظلم المظالم حتى إن أنام الأنام في أمان، وبهرت أيامه كالشامة في غرة وجه الزمان، وبالغ في الأمر وأمره مطاع، بقلع شقة الجور والاعتساف من البلاد والضياع، ومد على البرايا جناح الرأفة والشفقة، وعمهم بجزيل الإحسان والصدقة، فمن بدائع عواطفه البهية، وصنائع عوارفه السنية، صدور أمره الشريف بتوسيع الحقوق في الأراضي، وكان ذلك قاصراً في القانون الماضي، كما يطلع عليه من يطالع الصور المكللة المكملة، في بطون هذه المجلة المجلة المجملة، رحمة للضعفاء وفقراء رعيته، ورغبة للثواب الجزيل ومضاعفته، فأيد اللهم هذا السلطان الرحيم الحليم الأفخم، والملك الكريم السليم الأكرم، بالفتح المبين، والنصر على الأعداء والمشركين، بجاه سيد المرسلين، وخاتم النبيين، عليه وعلى آله وصحبه أفضل صلاة وأكمل تسليم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. كتبه الفقير، المستمنح آلاء ربه القدير، أحمد عارف حكمت بن إبراهيم عصمت الحسيني عوملا بعفو مولاهما الغني آمين.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.