أحمد باشا الجزار البشناقي

تاريخ الولادة1135 هـ
تاريخ الوفاةغير معروف
مكان الولادةالبوسنة - البوسنة
مكان الوفاةغير معروف
أماكن الإقامة
  • البوسنة - البوسنة
  • استانبول - تركيا
  • دمشق - سوريا
  • عكا - فلسطين
  • بيروت - لبنان
  • مصر - مصر

نبذة

أحمد باشا الجزار البشناقي والي عكا ولد في بوسنة سنة خمس وثلاثين ومائة وألف، ولما بلغ من العمر ست عشرة سنة، خان أخاه بامرأته، فما أقبحه وما ألعنه، وذلك لما كان مطبوعاً عليه من فساد الطبيعة، ومخالفة الملة والشريعة، فاضطره الأمر إلى الهرب من بلاده إلى القسطنطينية، فقضى بها مدة بالذل والشقاء والفاقة القوية، فأوجبت عليه ضرورة الهوان والتنكيد، إلى أن باع نفسه لأحد تجار العبيد، فآل به الأمر إلى أن بيع بمصر، فدخل في سلك المماليك المصرية، وجعل الزمان يساعده على المرام والأمنية، فارتقى من منصب إلى أعلى، حتى صار والي البحرية في مصر السفلى، وتولى قيادة جيش محاربة العرب الخارجين على الدولة

الترجمة

أحمد باشا الجزار البشناقي والي عكا
ولد في بوسنة سنة خمس وثلاثين ومائة وألف، ولما بلغ من العمر ست عشرة سنة، خان أخاه بامرأته، فما أقبحه وما ألعنه، وذلك لما كان مطبوعاً عليه من فساد الطبيعة، ومخالفة الملة والشريعة، فاضطره الأمر إلى الهرب من بلاده إلى القسطنطينية، فقضى بها مدة بالذل والشقاء والفاقة القوية، فأوجبت عليه ضرورة الهوان والتنكيد، إلى أن باع نفسه لأحد تجار العبيد، فآل به الأمر إلى أن بيع بمصر، فدخل في سلك المماليك المصرية، وجعل الزمان يساعده على المرام والأمنية، فارتقى من منصب إلى أعلى، حتى صار والي البحرية في مصر السفلى، وتولى قيادة جيش محاربة العرب الخارجين على الدولة، فظفر بهم وغدر برؤسائهم وصال عليهم أي صولة، ومن ثم لقب بالجزار، عليه ما يستحقه من المنتقم الجبار، وكان قاتله الله مجبولاً على الفظاظة، والقسوة والغلاظة، قليل الرحمة عديم الإسلام، مطبوعاً على الفسوق والآثام، قد اتخذ هواه من دون الله هادياً ونصيرا، واستكبر في نفسه وعتا عتواً كبيراً، وكان سفاكاً للدماء، لا يتقيد بشرع بل كان يفعل ما يشاء، فأكرمه على قتل العرب حضرة علي بيك حاكم مصر، ولقبه بلقب بيك جزاء ذلك النصر، غير أنه بعد ذلك ساءت سيرته فركن إلى الفرار، ومكث في قسطنطينية أياماً ثم هرب إلى سورية بقصد الاستتار، فدخل دير القمر ملتجئاً إلى الأمير يوسف الشهابي الوالي حينئذ على جبل لبنان، سنة خمس وثمانين ومائة وألف من هجرة سيد ولد عدنان، فرحب به الأمير وأكرمه، وأبقاه عنده واحترمه، ثم بعد أيام أرسله إلى بيروت، وعامله معاملة الأكارم من ذوي البيوت، ورتب له شيئاً من الرسومات وافياً بالمرام، فأقام اياماً ثم سار إلى دمشق وخدم عند عثمان باشا والي الشام، وفي سنة سبع وثمانين ومائة وألف جعله الأمير يوسف متسلماً من قبله على بيروت وجعل معه طائفة من المغاربة، ثم إنها لم تطل المدة حتى خان ورام أن يبلغ مآربه، فصمم على مبارزة الأمير وشرع في ترميم الأسوار، وجعل يهيىء الميرة وآلات الحرب للحصار، ويمنع أهل البلاد من الدخول إلى المدينة، ولا يدع شيئاً يخرج منها بهمة مكينة، ثم لما دخل بيروت ثانية وفعل ما فعل، استغاث الأمير يوسف بحسن باشا وأخبره بما حصل، وكان قد سافر إلى قبرص قاصداً القسطنطينية، فعاد حسن باشا من قبرص بهمة قوية، وأخرج الجزار من بيروت، وهو مقهور ممقوت، ووعد الأمير أنه سيعزله وعاد إلى القسطنطينية، وسار الجزار بعسكره براً إلى صيدا وعساكره ستمائة من الشجعان اللاوندية، فأرسل الأمير النكدية يكمنون لهم في الطريق، ولما التقى العسكران قتل أصحاب الجزار أكثر النكدية وضيقوا عليهم أشد التضييق، وقبض على بعض أعيانهم، وجعل الموت نصب عيانهم، فجعل الأمير يعتذر للجزار، ويستشفع في إطلاق جماعته على مائة ألف قرش وتخليصهم من الدمار، ولما طلب الأمير المال من الجبل أبي الأمراء الدفع، فطلب الأمير من قائد عسكر الجزار أن يتلف أشجار بيروت وأن يستأصلها بالقطع، ففعل وقتل جماعة من رجالهم معتصماً بحبل الظلم والعدوان، ثم دهم الشويفات فرجع عنها بالخزي والخسران، ثم سار إلى صيدا ثم إلى بعلبك وعظم أمره في تلك الأقطار، وحيئذ خرجت بيروت من يد الأمير يوسف ودخلت في حكومة الجزار، فأمر الجزار قائده أن يضبط ما للأمير واللبنانيين في البقاع، عوضاً عما أتلفه من الرجال والأشجار والمتاع، فلما بلغ الأمير ذلك اصطلح مع أمراء الجبل وجمع عسكراً لمقاتلة الجزار المذكور، فانهزم في عدة مواقع وهو مكسور، ثم بعد ذلك وقع الصلح بين الأمير يوسف والجزار، فصار يساعده ويواده وهو عنده بمنزلة المستشار، ثم إن الجزار بعد أن أنعم عليه الأمير ظاهر العمر وقلده قيادة جيشه وعدده ومدده، جحد معروفه وخانه وقتله بيده، وحيث كان ظاهر العمر عدواً للدولة أنعمت على الجزار مكافأة على ذلك بولاية عكا وصيدا معاً، فبقي عليهما إلى حين أن أوقعته المنية في أودية المهالك، ثم بعد تلقيب السلطان له بالوزارة ولاه على دمشق زيادة على توليته، وذلك عام ألف ومائتين وثمانية عشر فزاد في الطغيان على عادته، من قتل الأنفس وسلب الأموال، حتى قتل من أعيان دمشق خلقاً كثيراً من ذوي الكمال، من أجلهم وأفضلهم السيد عبد الرحمن أفندي المرادي مفتي الحنفية وأسعد أفندي المحاسني مفتي الحنفية أيضاًن واصطنع للناس أنواع العذاب بآلات اخترعها له طائفة من الأكراد، وأعانوه على ظلمه للعباد، حتى أكثروا في البلاد الفساد، وأقروه على دعواه أنه مجدد الوقت، بل باء هو وإياهم بالطرد والمقت، وكان رئيسهم رجلاً يدعي التصوف، ويقول إن الشيخ الأكبر في فتوحاته المكية أخبر عنه، وادعوا أن قتل الأنفس وسلب الأموال، وجميع ما يفعله ليس حراماً عليه بل حلال، هكذا شاع عنهم حتى أكفروا علماء العصر بإنكارهم عليهم، وألف بعض المتهورين ممن أضله الله على علم في ذلك كتاباً وادعى فيه أنه المجدد، وكان من أعوانه، وكان من جملة أعوانه أيضاً رجل اسمه عبد الوهاب، له اطلاع في بعض العلوم، أرسله إلى دمشق مع طائفة من المعذبين والعساكر وكان رئيسهم وإليه المشورة في أمورهم، فما زال يتغالى في قباحته، ويتعالى في مضرته وإساءته، ويتلذذ بقتل الرجال، وسلب الأموال، حتى كادت تخافه الأطفال، وترتج لسطوته الجبال، وكان قد اجتمع هذا الضال يوماً مع الفاضل العلامة السيد شاكر العقاد في دار المولى حمزة أفندي العجلاني مفتي السادة الحنفية، فشرع الخبيث يطنب في مدح الجزار، وأقسم بالله العظيم أنه ليس بظالم وأنه عادل وكرر ذلك مراراً. ثم أقسم أنه على الكتاب والسنة، ثم التفت مخاطباً السيد شاكر المرقوم وقال له يا شيخنا أما تقول أنه عادل؟ فحاوله الشيخ المرقوم رحمه الله تعالى وقال له إن له على الناس فضلاً عظيماً حيث دفع عنهم شر الفرنج لما حاصروه في عكا وبذل جهده في ذلك، فقال له لا أسألك عن هذا، فقال له أنا أقول أن ذنوبنا كثيرة والله تعالى أرسله إلينا لينتقم منا به. فعرض بذلك إلى أن الظالم ينتقم الله تعالى به ثم ينتقم منه. قال السيد شاكر رضي الله عنه وفهم الخبيث مني ذلك حتى رأيت شعر شاربيه كالمسلات واقفاً من شدة الغيظ، ثم قام الشيخ وانقضى المجلس على ذلك، فرحم الله تعالى روحه ونور مرقده وضريحه، ما أصلبه في دينه، حيث لم يور في كلامه بأنه عادل عن الحق ويرضيه بذلك الخوف ضرره، وقد كفاه الله تعالى شر هذا الخبيث. خترعها له طائفة من الأكراد، وأعانوه على ظلمه للعباد، حتى أكثروا في البلاد الفساد، وأقروه على دعواه أنه مجدد الوقت، بل باء هو وإياهم بالطرد والمقت، وكان رئيسهم رجلاً يدعي التصوف، ويقول إن الشيخ الأكبر في فتوحاته المكية أخبر عنه، وادعوا أن قتل الأنفس وسلب الأموال، وجميع ما يفعله ليس حراماً عليه بل حلال، هكذا شاع عنهم حتى أكفروا علماء العصر بإنكارهم عليهم، وألف بعض المتهورين ممن أضله الله على علم في ذلك كتاباً وادعى فيه أنه المجدد، وكان من أعوانه، وكان من جملة أعوانه أيضاً رجل اسمه عبد الوهاب، له اطلاع في بعض العلوم، أرسله إلى دمشق مع طائفة من المعذبين والعساكر وكان رئيسهم وإليه المشورة في أمورهم، فما زال يتغالى في قباحته، ويتعالى في مضرته وإساءته، ويتلذذ بقتل الرجال، وسلب الأموال، حتى كادت تخافه الأطفال، وترتج لسطوته الجبال، وكان قد اجتمع هذا الضال يوماً مع الفاضل العلامة السيد شاكر العقاد في دار المولى حمزة أفندي العجلاني مفتي السادة الحنفية، فشرع الخبيث يطنب في مدح الجزار، وأقسم بالله العظيم أنه ليس بظالم وأنه عادل وكرر ذلك مراراً. ثم أقسم أنه على الكتاب والسنة، ثم التفت مخاطباً السيد شاكر المرقوم وقال له يا شيخنا أما تقول أنه عادل؟ فحاوله الشيخ المرقوم رحمه الله تعالى وقال له إن له على الناس فضلاً عظيماً حيث دفع عنهم شر الفرنج لما حاصروه في عكا وبذل جهده في ذلك، فقال له لا أسألك عن هذا، فقال له أنا أقول أن ذنوبنا كثيرة والله تعالى أرسله إلينا لينتقم منا به. فعرض بذلك إلى أن الظالم ينتقم الله تعالى به ثم ينتقم منه. قال السيد شاكر رضي الله عنه وفهم الخبيث مني ذلك حتى رأيت شعر شاربيه كالمسلات واقفاً من شدة الغيظ، ثم قام الشيخ وانقضى المجلس على ذلك، فرحم الله تعالى روحه ونور مرقده وضريحه، ما أصلبه في دينه، حيث لم يور في كلامه بأنه عادل عن الحق ويرضيه بذلك الخوف ضرره، وقد كفاه الله تعالى شر هذا الخبيث.
ثم إنه لا زال هذا الضال يتغالى في الظلم في البلاد الشامية، إلى أن قدمت الناس على مجاورته الموت وشراب كؤوس المنية، فتحركت الدولة الفرنساوية على الإتيان إليها لإنقاذها من يد هذا الظالم المجبول على الضرر، وذلك عام ألف ومائتين وأربعة عشر، فحاصر عكا وضيق عليها المسالك، فالتمس الجزار من الأمير بشير الوالي حينئذ المساعدة، فاعتذر بأن الأهالي لا توافقه على ذلك. ثم قدمت مراكب الإنكليز لعكا لرد الفرنساويين، فلم تطل المدة حتى رجع بونابرت بعساكره، وصفا الوقت للجزار عمدة الظالمين، فاشتغل بتعذيب الناس وظلمهم بالقطع والقتل، والجدع والسمل، إلى غير ذلك من الأفعال الفظيعة، والأحوال الشنيعة، حتى صار جوره وعدوانه مثلاً سائراً، ولم يزل إلى أن هلك قبحه الله في عكا سنة ألف ومائتين وتسع عشرة ودفن بها في الجامع المنسوب غليه، وقد أرخه بعضهم بقوله:
هلك الجزار ولا عجب ... ومضى بالخزي وبالإثم
وبميتته الباري عنا ... أرخ قد كف يد الظم
وعند موت الجزار كان في سجنه إسماعيل باشا فأخرجه الشيخ طه الكردي الظالم وأجلسه عوضاً عن الجزار مدعياً بأن الجزار بايعه بالولاية قبل موته، وكتب إسماعيل باشا للولايات يبشرهم بولايته، أما نائب الجزار في دمشق فلم يقبل أن يعترف بإسماعيل باشا والياً، فكتب للأمير بشير يطلب منه محافظة الطرقات وأن يمده برأيه، فأجابه الأمير أني فعلت كل شيء قبل ورود رسالتك، وأما إسماعيل باشا فلا يكون لأن الدولة لم تجعله في هذا المنصب، وبعد برهة أتى إبراهيم باشا والياً على دمشق فسار مع عساكر الأمير بشير وقتل إسماعيل باشا والي عكا، ووضع عوضاً عنه سليمان باشا، فرجعت دمشق إيالة على حدتها وكان ذلك سنة ألف ومائتين وعشرين. وبعد موت أحمد باشا الجزار، تسلط الناس على عزوته، وذوي شوكته، فأذاقوهم كؤوس العذاب، وفتحوا عليهم للهون والذل كل باب، وقرؤوا كلام من الأمر منه وإليه، " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه "، خصوصاً وقد كانوا يعتقدون في الجزار وجماعته ما أخرجهم ظاهراً من الدين، وأدخلهم في عداد الطاغين المعتدين، فمال الناس عليهم ميلة الاستئصال، وأذاقوهم كؤوس العذاب والنكال، إلى أن أبادوهم أجمعين، وسيوقفهم الله بين يديه فالحمد لله رب العالمين.

حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.