السيد أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الله بن عيدروس بن علي بن محمد بن شهاب الدين العلوي الحسيني الحضرموتي
إمام فاضل، وزاهد عابد عالم عامل، من بيت علت أركانه، وسما قدره وشأنه، ولد بحضرموت، ونشأ ببيت السيادة والأدب، وتربى بربوع الرفعة على مهاد الرتب، وقرأ العلم على أفاضل بلاده، وطاف الأقطار إلى أن قدم الحجاز، واجتمع بالأفاضل ذوي القدر والامتياز، وذهب إلى الهند واجتمع بعلمائها وأذعن له أفراد فضلائها، ثم ذهب إلى دار السعادة اسلانبول المحمية، وكان قدومه إليها سنة اثنتين وثلاثمائة وألف هجرية، فاجتمع بساداتها الأفاضل، وتحلى بها مما رامه من أنواع الفضائل، ثم رحل إلى مصر، ومنها إلى حضرموت؛ ولبيته في تلك الناحية شهرة جليلة، وله تآليف مفيدة، منها كتاب رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي، وله شعر عذب رشيق، يتنوع برياض أساليبه كل معنى أنيق، وكانت ولادته في حدود الخمسين والمائتين والألف تقريباً، أحياه الله الحياة الطيبة، وأحسن إليه بكل طاعة من جنابه الشريف مقربة، ومن نظمه مشطراً قصيدة الأستاذ ابن بنت الميلق الشاذلي مادحاً حضرة الغوث الرفاعي قدس سره، وهي قصيدة صوفية طويلة جداً، أولها:
من ذاق طعم شراب القوم يدريه ... ولم يروق رحيقاً غير صافيه
ومنها:
إن المريد مراد والمحب هو ... المبدو بالحب من ذي العرش هاديه
فهو المراد المهنى في الحقيقة والمحبوب ... فاستمل هذا من أماليه
إن كان يرضاك عبداً أنت تعبده ... ملاحظاً نفي تمثيل وتشبيه
وإن أقامك في حال فقف أدباً ... وإن دعاك مع التمكين تأتيه
فيفتح الباب إكراماً على عجل ... باب المواهب بشرى من يوافيه
تضحي وتمسي عزيزاً في ضيافته ... ويرفع الحجب كشفاً عن تنائيه
وثم تعرف ما قد كنت تجهله ... ويصطفيك لأمر لا ترجيه
يوليك ما ليس يدري الفهم غايته ... ويعجز الحصر قد جلت معانيه
وترتوي من شراب الأنس صافية ... في مقعد الصدق والمحبوب ساقيه
من ذاقها لم يخف من بعدها ضرراً ... يا سعد من بات مملواً بصافيه
وصل يا رب ما غنت مطوقة ... يسلو الخلي بها والصب تشجيه
وما تمايلت الأغصان من طرب ... على النبي صلاة منك ترضيه
والآل والصحب والأتباع ما تليت ... من ذاق طعم شراب القوم يدريه
وله قصائد كثيرة وموشحات شهيرة أطال الله بقاءه وأعلى مرتقاه
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.