الشيخ أبي بكر بن علي البطاح الأهدل
العلم الأمثل، والطود الأفضل، إمام المحققين، ونخبة المدققين، سراج الإسلام، وكعبة الأئمة الأعلام، قد ساد بفنون العلوم، وتدقيق المنطوق والمفهوم، فهو غرة في جبين الدهر زاهرة، وشامة في صفحة العصر ظاهرة، يحق له أن يقال فيه، وأن يصفه الدهر بملء فيه.
وأرى الخلق مجمعين على فضلك ... من كل سيد ومسود
عرف العارفون فضلك بالعلم ... وقال الجهال بالتقليد
جد واجتهد في المعالي، إلى أن صار حسنة الأيام والليالي، أخذ العلوم من عدة مشايخ منهم السيد سليمان الأهدل، وتميز بالكمال في الملكات الثلاث ملكة الاستحصال، وملكة الحصول، وملكة الاستنباط، وكان عمدة في التفسير والحديث والفقه والتصوف والآلات والأصول. وخلاصة الكلام، إنه من السادة الأعلام، ومما كان ينشده:
إن رمت إدراك العلوم بسرعة ... فعليك بالنحو القويم ومنطق
هذا لميزان العقول مقوم ... والنحو تقويم اللسان المنطق
مات رحمه الله سنة ألف ومائتين ونيف.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.
السيدُ الأوحد، والعَلَمُ الأَمْثل، إمامُ المحققين، ونخبةُ المدققين، سراجُ الإسلام، أبو بكر بنِ علي البطاح، الأهدل.
سيد ساد بفنون العلوم، وتدقيق منطوقها والمفهوم، وصار غرة زاهرة في جبين المعالي، وحسنةً من حسنات الأيام والليالي، وقع الاتفاق على كمال فضله بين أهل العرفان، وأنه ليس له في خاصيته التي هو يتميز بها ثان.
وَأَرى الخلقَ مُجْمِعينَ على فَضْـ ... ـلِكَ من كلِّ سَيِّدٍ ومَسودِ
عرفَ العارفونَ فضلَكَ بالـ .... ـعِلْمِ وقالَ الجُهَّالُ بالتقليدِ
جدَّ واجتهدَ في الترقي إلى اكتساب المعالي، وسهرَ في تحصيل مقصده الأسنى الليالي. أخذ العلومَ من عدة مشايخ، منهم: السيد سليمان الأهدل، وتميز بالكمال في الملكات الثلاث: ملكة الاستحصال، وملكة الحصول، وملكة الاستنباط، أخذ التفسير، والحديث، والفقه والتصوف، والآلات والأصول.
وكَمْ مُصْعَبٍ في النحوِ راضَ جِماحَهُ ... فعادَ فصارَ بسيطًا بعدَ ما كانَ قد أعيا
وكان آية في علم النحو والمنطق:
إن رُمْتَ إدراكَ العلومِ بسرعةٍ ... فعليكَ بالنَّحوِ القويمِ ومَنْطِقِ
هذا لميزانِ العقولِ مقوِّمٌ ... والنحوُ تقويمُ اللسانِ المنطقي
قال: العلمُ خزائن الله، ومفاتيحُها المسألة، فاسألوا - يرحمكم الله -؛ فإنه يؤجر في العلم ثلاثة: العالم، والمستمع، والآخذ. قرأ "الفصوص" لابن عربي على وجه التحقيق والتدقيق، مع إحضار الكتب المبسوطة في هذا العلم؛ من شروح هذا الكتاب وغيره، وتقرير المسألة بما يؤيدها من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ذكر له في "النفس اليماني" ترجمة نفيسة، وأنشد:
فلو أنني أقسمتُ ما كنتُ كاذبًا ... بأنْ لم يرَ الرَّاؤون حبرًا يُعادِلُهْ
إذا قلتُ شارَفْنا أواخرَ عِلْمِهِ ... تفجَّرَ حتى قلتُ هذا أوائِلُهْ
قال: ولقد عتب بعض تلامذة شيخنا الوالد عليه في تخصيصه بقراءة "الفصوص"، فقال: إنما خصصته؛ لكمال استعداده لفهم هذا العلم، وغيرُه ليس بصفته، فقال ذلك التلميذ، وكان من الأذكياء: لابد من حضوري؟ فقال الوالد: لا بأس، فحضر، فلم يعلق بفكره شيء من تلك التقريرات، فبان له وجهُ العذر، واعتذر فيما وقع منه، وأنشد:
كم من كلام قد تضمن حكمة ... نال الكساد بسوق من لا يفهم
ولله در القائل:
أيا صاحبي ما ترى نارهم ... فقال تريني ما لا أرى
سقاك الغرام ولم يسقني ... فأبصرت ما لم أكن مبصرا
قال الشيخ محي الدين في "الفتوحات" في الباب الثامن والثمانين وأربعمائة، من أراد فهم المعاني الغامضة من كلام الله عز وجل، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكلام أوليائه: فليزهد في الدنيا حتى يصير ينقبض من دخولها عليه ويفرح بزوالها عنه، وأما مع ميله إلى الدنيا فلا سبيل إلى فهم الغوامض أبدًا، انتهى. هذا واختلاف الناس في قابلية الفهم وعدمه غير مستبعد، فإن العلوم منه إلهية ومواهب اختصاصية، والقوابل في قبولها مختلفة، والله هو الفتاح العليم. شعر:
مردم آندر حسرت فهم درست .... اِينكه ميكويم بقدر فهم تست
وقد أخرج اللالكائي وغيره عن عمر رضي الله عنه، أنه قال: إني قد أدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو بكر، فاسمع منهما كلامًا، أحسب أني بينهما أعجمي، وعن على كرم الله وجهه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال، ذروا العارفين المحدثين مم أمتي، لا تنزلوهم الجنة ولا النار، حتى يكون الله هو الذي يقضي فيهم يوم القيامة، أخرجه الخطيب وأورده السيوطي في الجامع الصغير وأسناده ضعيف، ولعل الإمام النووي أخذ من هذا الحديث جوابه لما سئل عن "الفصوص" ونحوها من كتب الصوفية، بقوله: هؤلاء قوم في أحوالهم لا نتكلم، فالله بهم أعلم، فالتسليم أسلم، وفي هذا قال السيد الإمام إسحاق بن يوسف، رحمه الله تعالى.
إن لم تكن منهم فسلم لهم ... فإنهم لله قد سلموا
قوم لهم أفئدة ما رأت ... شيئًا سوى المعبود مذ أسلموا
ومن كلام السيد المذكور لما سئل عما سئل عن النووي، اعلم أن لهؤلاء القوم اعتبارات وحيثيات دقيقة تسلم لهم بعد بهرجتها بمحك الشريعة في مقام الإنصاف مع خلو الجو عن قتام الجدل والهوى والكبر:
ولو أنصفَتْ في حُكْمِها أُمُّ مالِكٍ ... إذًا لرأَتْ تلكَ المَساوي مَحاسِنا
والكلام في هذا المعنى واسع، وقد خرجنا عن المقصود، ولكن عسى أن يكون الحال كما قال الشاعر:
خرجتُ من شيءٍ إلى غيرِه ... بحسبِ ما يأتي وما يَطْرَأُ
لكنَّهُ علمٌ ومن حقِّهِ ... يُسْمَعُ بَلْ يُكْتَبُ بل يُقْرَأُ
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.