أحمد الصافي النجفي (1314 - 1397 هـ- 1896 - 1977 م)
شاعر.
ولد في النجف من أب عراقي وأم من جبل عامل في لبنان. غادر العراق بعد عام (1920 م) خوفا من بطش الإنجليز، حيث كان من الشعراء الذين قارعوا المحتلين. ألف جوّ لبنان فعاش في بيروت حتى سنة 1976 م حيث عاد إلى العراق بدعوة من الدولة.
وكان قد أصيب في أحداث لبنان الدامية، ولما عاد إلى العراق استقبل بحفاوة بالغة وبقي هناك حتى وفاته ببغداد، ودفن بالنجف.
كان من المؤمنين بأن (الشعر أشياء تجيش في نفوسنا وتجري على ألسنتنا) وكان لا يكتب الشعر إلا إذا فاجأه.
أخذ شعره من الحياة.
قلت: وما زلت أذكر بيتين من الشعر تصدّرا ديوانه «الشلّال»، فكنت أردّدهما وأنا شاب يافع:
شعراء عصري ما لهم ... إلا التغزّل من أرب
لعب الطفولة شعر همو ... وهمو كشعر همو لعب!
توفي في 27 حزيران (يونيه).
ومما كتب فيه:
- الشاعر أحمد الصافي النجفي: دراسة نفسية تحليلية/ إبراهيم الكيلاني.- دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 1400 هـ، 172 ص.
- أحمد الصافي النجفي: رحلة العمر/ عبد الله الشيتي.- الكويت: دار القبس، 1399 هـ، 107 ص.
ومن دواوينه الشعرية:
هواجس، أشعة ملونة، حصاد السجن، الشلال، الأغوار، التيار، رباعيات عمر الخيام (ترجمة)، الأمواج.
تتمة الأعلام للزركلي [وفيات (1396 - 1415 هـ) -يليه المستدرك الأول والثاني-محمد خير رمضان يوسف.
أحمد الصافي النجفي
١٨٩٥
هو شاعر فذ تمثله قوافيه، وتعبر عما في جوارحه وجوانحه من آمال وآلام، لم يتقيد بشعوره وعواطفه بقيود المعاني واغلال الاساليب، بل انطلق حراً بخياله الخصيب يصف البيئة الاجتماعية والحياة في أروع معانيها، عاش ثائراً في عبقريته وعصاميته، شأن النوابغ الذين جرعهم الدهر مرارة الحرمان.
أصله: هو الاستاذ أحمد بن علي بن صافي، وجده الأعلى السابع السيد عبد العزيز، قدم من المحمرة الإمارة العربية المجاورة للبصرة وهي إمارة الشيخ خزعل. ولهم عشيرة ينتسبون إليها (آل أبي شوكة).
مولده: ولد في النجف سنة ١٨٩٥ م ودرس في الكتاب الأهلي، ثم أخذ يدرس العلوم القديمة كالنحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان وأصول الفقه، وقضى في دراستها ثمان سنوات حتى بدأت الحرب العامة، فأصابه ضعف عصبي منعه عن متابعة الدرس، فأخذ يطالع للتسلية، وانصرف للأدب والصحف والمجلات، ومنذ سنة ١٩١٤ إلى الآن وهو يلاحق الفكرة الجديدة، ويجمع بين الثقافة القديمة والحديثة.
محنته في حياته: عندما امتنع الانكليز عن منح الاستقلال للعراق أصبح بيته في النجف مركزاً لمؤامرات الثورة من سرية الى علنية، ولما تراجع الثوار الوطنيون واقترب الانكليز من بلدة النجف فر مع ثلاثة من أصحابه، وما كاد يصل إلى طهران حتى علم باحتلال الانكليز لبلدة النجف والقبض على خمسة زعماء فيها أحدهم شقيقه الاكبر المرحوم السيد محمد رضا الصافي هو (والد الدكتور علي الصافي وزير الاقتصاد في وزارة أرشد العمري السابقة).
وبعد أن بقي المرحوم محمد رضا في السجن خمسة أشهر، كان يعرض خلالها على المشنقة تهديداً له، فارسل لشقيقه خمسة أبيات من الشعر نظمها في السجن، وطلب منه تخميسها، فخمسها واعادها له، فنشرها في ذلك الحين بمجلة لغة العرب للمرحوم الأستاذ انستاس الكرملي وهاهو الأصل والتخميس:
اننا في سوى العلى ما رغبنا
غلا الكون رهبة ان عنفنا
ماجز عنا للسجن يوم غلبنا
عن من رام مثلما قد طلبنا
لا يبالي ان سيق للسجن سوقا
نحن قوم عن العلى ما قصرنا
حيثما دار كوكب العز درنا
واذا جار حادث الدهر جرنا
رفضت عندنا النفوس فثرنا
نطلب العز والعلاء لنبقى
قد خلقنا دون الورى احرارا
وامتلكنا التيجان والامصارا
وجعلنا لنا المعالي شعارا
ولقد سامنا العدو احتقارا
فرآنا نستسبق الموت سبقا
ان ذلي موتي وعزي حياتي
ما انثنت للعدو يوماً قناتي
أنا فرع من دوحة المكرمات
انا من اسرة كرام أباتي
لا يرون الحياة في الذل ابقى
أنا لما أُسرت لم أُبد ضعفاً
لا ولم ارج من عدوي عطفا
ولقد قلت والردى بي حقا
شرع ان يكون موتي حتفا
أو أراني يكون موتي شنقا
دراسته اللغة الفارسية: وقد اغتنم هذا الشاعر فرصة وجوده في طهران ، فأخذ يتعلم اللغة الفارسية ويدرس الأدب الفارسي، وبعد ستة أشهر عين أستاذاً لتعليم الادب العربي، وبعد سنة قضاها رأى التدريس يضعف من صحته، فاستقال واخذ يتمرن على الكتابة بالفارسية، وبعد اشهر صار يكتب ويترجم في امهات الصحف الفارسية ، وهناك رأى أن ما ترجم من شعر عمر الخيام إلى اللغة العربية لم يكن وافياً بالأمانة، فعمد إلى ترجمة رباعيات الخيام، ثم انتخب عضواً في النادي الادبي الفارسي، وبعدها عين عضواً في لجنة الترجمة والتأليف في طهران، وترجم لوزارة المعارف كتاباً في علم النفس عن العربية لمؤلفيه مصطفى أمين وعلي الجارم.
عودته إلى العراق: وبعد أن قضى ثمان سنوات في طهران اشتد الطلب عليه من حكومة العراق ومن أصدقائه ليعود ويساهم في خدمة بلاده التي هي أحوج الى الاستفادة من مواهبه، وعند وصوله إلى العراق رأت الحكومة وكان وزير العدلية معالي داوود الحيدري تعيينه قاضياً في بلدة الناصرة، ولكن حر العراق الشديد ومرض الدوسنطاريا الذي كان يحمله من إيران هجما عليه فوقع طريحاً في الفراش.
رحيله الى سورية: وبعد أن قضى ثلاث سنوات في العراق وهو يصارع الأمراض جاء إلى سوريا سنة ١٩٣٠ للاستشفاء، فلم يبلغ الشفاء الكافي، وبقي يتنقل بين سوريا ولبنان متابعاً رسالته الأدبية، ولما احتل الانكليز لبنان وسوريا قبضوا عليه في بيروت وألقوه في السجن، فقضى شهراً ونصف وهو سجين ادارة الامن العام الفرنسية بأمر الانكليز.
انتاجه الادبي: وقد نظم في السجن ديوانه المشهور (حصاد السجن) وتوسطت حكومة العراق في عهد فخامة صالح جبر للإفراج عنه، وقد كتب على غلاف ديوان حصاد السجن هذين البيتين مشيراً بهما إلى سجن أخيه في الثورة العراقية الأولى قال:
سجنت وقبلي في العلا سجنوا أخي
وآمل في العلياء ان يسجنوا الأبنا
اذا لم نورث تاج مجد وسؤدد
لأبنائنا طراً نورثهم سجنا
شعره: لقد طرق الصافي جميع ابواب الشعر المعروفة ، فضلًا عن الأبواب التي تفرد بها وهي ليست مطروقة في الشعر، وقد فتح عالماً جديداً يشهد بذلك دواوينه التسع.
يختلف هذا الشاعر عن غيره من الشعراء، فهو لم يطرق أبواب المدح والرثاء، ترفعاً عن شعراء التزلف والارتزاق.
آثاره الأدبية: أصدر الدواوين الشعرية وهي : ١ - الامواج ٢ _ أشعة ملونة ٣ _ الأغوار ٤ – التيار ٥ - ألحان اللهب ٦ - هواجس ٧ - حصاد السجن ٨ - شرر وهذه مطبوعة كلها والديوان التاسع واسمه (اللفحات) وهو معد للطبع.
وأختتم ترجمة هذا الشاعر العبقري بكلمة أسف وألم، فإن في أطواره بعض الشذوذ، فقد أسعدني بزيارته في بيتي، فأهديته مؤلفي الجزء الأول، من أعلام الأدب والفن مذيلا بكلمة الاهداء والتوقيع فباعه في سوق الكتب في بيروت وهي بادرة غير مستحبة، وقد غاب عنه أن مزية الهدية أرفع من الطلب والاستجداء وانها لا تهدى ولا تباع، وقد ظن أن القدر سوف لا يكشف هذا السر، ولكنه انكشف وكان الكتاب المباع من نصيب السيد ثابت المحتسب الموظف في رئاسة مجلس الوزراء في سورية.
أعلام الأدب والفن لأدهم الجندي ج 2 ص 211