أحمد بن أيوب اللّمائي «1»
من أهل مالقة، يكنى أبا جعفر.
حاله: قال صاحب الذّيل «1» : كان أديبا ماهرا، وشاعرا «2» جليلا، وكاتبا نبيلا «3» . كتب عن أوّل الخلفاء الهاشميين بالأندلس، علي «4» بن حمّود، ثم عن غيره من أهل بيته؛ وتولّى تدبير أمرهم «5» ، فحاز لذلك صيتا شهيرا، وجلالة عظيمة.
وذكره ابن بسّام في كتاب «الذّخيرة» ، فقال «6» : كان أبو جعفر هذا في «7» وقته أحد أئمة الكتّاب، وشهب الآداب «8» ، ممّن سخّرت له فنون البيان، تسخير الجنّ لسليمان، وتصرّف في محاسن الكلام، تصرّف الرياح بالغمام، طلع من ثناياه، واقتعد مطاياه؛ وله إنشاءات سريّة، في الدولة الحمّودية، إذ كان علم أدبائها، والمضطلع بأعبائها، إلّا أني لم أجد عند تحريري هذه النّسخة، من كلامه، إلّا بعض فصول له «9» من منثور، وهي ثماد من بحور.
فصل: من «10» رقعة خاطب بها أبا جعفر بن العباس: «غصن ذكرك عندي ناضر، وروض شكرك لديّ عاطر، وريح إخلاصي لك صبا، وزمان «11» آمالي فيك صبا، فأنا شارب ماء إخائك، متفيّئ ظلّ «12» وفائك؛ جان منك ثمرة فرع طاب أكله، وأجناني البرّ قديما أصله، وسقاني إكراما برقه، وروّاني إفضالا ودقه؛ وأنت الطّالع في فجاجه، السّالك لمنهاجه؛ سهم في كنانة الفضل صائب، وكوكب في سماء المجد ثاقب، إن أتبعت الأعداء نوره أحرق، وإن رميتهم به أصاب الحدق؛ وعلى الحقيقة فلساني يقصر عن جميل أسرّه «13» ، ووصف ودّ أضمره» .
شعره: قال، ومما وجد بخطه لنفسه «1» : [الكامل]
طلعت طلائع «2» للربيع فأطلعت ... في الرّوض وردا قبل حين أوانه
حيّا أمير المسلمين «3» مبشّرا ... ومؤمّلا للنّيل من إحسانه
ضنّت سحائبه عليه بمائها «4» ... فأتاه يستسقيه ماء بنانه
دامت لنا أيّامه موصولة ... بالعزّ والتّمكين في سلطانه
قال: وأنشدني الأديب أبو بكر بن معن، قال: أنشدني أبو الربيع بن العريف لجدّه الكاتب أبي جعفر اللمائي، وامتحن بداء النّسمة من أمراض الصّدر، وأزمن به، نفعه الله، وأعياه علاجه، بعد أن لم يدع فيه غاية، وفي ذلك يقول «5» : [الكامل]
لم يبق من شيء أعالجها به «6» ... طمع الحياة، وأين من لا يطمع؟
«وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع» «7»
ودخل عليه بعض أصحابه فيها، وجعل يروّح عليه فقال له بديهة «8» :
[المنسرح]
روّحني عائدي فقلت له: مه «9» ... ، لا تزدني على الذي أجد
أما ترى النار وهي خامدة ... عند هبوب الرياح تتّقد؟
ودخل غرناطة غير ما مرة، منها متردّدا بين أملاكه، وبين من بها من ملوك صنهاجة؛ قالوا: ولم تفارقه تلك الشّكاية حتى كانت سبب وفاته.
وفاته: بمالقة عام خمسة وستين وأربعمائة. ونقل منها إلى حصن الورد، وهو عند حصن منت ميور إذ كان قد حصّنه، واتّخذه لنفسه ملجأ عند شدّته، فدفن به،
بعهد منه بذلك، وأمر أن يكتب على قبره بهذه الأبيات «1» : [الطويل]
بنيت ولم «2» أسكن وحصّنت جاهدا ... فلمّا أتى المقدور صيّره «3» قبري
ولم يك «4» حظّي غير ما أنت مبصر ... بعينك ما بين الذّراع إلى الشّبر
فيا زائرا قبري أوصّيك جاهدا ... عليك بتقوى الله في السّرّ والجهر
فلا «5» تحسنن بالدّهر ظنّا فإنما ... من الحزم ألّا يستنام «6» إلى الدهر
الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.