الحلبي:
شيخ شاعر، غلب على عقله، ان لم يكن عمران الحلبي، فهو غيره، روى عنه أبو بكر محمد بن أبي الأزهر.
قرأت بخط أبي القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان- قراءة عليه وأنا اسمع.
وأنبأنا مكرم بن محمد بن حمزة بن أبي الصقر قال: أخبرنا أبو القاسم الخضر- ويسمى- الحسين بن علي بن الخضر بن أبي هشام قال: أخبرنا أبو البركات أحمد بن عبد الله بن طاوس قال: أخبرنا أبو القاسم علي التنوخي قال: أخبرنا أبو بكر بن شاذان قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أبي الأزهر- قراءة عليه- قال: وكنت يوما عند إبراهيم بن رومي كاتب أحمد بن محمد الطائي، وعنده شيخ يعرف بالحلبي، وكان أديبا شاعرا، فغلب على عقله، اذ دخل علينا البكثري ومعه أخوه، قد تولى في ذلك الوقت نهر بوق والزيبين ، فلم يستقر بهما المجلس حتى التفت الحلبي الى البكثري فضحك، ثم نظر الى أخيه وتفرس في أذنه، وكانت كأنها كنف قد ملئ شعرا، فقال غير محتشم لأحد:
بالله يا بكثري قل لي ... مقالة الصادق الصدوق
أشعر أذني أخيك ازكى ... عندك أم زرع نهر بوق
فخجلا وأقبل ابن رومي يغتاظ ولا يتهيأ له التعرض لما يكره، فنظر اليه الحلبي على تلك الحال فقال، وكان ابن رومي ألثغ فقال:
إن كنت أنكرت ... قولي يا ألثغ الكتاب
فجىء بأذن شبيه ... لمثله في الكلاب
حتى تقول بأني ... أخطأت فيه صوابي
فوثب البكثري لينصرف فأسر اليه ابن رومي شيئا كأنه أقام به العذر عنده، ثم أقبل على الحلبي فعذله ووثب فوثبنا لوثبته فقال الحلبي:
ان كنت قمت لأن أقوم فبا ... ب دارك لي مناص
لي أن أردت مخلص ... منكم وما لكم خلاص
لأجرحنك يا بن رومي ... بما فيه القماص
فلقد رأيت ابن رومي يضحك اليه ويمسح أعطافه وما يثنيه عن الباب شيء، حتى خرج وخرجت أنا بخروجه، فبصر بي الحلبي خارجا عن الدار فوقع لي عنده ذاك أحسن موقع فأنشأ يقول:
إنّ فضل الأديب ان حصّل ... الخلى على غيره لفضل مبين
لم يطق حمل ما سمعت أبا بكر ... فبادرت والفؤاد ضمين
لا تفكر في كان وارم بها الع ... رض وفكر إن شئت فيما يكون
وقال: والله لأهجونه، والله لأهجونه، وكرهت أن أزيد في المعنى، وانصرف على الجملة، فكان اذا رآني والصبيان يعبثون به يقصدني فتهمني نفسي فيقول:
سبحان الله حقك الحق الواجب، حقك الحق الواجب، فأتفادى منه، وانصرف.
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)
الحلبي:
غير مسمى ولا مكنى، ذكر له أبو الحسن الشمشاطي أشعارا كثيرة في كتاب الأنوار، ولم يذكر اسمه، ولا اسم أبيه فمن ذلك قوله:
ما الدار في حلب بدار ثواء ... هذا الشتاء بها كألف شتاء
ألقى عليها الزمهرير ملاءة ... نسجت من الأرواح والأنداء
خفت بها ظلم الغيوم وأصبحت ... ونهارها كالليلة الليلاء
كم قطرة في إثر أخرى خلتها ... بحرا أمامي زاخرا وورائي
ما كنت من سمك البحار أظنني ... حتى سكنت مدينة من ماء
ومما اورده له في كتاب الانوار:
أرى خطرات ما تزال كأنّها ... صدور القنابين الجوانح تخطر
وعينا تصوم الدهر من لذة الكرى ... فإن أفطرت ظلت على الدمع تفطر
أقلّب طرفا للنجوم مسامرا ... ونجم الدجى وسط السماء مسمّر
وأورد له أيضا:
قضيب متى تضممه تضم بضمه ... قضيب نسيم في قميص نعيم
تألف من ضدين ضدين رانيا ... بعين صحيح في جفون سقيم
له ليل شعر في صباح جبينه ... ونيران خد في مياه أديم
وخصر حكى عرض البخيل نحافة ... وردف حكى في النيل عرض كريم
ونقلت من الجزء الاول من كتاب الأنوار للشمشاطي، وأظنه بخطه قال:
وللحلبي:
وفي الأخوان للأخوان عز وما ... تغنى السهام بلا قسمي
ومثلك من أطاعته المعالي ... وأدته الى الشرف العلّي
لأنك للوفاء أخ وخل ... إذا عزى الوفاء إلى الوفي
متى يهززك ذو شرف يصادف ... مضاءك من مضاء المشرفي
وانك للسوي الودّ إمّا ... تشوه ودّ ذي الودّ السوي
سبيلي في هواك سبيل قصد ... يوديه إلى الود النقي
فشق مني بودّ أخ ودود ... توقى الود إلّا من تقي
وقال الشمشاطي في كتاب الانوار وله يرثي أبا تمام:
سألتكما ان تعقبا سقمي سقما ... وان تتركا قلبي على دمه يدمي
دعاني وفكرا لو بثثت شجونه ... على ردم يأجوج هتكت به الردما
فما الميت أبكي بل حجى ومروءة ... وعلما أرى فيه المذلة واليتما
فيا لحبيب دعوة لو تغرغرت ... بمسمع آجال إذا لغدت صمّا
تشتت رأي كنت في عينه قذى ... وفي أذنه وقرا وفي فمه سما
وما كنت دون الناس أشرف منصبا ... وفرعا ولكن كنت أشرفهم علما
قلت: ان كثيرا من الناس يقولون ان الحلبي الذي ذكره الشمشاطي وأورد شعره في كتاب الأنوار هو أبو بكر الصنوبري، وليس الأمر كذلك لأنه أورد له هذه الأبيات التي رثى بها الحلبي أبا تمام حبيب بن أوس، والصنوبري لم يدرك أبا تمام الطائي، لأن أبا تمام توفي سنة احدى- أو اثنتين- ومائتين ولم يكن الصنوبري ولد بل يحتمل أن يكون هذا الحلبي هو عمران الحلبي الذي نذكره بعد هذا.
وتروى هذه المرثية لديك الجن في أبي تمام.
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)