ابن طليب الكوكبي:
شاعر مجيد، كان في أيام المأمون كان من أهل قرية يقال لها كوكبا من قرى أنطاكية، حضر عند المأمون حين اجتاز الى أنطاكية، حكى عنه رجل من أهل أنطاكية لم يسم.
قرأت في كتاب الزهرة للوشاء أبي الطيب قال: أخبرني أبو محمد القاسم بن محمد النحوي قال: أخبرني علي بن سليمان القيسي قال: أخبرني رجل من أهل أنطاكية بأنطاكية قال: لما مرّ بنا المأمون غازيا بلاد الروم نزل بكوكبا، وهي قرية من قرى أنطاكية، فنظر الى زيتون حامل والى كروم كذلك، قال: لمن هذا فقالوا لرجل من أهل كوكبا يقال له ابن طليب فقال لعله صاحب الشعر الذي يقول:
غش بني آدم فكلهم ... لله عاص وكن لهم دغلا
قالوا: نعم يا أمير المؤمنين، قال وما فعل؟ قالوا: شيخ كبير في منزله، قال آتوني به، فجاؤوا به، فلما مثل بين يديه قال: أنشدني شعرك، فأنشده:
قال:
غش بني آدم فكلّهم ... لله عاص وكن لهم دغلا
وكل بضرس وطا الأنام بظلف ... تأت حزما وتحكم العملا
لا تحف بالنازل المقيم ولا ... تبك على ظاعن إذا رحلا
من غاب أو حال عن مودته ... فخلّ عنه واطلب به بدلا
ولا تقل احفظ الذمام ولا ... أنسى فلانا وحسن ما فعلا
إنس أباك المفروض طاعته ... عليك فيما يحيي لك الأملا
ومل مع الريح ميل منتقل ... عن كدر العيش وابتغ الدّولا
وكن من الناس من أبيك فلا ... أقرب منه مستوحشا وجلا
إن مستشير أتاك منتصحا ... فا مدد له كيف ما اشتهى الطولا
خلّط على الناس ينسبوك الى ... الظرف وشتّت عليهم السبلا
قدم وأخر واسلك بهم ... طرقا يلقون فيها العثار والزللا
واسقهم السّمّ إن ظفرت بهم ... وامزج لهم من لسانك العسلا
إنّ رجال الوفاء قد ذهبوا ... لأن نجم الوفاء قد أفلا
قال: فلما بلغ هذا البيت الأخير، قال له المأمون: أولى لك، لقد استحققت القتل لأمرك بغير ما أمر الله به، ولكنك نجوت بهذا البيت، امض لسبيلك، فقال: يا أمير المؤمنين الى أين، الى عجائز الحي وصبية صغار يعيرونني بأني وقفت بين يدي أمير المؤمنين، ثم رجعت صفرا! قال: أو ما ترضى أن تفلت بحشاشتك؟ قال: يا أمير المؤمنين وأنّى بك أن تضيف الفضل إلى الفضل، وتقرن الإحسان بالإحسان، فضحك المأمون وقال: ادفعوا اليه عشرة آلاف درهم.
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)