أبو الغريب الاصبهاني:
ووجدته في موضع آخر أبو العريب بالضم، فلا أدري الضم بالغين أو بالعين وكان أحد الفقراء المجردين، أقام بطرسوس مدة، حكى عنه الحسين بن جعفر، وأبو القاسم فارس بن أبي الفوارس.
قرأت في كتاب الإخبار بفوائد الأخبار ، من كلام أبي بكر محمد بن إبراهيم بن يعقوب الطرسوسي قال: سمعت أبا القاسم فارس بن أبي الفوارس يقول: كنا بمصر جماعة من الفقراء ومعنا أبو الغريب، وكان يأتينا بالجامع حدث من أبناء المياسير، فوقع في قلب أبي العريب، فكان اذا رآه تغير وأدخل رأسه في مرقعته لا ينظر اليه، فقلنا له يوما: باسطه لعله يخف عنك، فمد كفه اليه كالسائل، وهو عنه معرض فدفع الفتى اليه خاتمه، فلبسه أبو العريب، وذهب الفتى وأخبر أبوه بذلك، فأرسل الى أبي العريب يسترد خاتم ابنه، فأدخل أبو العريب اصبعه في فيه يخرج الخاتم فامتنع عليه، فلم يملك اصبعه أن قطع اصبعه بأسنانه، ووضعها مع الخاتم في كف الرسول، وقام فخرج.
قال أبو القاسم: فخرجنا في الفداء بعد سنين، فاذا أنا به في بعض بلاد الروم، فقلت له: كيف تجدك؟ فقال: كما كنت، قلت: ويحك قد عاش الفتى ومات أبوه، فلو قدمت معنا، فقال: والله لا دخلت ديار الاسلام وسرّي يعبد سواه.
ونقلت من كتاب سير السلف تأليف الحافظ أبي القاسم اسماعيل بن محمد ابن الفضل: ذكر أبي الغريب الاصبهاني، رحمه الله، لقي المتقدمين من المشايخ، أقام بطرسوس برهة، ثم رجع الى مكة، ثم رجع الى شيراز فاعتل فيها علة شديدة وظننا أنه يموت، فقال: ان مت بشيراز فادفنوني في مقابر اليهود فتعجبنا من قوله، وسألناه عن ذلك فقال: اني سألت الله ﷻ أن يكون موتي بطرسوس ولا أشك أن موتي هنالك، فبرأ من العلة وخرج، وآخره مات بطرسوس.
وقال: قال الحسين بن جعفر: دخلنا على أبي الغريب بطرسوس وقد ورمت فخذاه، وشق من وركه الى ركبته، وسال منه القيح الكثير وهو بحالة عجيبة، فقال له بعض أصحابنا: كيف أنت؟ فقال: كما ترى، وبعد ما قلت «مسني الضرّ» مات بطرسوس.
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)