أبي الحسين بن أبي عبد الله بن حمزة الصوفي المقدسي

الزاهد

تاريخ الولادةغير معروف
تاريخ الوفاةغير معروف
الفترة الزمنيةبين 448 و 548 هـ
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةحلب - سوريا
أماكن الإقامة
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • مرو - تركمانستان
  • حلب - سوريا
  • دمشق - سوريا
  • بيت المقدس - فلسطين

نبذة

أبو الحسين بن أبي عبد الله بن حمزة بن الصوفي: المقدسي الزاهد، أحد الأولياء المذكورين والأصفياء المستورين، وأرباب الكرامات المشهورين، كان قد أقام بحلب مدة، وكان يأوي الى دار الشيخ أبي محمد بن الحداد، وكان يتستر عن إظهار العبادة والكرامات.

الترجمة

أبو الحسين بن أبي عبد الله بن حمزة بن الصوفي:
المقدسي الزاهد، أحد الأولياء المذكورين والأصفياء المستورين، وأرباب الكرامات المشهورين، كان قد أقام بحلب مدة، وكان يأوي الى دار الشيخ أبي محمد بن الحداد، وكان يتستر عن إظهار العبادة والكرامات، حتى أنه ما رآه أحد يصلي فرضا، ولا نفلا إلا قليلا، ويظهر حاله في صورة البله، وقيل إنه من نسل عمر الأطراف من ذرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ذكر لي حفيده أبو العباس أحمد بن يحيى بن أبي الحسين قال: جدي أبو الحسين بن أبي عبد الله بن حمزة بن الصوفي المقدسي قال: وذكر أن حمزة كان شريفا عمريا من بيت المقدس، من ولد عمر الأطراف، وعرف بذلك لحسن عينيه، وكان يشبّه بعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه.
لقي الشيخ أبو الحسين يوسف بن أيوب الهمذاني، وسمع وعظه بمرو، ولقي غيره من الزهاد والعبّاد.
روى عنه يوسف بن محمد بن مقلد التنوخي أبو نصر عبد الواحد بن محمد ابن أبي سعد الكرجي، والشيخ أبو محمد بن الحداد الحلبي.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني قال: أنشدنا يوسف بن محمد الدمشقي- من لفظه، وكتب لي بخطه- قال: أنشدني أبو الحسين بن عبد الله المقدسي الزاهد بدمشق:
ما لنفسي وما لها ... قد هوت في مطالها
كلما قلت قد دنا ... وتجلى ضلالها
رجعت تطلب الحرام ... وتأبى حلالها
عاتبوها لعلها ... ترعوي عن فعالها
وأعلموها بأن لي ... ولها من يسالها
كذا قال «أبو الحسين بن عبد الله» والصحيح «أبي عبد الله» .
سمعت الشيخ أبا الفضل محمد بن هبة الله بن أحمد بن قرناص الحموي يقول: أنشدت هذه الأبيات، وقيل لي إن الشيخ أبا الحسين الزاهد كان يتمثل بها كثيرا، قال: فلا أدري هي له، أو لغيره:
أراني كلما يممت أمرا ... تصرم دون مبلغه حبالي
يظن الناس فيّ خلاف أمري ... وتلك قضية فيها وبالي
على الدنيا مثابرتي وحزني ... وبالدنيا همومي واشتغالي
وإذا فاتت زخارفها يميني ... مددت الى تناولها شمالي
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا الامام تاج الاسلام أبو سعد المروزي قال: سمعت أبا نصر عبد الواحد بن محمد بن أبي سعد الكرجي الشيخ الصالح، وقد قطع البادية على التجريد، وشرط القوم من غير زاد وراحلة مرات، يقول لي مذاكرة: سألت الشيخ أبا الحسين المقدسي: هل رأيت أحدا من أولياء الله تعالى؟ قال: رأيت في سياحتي عجميا بمرو يعظ الناس ويدعو الخلق الى الله تعالى، يقال له يوسف.
قال أبو نصر: أراد بذلك الامام يوسف بن أيوب الهمذاني.
قال أبو سعد المروزي: أبو الحسين أحد عباد الله الصالحين، ومن يضرب به المثل في الأحوال السنية والكرامات الظاهرة، وقطع البوادي على الوحدة، ولقي المشايخ، وصحبته الأكابر حتى سمعت أن الافرنج يعتقدون فيه، ويقولون إن السباع والوحوش مثل البهائم والغنم تسجد لأبي الحسين المقدسي.
وأخبرني والدي رحمه الله وغيره أن الفرنج كانوا يعظمون أبا الحسين الزاهد ويعتقدون فيه.
وقال لي: إن جماعة رأوه مرارا راكب الأسد.
حدثني القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قال: حدثني رجل كان من الفقهاء الحنفية بدمشق، يقال له سلطان، قال: حكى لي رجل كان يصحب الشيخ أبا الحسين ويلازم خدمته قال: كان الشيخ يأتي الى الجبال المباحات يجني منها العنب ويعصره ويطبخه ربّا ويهدي منه الى أصحابه ومعارفه، فأتى الى جبل لبنان، وجمع منه شيئا وعصره، وقال لي: امض الى القرية الفلانية الى فلان وقل له: أبو الحسين يسلم عليك ويقول لك: أعره المرجل الذي لك ليطبخ فيه ربّا، وكانت تلك القرية على فراسخ من ذلك الموضع الذي هو فيه، قال: فقلت له: يا شيخ الموضع بعيد، والطريق مخوف، وفيه السباع والفرنج، فقال لي: ما عليك بأس، اركب حماري وخذ عصاي وامض فإن السباع متى رأت حماري وعصاي لا تعترضك وكذلك الفرنج.
قال: فأخذت العصا وركبت الحمار ومضيت فجعلت السباع تمر بي فأريها عصا الشيخ، وترى حماره تحتي فلا تلوي إلي وتمضي لشأنها، ولقيني جماعة من الفرنج فوجدت منهم من الخوف شيئا عظيما، فلما رأوا الحمار والعصا عرفوهما فلم يؤذني أحد منهم، وجئت الى القرية وأنا على غاية من الخوف الذي أصابني، فقلت لذلك الرجل: الشيخ يسلم عليك ويقول: خذ المرجل الذي لك وجىء إليه، فقال لي: الشيخ مقصوده المرجل وما له حاجة في أن يعنيني في هذا الطريق وما أظنه قال لك في أن أجيء، فقلت لما غشيني من الوحشة في الطريق والجزع: بلى قال لي تأخذه وتجيء، فجاء صحبتي الى المكان الذي به الشيخ، ووضعت المرجل على رأسي لأستظل به من الحر، فلما جئته قال لي: وما الذي حملك على أن تعني الرجل الى ها هنا؟ فقلت ما وجدته في الطريق من السباع والفرنج، فقال لي: أولم يكفك ما شاهدته في طريقك وما الذي يؤمنك أن يكون في المرجل عقرب تلدغك الساعة؟ قال: فما استتم الشيخ كلامه حتى لدغتني عقرب بين عيني وسقطت لوجهي وبقيت مطروحا ساعة حتى جاء الشيخ وأمرّ يده على الموضع فسكن وقمت.
قلت: ذاكرت بهذه الحكاية الشيخ الفقيه محمد اليونيني، فعرفها وقال: الموضع الذي كان الشيخ به، وجرى له فيه هذه القضية هي يونين  ، وهذه القرية خرج منها جماعة من الصالحين ودخلتها غير مرة.
أخبرني عمي جمال الدين أبو غانم بن هبة الله قال: حدثني الشيخ أبو محمد ابن الحداد الحلبي قال: حدثني الشيخ أبو الحسين الزاهد قال: كنت يوما بالقحوانة  فصادفت جماعة من خيالة الفرنج وهم يشربون، فجئت الى قرية من قرى المسلمين التي تجاورهم وتقرب منهم، فقلت لهم: تعالوا حتى أعطيكم خيول الفرنج، قال: فأخذتهم وجئت بهم الى الموضع، والفرنج قد ناموا سكارى فانتقيت لهم أربعين حصان، من خيار خيولهم، وسلمتها إليهم، فأخذوها ومضوا، فانتبه الفرنج فلم يجدوا خيولهم، فافتكروا وقالوا: انظروا المجنون لا يكون هاهنا، قال: ففتشوا علي الى أن رأوني، فقالوا: أين خيولنا؟ فقلت لهم: عندي قد ربطتها لكم تأكل، قال: فقالوا لي: تعال أرنا إياها قال: قال:
فأخذتهم وجعلت أصعد بهم جبلا وأنزل واديا الى أن علمت أن المسلمين قد وصلوا بالخيول الى مأمنهم، فجئت بهم الى مغارة هناك، فأدخلتهم إليها وقلت: ها هي ذه خيولكم، وكنت قد ربطت قصبا على معالف وجعلت بين يديها تبنا وربطتها ثمّ، قال: فنظروا الى ذلك وصلبوا على وجوههم وقالوا عمل علينا هذا المجنون، ولم يتعرضوا لي بسوء.
حكى لي عمي أبو المعالي عبد الصمد بن هبة الله قال: كان للشيخ أبي الحسن حمير، فكان يرسلها بكرة فتخرج إلى تل عرن، قرية بالنقرة، وليس معها أحد فترعى ثم تجيء إلى منزله سالمة وقد شبعت.
قال لي أبي رحمه الله: وكان يسوق حميره هذه بين يديه، فإذا جاء إلى مفرق طرق صاح فيها: خذي يمينا فتأخذ يمينا، وإن قال خذي يسارا أخذت يسارا، وإن قال شرقا أو غربا فعلت ما يقول.
قال لي والدي: وسيرت إليه خاتون زوجة قسيم الدولة أنابك زنكي شقه أطلس ليفصلها لامرأته، فاستدعى خياطا وفصّلها سراويلات لحميره.
وكان تعمد مثل ذلك سترا لحاله.
وسمعت أبا الفضل محمد بن أبي البركات بن قرناص الصالح بن الصالح يقول: بلغني أن الشيخ أبا الحسين الزاهد دخل على الشيخ أبي البيان الزاهد فأعطاه أبلوجا من السكر، فأخذه منه ولم يرده، وخرج من عنده فدفعه إلى أصحاب الشيخ أبي البيان، فقالوا له: خذه فإن الشيخ أعطاك إيّاه، فقال: ايش اعمل به أنا لا يأكل حماري سكرا.
وأخبرني القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر- إن شاء الله- قال: حج الشيخ أبو الحسين الزاهد إلى مكة حرسها الله على ثلاث حمير، وكان إذا ضجر نام عليها معترضا ويصفها صفا، ويجعل رأسه على حمار، ووسطه على آخر ورجليه على آخر، وتمشي به كذلك، لا يتقدم أحد منها على الآخر، ولم يطلب من أحد في الطريق لها علفا، وكان يعلق عليها المخالي، قال: فمدّ بعض الناس يده إلى مخلاة منها، فوجد فيها رملا.
حدثني عمي أبو غانم قال: حدثني الشيخ أبو محمد بن الحداد قال: كنت يوما جالسا على باب داري فجاء إليّ شاذ بخت وسنقرجا، وكانا خادمين من خواص خدم نور الدين ومعهما أربعون اسيرا الفرنج، فقالا: أين الشيخ أبو محمد؟  فقلت لهما: ما تريدان ها أنا ذا؟ فقالا: المولى نور الدين يسلم عليك ويقول لك، انتق من هؤلاء، الأسارى أسيرا للشيخ أبى الحسين، قال: فاخترت له أسيرا منهم وتركته، فلما أقبل الشيخ أبو الحسين سلمته إليه، قال: فأخذه الشيخ أبو الحسين، ولم يحتجر عليه، وتركه باختيار نفسه، فكان ينام وحده ويمضي ويجيء وحده ولا يهرب، والله يحفظه بحيث لا يستطيع الهرب، قال: وكان يركب الشيخ أبو الحسين حماره ويعطي الأسير الغاشيه يحملها بين يديه، ويجيء إلى السوق إلى أشد الناس عداوة له من الروافض، فيقف عليه فيشتمونه ويقصد ذلك قصدا، قال: فكانت عاقبة ذلك الأسير أنه أسلم، وحسن إسلامه.
حدثني أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر، قاضي العسكر، قال: حدثني صاحب للشيخ أبي الحسين الزاهد كان يخدمه، واسمه علي، قال: قال الشيخ أبو المعالي بن الحداد للشيخ أبي الحسين يوم جمعة: سألتك بالله العظيم إلا صليت اليوم الجمعة، وشدد عليه المسألة، فأجابه إلى ذلك، فلما غصّ المسجد الجامع بحلب بالزحام، جاء الشيخ أبو الحسين وهو متلفع بكساء له، والماء يتقاطر من لحيته، فجلس إلى جانب المنبر، فلما أقيمت الصلاة انقسم الناس طائفتين، فطائفة رأته يصلي، وطائفة رأته قاعدا لم يقم، فحلف بعضهم بالطلاق أنه رآه يركع ويسجد مع الإمام وهو يصلي، وحلف البعض الآخر بالطلاق أنه رآه قاعدا لم يتحرك من مكانه، ولم يصل فذهبت الطائفتان إلى القاضي تاج الدين الكر دري، وهو إذ ذاك يتولى القضاء والفتيا بحلب، فسألوه عن هذه الواقعة، وعن وقوع الطلاق وعدم وقوعه، فقال: اذهبوا إلى الشيخ أبي الحسين فهو يفتيكم فيها، وهو أخبر بها، فذهبوا إليه فقال الذين حلفوا أنه لم يصل: أرأيتموني أصلي؟ قالوا: لا والله، قال فاذهبوا فإنكم لم تحنثوا، وقال للذين حلفوا أنه صلى: أرأيتموني صليت؟ قالوا: نعم، قال: اذهبوا فإنكم لم تحنثوا، فعادوا جميعا الى الكردري وذكروا له ما قال، فقال: أفتاكم بالحق.
وحدثني عمي أبو غانم قال: قال لي أبو محمد بن الحداد: كنت لا أرى أبا الحسين الزاهد يصلي، وكان إذا حضر وقت الصلاة يناديني: أبو محمد قم الى الصلاة، فأقوم إلى المسجد وأصلي بجماعة المسجد، ففكرت ذات يوم فيه وكنت أريد أن أرتقبه في وقت المغرب فإنه أضيق الأوقات، قال: فلما حان وقت المغرب وأذن المؤذن قال لي: قم الى الصلاة، فقلت له: نعم، وتباطئت فناداني الثانية، فقلت له: نعم وتغافلت، فناداني الثالثة وهو منزعج، فقلت له: نعم وتغافلت، فالتفت إليّ وهو منزعج وقال لي: يا مى شوم أنا أريد أن أكون مثل الكلب يخسأ ولا يرجى، ثم تركني ومضى.
وحدثني عمي أبو غانم، وقاضي العسكر محمد بن يوسف: أن الشيخ أبا الحسين حج في بعض السنين من دمشق، فسير معه بعض أهل دمشق وديعة جامدانا فيه قماش وكتاب إلى صاحبه إلى مكة حرسها الله قالا: فلما خرج أبو الحسن من دمشق ألقى الجامدان ومضى، فظفر به بعض الحجاج فحمله وجاء به الى مكة فنزل ذلك الرجل بمكة وأودع الجامدان عند صاحبه الذي أرسل إليه، فنظر إلى الجامدان فعرفه ففتحه فوجد فيه قماشه ووجد فيه كتابا من الرجل الذي سيره يذكر فيه أنه قد أرسل الجامدان مع الشيخ أبي الحسين.
قال: فقال صاحب الجامدان للرجل الذي تركه عنده: هذا الجامدان لي والقماش قماشي، وهذا الكتاب إليّ وأراه الكتاب فقال: أنا وجدته ملقى في المكان اللاني، قال: فالتقى صاحب الجامدان الشيخ أبا الحسين، فقال له: مثلك يكون اساس ما أنت إلّا أمين! فالتفت إليه وقال: يا بارد ألم يصل إليك جامدانك فما وجه عتبك، ثم تركه ومضى.
سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى بن الشيخ أبي الحسين الزاهد بالميطور من سفح جبل قاسيون، قال: أخبرتني عمتي- يعني- بنت الشيخ أبي الحسين قالت: كنت في اللبّن، وهي قرية بين نابلس والبيت المقدس، والشيخ أبو الحسين والدي بها: وابني في الحج، وكان ذلك قبل عيد النحر بيومين، فعمل بعض من في اللبّن للشيخ أبى الحسين عجة، فاشتهيت أن يأكل ابني منها، فقلت: اشتهيت ابني فلانا يأكل من هذه العجة، فقال لي والدي أبو الحسين: هاتي، فدفعت إليه العجة والغضارة التي هي فيها والخبر، فأخذ ذلك وخرج بالمنديل، فحج ابني ورجع، وأحضر إليّ تلك الغضارة بعينها، فقلت: ما هذه؟ فقال: هذه احضرها إليّ الشيخ أبو الحسين وفيها العجة مع الخبز.
قال لي أحمد بن يحيى: وحدثتني عمتي المذكورة قالت: أخبرني أخي، بعض ولد الشيخ أبى الحسين قال: كان والدي أبو الحسين يجمع قشور البطيخ التي تلقي فيجعلها في قدر، ويأخذ مغرفة ويحركها ويخرجها فنأكلها، فنجدها من أطيب الأطعمة، فلما توفي الشيخ عمد بعض ولده ففعل مثل ما كان يفعل، فلم يطق أحد أن يأكلها، فقال بعضهم: القشور القشور، والقدر القدر، والمغرفة المغرفة، ولكن اليد التي كانت تحركها ليست اليد. سمعت سيف الدين موسى بن شيخنا محمد بن راجح المقدسي يقول لي بحلب: حكى لي الفقيه يعقوب الزنكلوني، من أصحاب الشيخ عثمان بن مرزوق عن صاحب الشيخ أبي الحسين الزاهد أنه قال: سافرت أنا والشيخ أبو الحسين رحمه الله من غزة إلى عسقلان، فاشتد بنا الحر وعطشنا، فقال لي: يا فلان تجيء حتى تزرع مقثأة؟ فقلت له: مبارك، فقال: أيما أحب إليك تحفر أم تزرع؟ فقلت: أحفر والشيخ يزرع، فحفرت له جوبا  كثيرة وهو يطرح في كل جوبة حصاتين من الأرض، إلى أن زرعنا شيئا كثيرا، ثم انتقلنا فاستظللنا تحت شجرة بعيدا عن الموضع، فقال لي بعد ساعة: يا فلان، اذهب فآتنا من المقثاة ببطيخ، فذهبت فلم أر شيئا، فجئت معه فأقبلنا على المقثاة فإذا هي كلها لجة خضراء، فيها من البطيخ شيء كثير كبار وصغار، فأكلنا حتى شبعنا، ثم أخذ من ذلك البطيخ فوضعه في الخرج على الدابة، وحملناه معنا إلى عسقلان، وكان قد أصاب أهل عسقلان مرض، فما أكل أحد من أهل عسقلان قطعة إلّا وبرأ من ذلك المرض.
قال لي موسى: وحكت لي ستي أم الشيخ عمر زوجة الشيخ أبو عمر قالت: جاء الشيخ أبو الحسين إلينا ليلا بمردا قرية من نابلس، في وقت بارد فقعد عند جماعتنا ساعة وبين أيديهم نار يصطلون بها، ثم نهض قائما، فقالوا له: يا سيدي أين تمشي في هذا الوقت المظلم البارد؟ فقال: أنا آخذ من هذه النار وأستضيء بها، فأخذ قطعة من حطب الزيتون وهي تشتعل من تلك النار كبيرة، ووضعها في ثوبه، ثم استضاء بها فلم يحترق الثوب، وأخذها وذهب.
سمعت عمي أبا غانم رحمه الله يقول: حدثني الشيخ أبو محمد بن الحداد قال: لما نزل الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي علي عزاز يحاصرها، جاءني الشيخ أبو الحسين الزاهد يوما من الأيام وقال: تعال حتى نحاصر عزاز ونعاون المسلمين، ثم عمل صورة قلعة من طين، وقال لي: امش حتى نزحف عليها، ثم جعل يقول: نصر من الله وفتح قريب، نصر من الله وكسر الصليب وجعل يكرر ذلك، ثم قال: ها أخذناها، أخذناها، أخذنا، ثم سكت، فوقع طائر عقيب ذلك ببطاقة يخبر بأنها فتحت في الوقت الذي كان من الشيخ أبي الحسين ما كان.
توفي الشيخ أبو الحسين الزاهد المقدسي بحلب  .
ودفن بمقابر المقام خارج باب العراق بتربة بني الحداد قبلي مقام إبراهيم عليه السلام، وقبره ظاهر يزار وتنذر عنده النذور وزرته مرارا.
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)

 

 

الزَّاهِد القُدْوَة الوَلِيُّ، أَبُو الحُسَيْنِ بن أبي عبد الله بن حمزة المقدسي.
أَلف الحَافِظ الضِّيَاء سيرَته فِي جُزْء، أَنْبَأَنِي بِهِ الشَّيْخ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الكَمَال وَغَيْرهُ بِسَمَاعِهِم مِنْهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الإِمَام عَبْد اللهِ بن أَبِي الحَسَنِ الجُبَّائِيّ قَالَ: مَضَيْت إِلَى زِيَارَة أَبِي الحُسَيْنِ الزَّاهِد بِحَلَبَ، وَلَمْ تَكن نِيَّتِي صَادِقَة، فَقَالَ: إِذَا جِئْت إِلَى المَشَايِخ، فَلتكن نِيَّتُك صَادِقَة فِي الزِّيَارَة.
سَأَلتُ خَالِي أَبَا عُمَرَ: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا الحُسَيْنِ يَأْكُل شَيْئاً ? فَقَالَ: رَأَيْتهُ يَأْكُل خَرُّوباً يَمُصُّه وَيَرمِي بِهِ، وَرَأَيْتُهُ يَأْكُل بقلاً مصلوقاً.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ سِنَانَ بنَ مُشَيّعٍ الرَّقِّيّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا الحُسَيْنِ المَقْدِسِيّ بِرَأْس عين فِي مَوْضِعٍ عُرْيَاناً قَدِ اتَّزر بقمِيْصه وَمَعَهُ حِمَار، وَالنَّاس قَدْ تَكَابُّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: تَعَال: فَتقدمتُ، فَأَخَذَ بِيَدِي، وَقَالَ: نَتواخَى? قُلْتُ: مَا لِي طَاقَة. قَالَ: أَيش لَكَ فِي هَذَا؟ وَآخَانِي. وَقَالَ لوَاحِد مِنَ الجَمَاعَة: حِمَارِي يَحتَاج إِلَى رسن. فَقَالُوا: ثمنه أَرْبَعَةُ فُلوس. فَأَشَارَ إِلَى مَوْضِع فِي الْحَائِط، فإِني جزتُ هَا هُنَا، وخبأتُ ثَمَّ أَربع فُلُوس، اشتَرُوا لِي بِهَا حبلاً. ثُمَّ قَالَ: أُرِيْد أَنْ تَشترِي لِي بدِيْنَار سمكاً. قُلْتُ: كرَامَة، وَمِنْ أَيْنَ لَكَ ذهب? قَالَ: بَلَى مَعِي ذهب كَثِيْر. قُلْتُ: الذّهب يَكُوْن أَحْمَر. قَالَ: أَبصِرْ تَحْتَ الْحَشِيش. فَأَخَذتُ الْحَشِيش، فَخَرَجَ دِيْنَار، فَاشْتَرَيْت لَهُ بِهِ سَمكاً، فَنظفه، وَشوَاهُ، ثُمَّ قَلاَهُ، ثُمَّ أَخرج مِنْهُ الْجلد وَالعِظَام، وَجَعَله أَقرَاصاً، وَجففه، وَتركه فِي جِرَابه، وَمَضَى وَلَهُ سنُوْنَ مَا أَكل الْخبز. وَكَانَ يَسكن جبالَ الشَّام، وَيَأْكُل البَلُّوْط وَالخرنوب.
قَالَ الضِّيَاء: قَرَأْت بِخَطِّ يُوْسُف بن مُحَمَّدِ بنِ مُقَلّد الدِّمَشْقِيّ أَنَّهُ سمع مِنَ الشَّيْخ أَبِي الحُسَيْنِ أَبيَاتاً، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ عَظِيْمَ الشَّأْن، يَقعد خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً لاَ يَأْكُل سِوَى أَكلَةٍ، وَيَتقوت مِنَ الخَرُّوبِ البري، ويجفف السمك، وحدثني يوسف بن الشَّيْخِ أَبِي الحُسَيْنِ أَنَّ الشَّيْخ اسْتفَّ مِنْ صُرَّةٍ، فَرَآهُ رَجُل، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفَّ مِنْهُ، فَإِذَا هُوَ مُرٌّ، فَلَمَّا جَاءَ الشَّيْخ، قَالَ: يَا سَيِّدِي، مَا فِي الصُرَّةِ? فَنَاوله مِنْهَا كفًا، فإذا هو سكر وقلب لوز.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيّ عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الزَّاهِد بِالكَرَجِ، سَمِعْتُ أَبَا الحُسَيْنِ المَقْدِسِيّ وَكَانَ صَاحِبَ آيَاتٍ وَكَرَامَاتٍ عَجِيْبَةٍ، وَكَانَ طَاف الدُّنْيَا يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَعْجَمِياً بِخُرَاسَانَ يَعظُ، اسْمُهُ يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو تَمَّامٍ حَمْدُ بنُ تركِي بن ماضي قال: حدثني جدي قال: كان بِعَسْقَلاَنَ فِي يَوْم عِيدٍ، فَجَاءَ أَبُو الحُسَيْنِ الزَّاهِد إِلَى امْرَأَة مَعَهَا خُبْزٌ سُخْن، فَقَالَ: تَشتهِي لِزَوْجِك مِنْ هَذَا الْخبز وَكَانَ فِي الحَجّ فَنَاولَتْه رَغِيْفَيْنِ، فَلفَّهمَا فِي مِئْزَر، وَمَضَى إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: خُذْ هَذَا مِنْ عِنْد أَهْلك. وَأَخْرَجَهُ سُخناً، وَرجع، فَرَأَوهُ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ وَبعَسْقَلاَن، وَجَاءَ الرَّجُل، وَقَالَ: أَمَا أَعْطيتَنِي الرَّغِيْفَيْنِ ? فَقَالَ: لاَ تَفْعَل، قَدِ اشتبهَ عَلَيْك. فَحَدَّثَنِي جَدِّي مَاضِي قَالَ: كَانَ أَبُو الحُسَيْنِ بِعَسْقَلاَنَ، فَوصَّوْا عَلَيْهِ البوَّابين لاَ تُخَلُّوْهُ يَخْرُج خَوْفاً مِنَ الفِرَنْجِ، فَجَاءَ وَعَدَا وَقمِيْصُه فِي فَمِهِ، فَإِذَا هُوَ فِي جبلِ لُبْنَانَ، فَقَالَ لِنَفْسِهِ: وَيْلَكِ وَأَنْتِ مِمَّنْ بلغَ هَذِهِ الرُّتبَة?!
وَعَنْ مَسْعُوْدٍ اليَمَنِيّ: قَالَتِ الفِرَنْج: لَوْ أَنَّ فِيْكُم آخر مثل أبي الحسين لاَتَّبَعْنَاكُم عَلَى دينكُم، مَرُّوا يَوْماً، فَرَأَوهُ رَاكِباً عَلَى سَبُعٍ وَفِي يَدِهِ حَيَّة، فَلَمَّا رَآهُم، نَزل وَمَضَى.
السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بِالكَرَجِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الكُفَّار يَقُوْلُوْنَ: الأُسُوْد وَالنُّمور كَأَنَّهَا نَعَمُ أَبِي الحُسَيْنِ.
قَالَ الضِّيَاء: سَمِعْنَا لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَشْيِ الأَسَدِ مَعَهُ، وَقِيْلَ: عَمِلَ حَلاَوَةً مِنْ قُشُوْر الْبِطِّيخ، فَغرف حَلاَوَةً مِنْ أَحْسَن الحَلاَوَة.
وَحَدَّثَنِي عَنْهُ المُحْسِنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: كَانَ وَالِدِي يَعملُ لَنَا الحَلاَوَةَ مِنْ قُشُوْر الْبِطِّيخ، وَيَسُوْطهَا بِيَدِهِ، فَعملْنَا بَعْدَهُ، فَلَمْ تَنعمل، فَقَالَتْ أُمِّي: بقيت تُعْوِزُ المِغْرفَة.
حَدَّثَنِي خَالِي أَبُو عُمَرَ قَالَ: كَانَ أَبُو الحُسَيْنِ يَجِيْء إِلَيْنَا، وَكَانَ يَقطع الْبِطِّيخ وَيطبخه، وَاسْتعَار مِنِّي سكِّيناً، فَجرحَتْهُ، فَقَالَ: مَا سكِّينُك إلَّا حَمْقَى.
وَعَنِ امْرَأَةٍ: أَنَّ أَبَا الحُسَيْنِ دَخَلَ تَنُّوراً، وَخَرَجَ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الإِمَامُ بِمَرْدَا، حَدَّثَنَا أَبُو يُوْسُفَ حسن قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي الحُسَيْنِ الزَّاهِد، فَقَالَ لِنَاسٍ: أَعْطُونِي مِنْ نَارِكُم، فَمَلَؤُوا لَهُ قطعَة جرَّة، فَقَالَ: صُبُّوْهَا فِي مِلْحَفَتِي. فَصَبُّوْهَا فِي مِلْحَفَتِهِ، فَأَخَذَهَا وَمَضَى. وَقِيْلَ: إِنَّهُ رش مَاء عَلَى زَمِنَةٍ، فَمشت. سَمِعْتُ خَالِي مُوَفَّق الدِّيْنِ يَقُوْلُ: حُكِي أَنَّ أَبَا الحُسَيْنِ أَرَادَ لِصٌّ أَنْ يَأْخذ حِمَاره، قَالَ: فَيبست يَدُه، فَلَمَّا أَبعد عَنْهُ، عَادت.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُلبس سرَاويله حِمَارَه، وَيَقُوْلُ: نُوَارِي عَوْرَتَه. فَيَضْحَك النَّاس.
وَقِيْلَ: كَانَ إِذَا عُرف بِمَكَان سَافر، وَقَبْره يُزَار بِظَاهِر حلب.
مَاتَ -ظَنّاً: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: أَعْطت زَوْجَةُ سُلْطَان حلب لزَوْجَة أَبِي الحُسَيْنِ شقَّةَ حَرِيْرٍ، فَعملهَا سرَاويلَ لحمَارِه. وَرَأَى حَمَّالاً قَدْ رَمَى قَفَصَ فَخَّار، فَتطحَّن، فَجمعه لَهُ، وَجَاءَ مَعَهُ إِلَى الفاخورة، فحطه، فوجده صحاحًا.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.