زياد بن عبد الله الاسوار:
ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، أبو محمد الأموي، وكان يقال له البيطار، لأنه كان صاحب صيد، وقيل هو زياد ابن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية من فرسان بني أمية ومقدميها، وكان مقيما في قرية من قرى قنسرين، وخرج في أيام أبي العباس السفاح بقنسرين وحلب، ودعا الى نفسه فبايعه ألوف من الناس، وصار معه أبو الورد مجزأة الكلابي، وصار مدبر جيشه، فبلغ ذلك عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس، وهو بدمشق فوجه اليه أخاه عبد الصمد بن علي في زهاء عشرة آلاف فارس، ومعه ذؤيب بن الأشعث على حرسه، والمخارق بن عفان على شرطه، فسار أبو محمد وأبو الورد، والتقوا فكسر عبد الصمد ومن معه، فتوجه عبد الله بن علي الى أبي محمد فاقتتلوا بمرج الأخرم من ناحية قنسرين وكان مع عبد الله بن علي حميد بن قحطبة، فثبت عبد الله وحميد فهزم زياد، وقتل أبو الورد، وهرب زياد ومن معه من الكلبية الى تدمر، ثم خرج الى الحجاز وظفر به هناك، وقتل بالمدينة.
ذكر البلخي في كتاب البدء في خروج السفياني قال: وقد قال بعض الناس ان هذا قد مضى يعني أمر السفياني، وذلك خروج زياد بن عبد الله بن خالد بن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان بحلب، ونصبوا ثيابهم وأعلامهم، وادعوا الخلافة، فبعث أبو العباس عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس أبا جعفر اليهم فاصطلموهم عن آخرهم .
وذكر أبو بكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في كتاب جمل أنساب الأشراف أن اسم أبي محمد زياد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية ، وذكر غيره أنه كان يقال له البيطار، لأنه كان صاحب صيد.
أنبأنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد قال: أخبرنا أبو غالب أحمد وأبو عبد الله يحيى ابنا الحسن بن البناء قالا: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص قال: حدثنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: فولد عبد الله الذي يقال له الأسوار بن يزيد بن معاوية أبا محمد قتل بالمدينة في خلافة أمير المؤمنين المنصور، وكان مختفيا بقناة ناحية أحد، فدل عليه زياد بن عبد الله الحارثي وهو يومئذ أمير المدينة، فخرج اليه الناس فخرج عليهم أبو محمد، فقاتلهم، وكان من أرمى الناس، فكثروه فقتلوه، وأمه وأم أخيه أبي معاوية، وأم أخته أم يزيد بنت عبد الله، تزوجها سليمان بن عبد الملك بن مروان، فولدت له، وأختهم أم خالد بنت عبد الله بن يزيد، تزوجها محمد بن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فولدت له عبد الرحمن وهند ابني محمد بن الوليد، وأمهم جميعا عائشة بنت زياد بن أنيف بن عتبة بن مصاد بن كعب بن عليم من كلب .
قرأت في كتاب الدولة العباسية عن الهيثم بن عدي قال: وكان عبد الله بن علي قد ولىّ على بالس رجلا من أهل خراسان عجميا، وكانت ببالس امرأة من ولد أبي سفيان، ذات جمال ويسار، فوجه الخراساني يخطبها الى نفسها، فعظم ذلك عليها فوجهت الى ابني أخيها فأخبرتهما بما كان وقالت: أنا ان منعته فهو القتل، وان أجبته فهو الفضيحة، فما الذي تريان؟ فقال لها أحدهما: قد رأيت رأيا أعرضه عليك، قالت: قل، قال لها: ان بالقرب منا أبو الورد وبشر ابنا الهذيل بن زفر بن الحارث وهما في عدة من بني كلاب، ولن يتأخر عنهما أحد من قيس لو قد احتاجا اليهم، فأصير اليهما وأستغيث بهما فلعل الله أن يجعل عندهما بعض ما نحب، فقالت له: افعل وعجل علي، قال: فخرج الفتى حتى أتاهما فشكا اليهما ما كان من أمر الخراساني، وسألهما النصر والمعونة، فقال أحدهما: وما نحن وهذا والله لقد كنت آتي قومها في الحاجة فأقوم حتى تشتكي رجلي، وان كلبا ليتمرغ على فرشهم، فقال له أخوه: دع هذا عنك فو الله لئن تحدثت العرب بأن هذه المرأة استغاثت بنا فلم نغثها انه للعار الذي لا نغسل رؤوسنا منه، قال: فانطلق إذا أنت الى بالس واخف أمرك، فاني مصبّحكم بمن تسرع معي من بني كلاب وغيرهم، قال: ووجه الى من يليه من قومه، فما أصبح إلّا في أربعمائة فارس، فركبوا حتى أتوا بالس فدخلوها ضحوة النهار، فأتوا دار الخراساني، فقيل لهم انه في الحمام، فدخلوا عليه الحمام وقتلوه وقتلوا كل من وجدوا من أصحابه، وضبطوا بالس، ووجهوا الى من كان حولهم من وجوه قيس فوجدوهم سراعا، فما أقاموا إلّا ثلاث حتى صاروا في نحو من أربعة آلاف.
قال: وكان زياد بن عبد الله السفياني من ولد أبي سفيان، وهو أبو محمد زياد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان مقيم في قرية من عمل قنسرين فكتبوا اليه ان يكن لك بهذا حاجة فأقبل الينا، فلما أتاه كتابهم دعا كل من كان يليه فاتبعه ناس كثير، وكان ذا بأس وذكر فيهم، فأتى بالس، فخرجوا فلقوه وبايعوه وانتشر الخبر في ديار مضر وجندي حمص وقنسرين، فجعلت قيس وغيرها تقصدهم من كل ناحية حتى صاروا في قريب من عشرة آلاف، وكان عبد الله بن علي قد بلغ الى نهر أبي فطرس ، فلما أتاه خبر السفياني وما كان من خلاف أهل حمص وقنسرين أمر حينئذ بقتل كل من كان معه من بني أمية.
وكتب أبو العباس الى عبد الله بن علي يأمره أن يرجع الى حمص وقنسرين لحرب السفياني وأصحابه، وكتب الى صالح بن علي يأمره أن يتولى طلب مروان ففعل، وجعل على مقدمته أبا عون.
قال: ورحل عبد الله بن علي راجعا وقد بيض أهل حمص وأهل قنسرين، ودعوا الى السفياني، فأنفذ اليهم أخاه عبد الصمد بن علي في ستة آلاف فلقوه فحاربهم فهزم عبد الصمد بن علي، ورجع ذلك الجيش مفلولا بعد أن قتل منهم خلق كثير، فسار عبد الله بن علي في جميع عسكره من أهل خراسان ومن تبعه من قبائل اليمن حتى لقيهم بين حمص وقنسرين، فثبتوا واشتد القتال وكثر القتل بين الفريقين وانحاز عبد الله بن علي وأصحابه الى سفح جبل كان قريبا منهم، فجعلوه وراء ظهورهم، فكانوا يحملون فيقاتلون ثم يرجعون الى ذلك السفح، فما زالت الحرب بينهم الى غروب الشمس، ثم حمل عليهم عبد الله بن علي بنفسه في خاصة أصحابه، قولوا منهزمين وأخذهم السيف، فقتل منهم من لا يحصى، وانفض من أفلت الى كل ناحية، وقتل السفياني.
قلت: قوله قتل السفياني يوهم أنه قتل في هذه الواقعة، ولم يقتل فيها بل هرب الى المدينة، فقبض عليه وقتل على ما نبينه.
أنبأنا أبو نصر محمد بن هبة الله قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم الدمشقي قال: قرأت على أبي الوفاء حفاظ بن الحسن بن الحسين عن عبد العزيز بن أحمد قال: أخبرنا عبد الوهاب الميداني قال: أخبرنا أبو سليمان بن زبر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن جرير قال: حدثني أحمد بن زهير قال: حدثنا علي بن محمد عن عمر بن مرزوق الكلبي قال: حدثني يعقوب بن ابراهيم ابن الوليد أن مولى للوليد لما خرج يزيد بن الوليد خرج على فرس له فأتى الوليد من يومه، فنفق فرسه حين بلغه، فأخبر الوليد فضربه مائة سوط ثم حبسه، ثم دعا أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية فأجازه ووجهه الى دمشق فخرج أبو محمد، فلما أتى الى ذنبة أقام فوجه يزيد بن الوليد الى عبد الرحمن بن مصاد فسالمه أبو محمد وبايع ليزيد بن الوليد، وأتى الوليد الخبر وهو بالاغدف .
قال ابن جرير: وحدثني أحمد بن ثابت عن علي بن محمد عن عمر بن مروان الكلبي قال: حدثنا يزيد بن معاذ عن عبد الرحمن بن مصاد قال: بعثني يزيد بن الوليد الى أبي محمد السفياني، وكان الوليد وجهه حين بلغه خبر يزيد بن الوليد واليا على دمشق فأتى ذنبه، فبلغ يزيد خبره، فوجهني اليه فأتيته فسالمني وبايع ليزيد.
قال: فلم نرم حتى رفع لنا شخص مقبل من ناحية البرية فبعثت اليه فأتيت به فإذا هو العزيّل أبو كامل المغني على بغلة للوليد تدعى مريم، فأخبرنا أن الوليد قد قتل فانصرفت الى يزيد فوجدت الخبر قد أتاه قبل أن آتيه .
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد الفقيه- فيما أذن لنا في روايته عنه، وسمعت منه بعض الكتاب- قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن قال: قرأت على أبي القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان عن عبد العزيز بن أحمد قال: أخبرنا عبد الوهاب الميداني قال: أخبرنا أبو سليمان بن زبر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن جرير قال: حدثني أحمد بن زهير قال: حدثني عبد الوهاب بن ابراهيم قال: حدثني أبو هاشم مخلد بن محمد بن صالح قال: كان أبو الورد وذكر مبايعته عبد الله بن علي وتبييضه بعد ذلك على ما سنورده في ترجمته ان شاء الله تعالى.
قال: فلما بلغ عبد الله بن علي تبييض أهل قنسرين خرج متوجها للقاء أبي الورد، وقد كان تجمع مع أبي الورد جماعة من أهل قنسرين، وكاتبوا من يليهم من أهل حمص وتدمر، فقدم منهم ألوف وعليهم أبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فرأسوا عليهم أبا محمد ودعوا اليه وقالوا: هو السفياني الذي كان يذكروهم في نحو من أربعين ألفا، فلما دنا منهم عبد الله بن علي، وأبو محمد معسكر في جماعتهم بمرج يقال له مرج الأخرم، وأبو الورد المتولى لأمر العسكر والمدبر له وهو صاحب القتال والوقائع، ووجه عبد الله بن علي أخاه عبد عبد الصمد بن علي في عشرة آلاف من فرسان من معه فناهضهم أبو الورد ولقيهم فيما بين العسكرين واستحر القتل في الفريقين، وثبت القوم وانكشف عبد الصمد، ومن معه وقتل منهم يومئذ ألوف وأقبل عبد الله حيث أتاه عبد الصمد ومعه حميد ابن قحطبة، وجماعة من معه من القواد فالتقوا ثانية بمرج الاخرم، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانكشف جماعة ممن كان مع عبد الله، ثم ثابوا وثبت لهم عبد الله وحميد ابن قحطبة فهزموهم، وهرب أبو محمد ومن معه من الكلبية حتى لحقوا بتدمر، وآمن عبد الله أهل قنسرين وسودوا وبايعوه ودخلوا في طاعته ثم انصرف راجعا الى أهل دمشق.
قال: ولم يزل أبو محمد متغيبا هاربا، ولحق بأرض الحجاز وبلغ زياد بن عبيد الله الحارثي عامل أبي جعفر على المدينة مكانه الذي تغيب فيه، فوجه اليه خيلا فقاتلوه حتى قتل وأخذوا ابنين له أسيرين، فبعث زياد برأس أبي محمد وبابنيه الى أبي جعفر، فأمر بتخليه سبيلها وأمنها .
أنبأنا سليمان بن الفضل قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: زياد بن عبد الله الأسوار بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية ابن عبد شمس، أبو محمد القرشي الأموي، كان من وجوه بني حرب، وكانت له دار بدمشق في ربض باب الجابية، ووجهه الوليد بن يزيد الى دمشق حين بلغه خروج يزيد بن الوليد، فأقام بذنبة، ولم يصنع شيئا، ثم مضى الى حمص، وخرج منها في الجيش الى دمشق للطلب بدم الوليد فأخذ وحبس في الخضراء الى أن بويع مروان بن محمد، فأطلقه ثم حبسه بحران بعد ذلك، ثم أطلقه، ثم خرج بقنسرين، ودعا الى نفسه فبايعه ألوف، وزعموا أنه السفيان، ثم لقيه عبد الله بن علي فكسره وهرب ولم يزل مستخفيا حتى قتل بالمدينة.
هرب أبو محمد في أول سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فقد قتل في هذه السنة أو في التي بعدها. .
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)