حيدرة بن الحسن بن أحمد بن علي الحلبي العدل الخطيب أبي تراب
ابن أبي أسامة
تاريخ الولادة | 400 هـ |
تاريخ الوفاة | 490 هـ |
العمر | 90 سنة |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
حيدرة بن الحسن بن أحمد:
ابن علي بن عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن بهلول الحلبي، أبو تراب العدل الخطيب ابن أبي أسامة، من ولد أسامة بن زيد من بيت مشهور بحلب، وفيهم جماعة من أهل العلم والحديث والأدب والخطابة بحلب، وقد ذكرنا جده أحمد وعم أبيه أبا القاسم الحسين، وسنذكر جد جد جده الخطيب أبا أسامة عبد الله، وأباه محمد بن بهلول، وكان أبو تراب هذا خطيبا بليغا له ديوان خطب حسنة الإنشاء، وله شعره، وكان إمامي المذهب، خطب بجامع حلب سنة ثلاث وستين وأربعمائة وقت حصار العادل ألب أرسلان بحلب محمود بن نصر بن صالح، ثم عزل، ثم خطب ثانيا بحلب للمصريين حين خطب الملك رضوان بن تتش للمصريين وقطع خطبة بني العباس، وعزل جدّ أبي القاضي أبا غانم عن القضاء والخطابة في سنة تسعين وأربعمائة ، وقيل إن أبا تراب لم يعش بعد ذلك إلا مدة يسيرة، ومات وكان قد أسنّ، ووقفت على شهادته في كتاب من كتب أوقاف الحلبيين مؤرخة بسنة خمس وثلاثين وأربعمائة، فيدل على أن مولده كان في حدود الأربعمائة بعدها.
وذكر لي بعض بني أسامة الحلبيين أنه ما زال مستمرا في الخطابة للمصريين بالبياض الى آخر سنة خمس وسبعين وأربعمائة وليس كذلك، بل خطب لبني العباس بالسواد في سنة اثنتين وستين وأربعمائة في أيام محمود ثم أعاد الخطبة للمصريين حين حصره ألب أرسلان، ثم أعادها لبني العباس في سنة ثلاث وستين حين خرج الى ألب أرسلان وأطاعه، واستمرت الخطبة لبني العباس الى زمن رضوان كما ذكرناه.
وسمع أبو تراب الخطيب الحديث من أبي عبيد الله عبد الرزاق بن أبي نمير العابد الأسدي، سمع منه ولداه: أبو القاسم عبد الله بن حيدرة، وأبو الفرج عبد الواحد بن حيدرة، وعبد الله بن عبد السلام النائب بحلب.
قرأت بخط أبي عبد الله محمد بن علي العظيمي، وأخبرنا به أبو اليمن الكندي- إذنا عنه- قال: وفي هذه السنة- يعني- سنة تسعين وأربعمائة خطب الملك رضوان بحلب للمصريين، وكان الخطيب أبو تراب له حكاية معروفة، وكان هذا الخطيب رأى مناما أنه لا يموت حتى يعود يخطب للمصريين دفعة ثانية، لأنه خطب لهم بحلب في حصار السلطان العادل فكان كذلك .
قرأت في خطب أبي تراب حيدرة من نسخة بخط ولده، وقرأها عليه:
أيها الناس العجل العجل قبل مرافصة الأجل وظهور القلق والوجل ومقام التوبيخ والخجل عند الوقوف بين يدي الله عز وجل، فكأنكم بطارق المنية قد قطع الأمنية، ونزل الحق الصراح، فنادى بعز لا براح، فلو أن له ما في الأرض جميعا ومثله معه ما دفع عنه ما نزل به ولا نفعه، فعلت الضجة عند تلف المهجة، وأرملت الصاحبة وندبت النادبة ووجبت نقلته من منزله وإزعاجه، وقال أحب الناس إليه: كرامته اخراجه فأصابه من جميع ما ملكه أكفانه وما حوته من الطيب أجفانه، وشيعه الأماثل الى أن أودعوه لحده وخلفوه مفردا وحده فعاين هنالك أحواله، فإذا كل ما هو فيه عليه لا له، فرحم الله امرءا سمع فوعى، وكان بما يسمعه منتفعا قبل فوت الإمكان، واشتمال الندامة على ما أسلفه من عمله ورآه قدامه.
ومن خطبة أخرى:
أيها الناس ما للقلوب حائدة عن سبل الخشوع وما للأبصار جامدة عن فيض الدموع، وما للأنصار قد أهلكها طول الهجوع، أتحققتم النجاة في المآب، أم تيقنتم الأمان في معادكم من العقاب، أم رضيتم بأعمالكم لمسائلة رب الأرباب، أم عدلتم على بصيرة عن نهج السبيل، أم رضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، «وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل» .
ومن أخرى:
أيها الناس، إن بقاءكم في هذه الدنيا الفانية قطع مسافة الى مدى واشتغالكم بجمع حطامها إقدام على مرافصة الردى، وإهمالكم طاعة ربكم في يومكم أمان مما يحدث غدا، كأنكم لا تعلمون أن أرواحكم لدعوة الحمام صدى، أو تجهلون أن الموت يبقى منكم أحدا.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي عن أبي الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة قال: أنشدني القاضي أبو الفضل هبة الله بن أحمد بن يحيى بن أبي جرادة لنفسه من أبيات كتبها الى الخطيب أبي تراب حيدرة بن أبي أسامة:
يا أوحد الخطباء غير منازع ... وجمال منبره وعالم عصره
ومهجّن الفصحاء في أقوالهم ... ومصرّف الكلم الفصاح بأمره
عزّت على طلابها فكأنها ... جعلت حبائس نظمه أو نثره
تهدي لسامعها لشدة عجبه ... سكرا وفيها صحوة من سكره
سلب البلاغة كل نطق ... فاغتدى ربّا لها لما غدت في أسره
وسما فحط الشهب في أفلاكها ... نثرا فنظمها طرائق شعره
ضلّ الذي جاراه في علمه ... يرجو اللحاق به ولا في قدره
هنّاه من أعطاه بارع فضله ... وأبان كل غريبة من فكره
توفي أبو تراب الخطيب في سنة تسعين وأربعمائة، أو بعدها بقليل على ما ذكرناه.
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)