حطان بن كامل بن علي بن منقذ
الكناني الشيرزي أمير شجاع شاعر، ولد بشيزر، وخدم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وحظي عنده فسيره إلى اليمن، وولي زبيد، وحصل بينه وبين عثمان بن الزنجاري باليمن خلاف، وكان صارم الدين خطلبا بزبيد فتوفي فحصل حطان بن منقذ بها في نحو ثلاثمائة فارس فوصل عثمان محاصرا لها في تسعمائة فارس، وكان الملك الناصر قد تخيل من حطان، وكتب إلى عثمان بالتحيل على حطان والقبض عليه، فعرض الكتاب على الأمراء باليمن فامتنع قايماز وياقوت واليا الجبل، وامتنع صارم الدين خطلبا والي زبيد، وغلبه دقش أحد أمراء الجند، وكان سير مع خطلبا وخدعه لمرضه حتى أدخل حطان الى زبيد ومكنه منها ودخل اليها يوم ثامن صفر سنة تسع وسبعين- يعني- وخمسمائة ومات خطلبا في تاسعه، واتفق دقش ومن معه مع حطان على العصيان والتحصن بزبيد ونزل عثمان على زبيد فحصرها، وكتب عثمان بذلك إلى الملك الناصر، وكتب دقش إلى الملك الناصر يذكر أنه كان سير رسولا إلى عثمان يسأله في الصلح والرجوع الى بلده فامتنع من ذلك، وأن عثمان قد كان حصر زبيد قبل موت خطلبا، فما وجدوا حيله إلّا أن صدروا له حطان لأمور أعظمها أن معه مالا ينفقه، وترك حطان على أنه مطيع يحضر الى الخدمة ويحاسب على المال، والرجل وأمراء العسكر محصورون، وانهم متماسكون إن وصلتهم نجدة عاجلة أو أمر يشغل عثمان، وأن دقش وقرا سليمان وحطان قالوا لهذا الرسول المسيّر: أخرج الى عثمان في المصالحة على أمر السلطان مهما وصل به امتثل.
وقرأت في تاريخ القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي الذي علق فيه الحوادث في كل يوم، قال فيه: وذكر الرسول أنه اجتمع بياقوت في تعز، وكان سار اليه رسولا من عثمان ان ينزل ويكون في خدمته فقال ما أفعل الا بكتاب من السلطان، وانه ارتهن عياله وخدعه سمين الله والطلاق، فركبت اليه وتسلم بلادي واقطع زبيد، وذكر الرسول أن خطلبا قال له: إني سقيت وتم علي الردى واني تالف لا محالة وما اشار الى احد، وكان رسول عثمان قد ذكر مثل ذلك واسند الفعل الى حطان.
قال القاضي الفاضل: وسيرت كتب إلى الملك الناصر وإلى الملك العادل وغيرهما من حطان وأخيه محمد ودقش وقرا سليمان وياقوت المعظمي، وتنوخ بن عبد المجيد تتضمن القضية المتفق على شرحها أن عثمان بن الزنجاري ما زال يخادع ياقوت وقايماز ويلاطفهما حتى انخدع له قايماز، وتراسلا في المصاهرة وتقرر المهر عشرة آلاف دينار مصرية، وأحضر الشهود، وكتب الكتاب، ونزل قايماز من حصنه ليعقد عقدة النكاح، فلما صار في خيمة عثمان سلسله وضايقه على تسليم ما بيده من البلاد والقلاع فتسلمها بأسرها وحاصر الجند ، وحلف لأهلها على أمانهم منه ومن عسكره، فلما فتحوا الأبواب هجم بعسكره وأباحهم دماء أجنادها وأموال أهلها ونساءهم حتى حكى أنه افتض في البلد سفاحا نحو ثلاثمائة بكر فضلا عن الثيب وقتل في المسجد نفران من الفقهاء في المدافعة عن حريمهما، وأن مسجدها الأعظم مسجد معاذ بن جبل انتهكت حرمته وهدمت جدرانه عند الهجمة وانصرف عنها، وحاصر قلاع ياقوت، واستخلص بعضها، وسار الى زبيد في أوائل المحرم سنة تسع وسبعين، فحاصرها وقاتلها قتالا شديدا، ونصب عليها السلاليم، واتفق مرض صارم الدين خطلبا وضعف منّته وإفلاسه مما ينفقه في العسكر، واختلاف وجوه الناس عليه، وضعف قلوب أهل زبيد بقوة عثمان بالمال والرجال وفتكه فيما استعصى عليه من البلاد وإتلافه أموالهم الظاهرة وموادهم من النخيل والكروم والأشجار، وتخريب الضياع وتعطيل المزارع، فجمع خطلبا أمراء المصريين الذين معه: قرا سليمان ودقش وغيرهما، وقال: ترون ما نزل بنا وما نحن عليه من عدم المال والرجال، ومتى ملك هذا الطاغية زبيد ملك اليمن كلها، وإني أرى أن نراسل حطان ونستحلفه على بذل جهده من المال والرجال والنفس في المدافعة عن هذا البلد ودفع هذا الرجل عنه، فرأى الجماعة ذلك الرأي، وراسلوا حطان بن منقذ وعرفوه الأمر، وكان قد أنجدهم قبل ذلك بأخيه محمد بن كامل في فرسان عدة، وكذلك أنجدهم ياقوت بعسكر، ولم يزل التردد بينهم وبين حطان حتى استوثق بعضهم من بعض بالأيمان، ودخل حطان زبيد في ثامن صفر، ومات خطلبا في عاشره، وأطلق حطان الأموال والخلع في العسكر، وتألف القلوب وتجرد لقتال عثمان وأصحابه ومنعهم من الخروج من خيامهم، ثم أشار الأمراء المصريون بمراسلة عثمان بن الزنجاري والتلطف له في الكلام، وأن يقال له: هذه البلاد في أيدينا أمانة للسلطان، وما نسلمها دون أن يقتل منا ومن جماعتك خلق كثير، فان رأيت أن تربح دماء الفريقين ونكاتب السلطان وننتظر أمره فالى من رسم بتسليم البلاد سلمت إليه بغير حرب، فنفر عثمان وقال: إنني أنا الملك العثماني المذكور في سير اليمن وملاحمها أنه يملك ما بين حضر موت ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أبرح على زبيد دون فتحها عنوة، وسلخ جلدي قرا سليمان ودقش، وصلب حطان، وإباحة نهبها وقتل مقاتلتها عشرة أيام، كما وعدت عسكري، وكما فعلت في الجند، فتجرد حينئذ من بزبيد لقتاله وفتحوا في سادس شهر ربيع الأول ثلاثة أبواب من أبواب زبيد والفترقوا ثلاث فرق وكبسوا عسكر عثمان بغتة فتقابض الفريقان باللحى، وتجالدوا بالسيوف، فانهزم عثمان وأسلم عسكره، فكثر فيهم القتل، وتبع الجند والراجل من انهزم منهم، وغنم عسكر زبيد منهم سبعمائة خيمة وألفي جمل، ونكسوا من فرسانهم ثلاثمائة فارس، ولم يسلم مع عثمان سوى ستة فرسان لا غير، وكتب حطان يبذل من نفسه الطاعة، ويسأل الصفح عما كان قذف به، وما تقوّل في حقه من قد ظهرت منافقته وكفرانه نعمة الاصطناع ويسأل إعلامه بما يعمل من المقام فتقرر له قاعدة أو الاستدعاء، فيتوثق بالأيمان ليصل ويكاتب الى من يتسلم البلاد، ويسأل يمين السلطان وخطه ويمين الملك العادل وتشريفا من لباس السلطان وتشريفا من الملك العادل، وتشريفين من الملكين العزيز عثمان والظاهر غازي وأمرا صريحا بما يعتمده من تسليم البلاد الى من يعين عليه، وكذلك حصن قوارير ، أو تقرير قاعدة له يخدم هناك بها، وبذل من نفسه موجب ما استقر بينه وبين خطلبا واستحلفه عليه، أن يحمل الى الخزانة الناصرية عشرة آلاف دينار، وان رسم استخدامه باليمن فهو يكفل بفتح كل ما كان في يد الملك المعظم ويوفر الغلات التي في الأهراء بزبيد على العسكر المصري ليتسفّر بها الى مصر في عوده.
قال القاضي الفاضل: وتحقق السلطان أمر هذه الكسرة وطاعة حطان، وأما ما كان من عثمان فإنه وصل الى جهة من أعمال التعكر ، واستقر بها لأن الجند خراب، فلما علم من ياقوت عجزه عنه وضعفه رجع الى الجند وعمّرها وصار يغير منها الى بلاد الأمير المذكور، ونزل على حصن من حصونه يقال له الحريم فاتصل الخبر بقحطان فجمع له وتجهز للطلوع، فلما علم بذلك رحل من الموضع، وأغار على جهة من جهات ياقوت يقال لها جبأ .
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)