الحسين بن علي بن سعيد:
ابن حامد بن عثمان بن علي بن جار الخير أبو عبد الله بن دبابة البزاز السنجاري، الملقب أمين الدين، وينبز بالبقيرة شاعر حسن الشعر من أهل سنجار، سكن بغداد وقدم حلب لاستخلاص أخيه من أسر الكرج، وكان لأخيه المأسور دين على الأمير سنقر الحلبي، أحد أمراء حلب فقدم أبو عبد الله بن بابة الى حلب، واستخلص دين أخيه لفكاكه من الأسر.
روى لنا شيئا من شعره ولده الفقيه شمس الدين علي بن الحسين، والقاضي أبو علي حسن بن محمد بن إسماعيل القيلوي، وأخبرني ولده علي أن دبابة الذي بنسب إليه رجل من العرب، قال: وجار الخير هو الذي نقل الى سنجار وأقام بها، وقال لي: سمعت ذلك من والدي الحسين بن علي رحمه الله، وكان مولده في سنة أربعين وخمسمائة.
أنشدنا أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن سعيد بن حامد المعروف بابن دبابة السنجاري بها وبحلب، قال: أنشدني أبي لنفسه يمدح الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين.
بصر هل بذي العلمين نار ... أم ابتسمت على أضم نوار
فان تك أو حشت منها ديار ... فقد أنست بحلتها ديار
ذراني كي أسيل بها دموعي ... وأسألها متى شط المزار
أصبرا بعدهم ولنا ثلاث ... عدمت تصبري وهم جوار
أحنّ وما الذي يجدي حنيني ... حنين النوق فارقها الحوار
وألتثم الثرى شوقا إليها ... ولا صبر لدّي ولا قرار
فان لاح الصّوار ذكرت ليلى ... وأذكرها إذا نفح الصّوار
تقول عوادلي والليل داج ... وللجوزاء في الأفق انحدار
تمتع من شميم عرار نجد ... فما شيم البروق عليك عار
فما تدري أيجمع منك شمل ... بعيد اليوم أو تنأى الديار
فإن فراقهم في العين ماء ... سفوح وهو في الأحشاء نار
فقلت لهم لئن عز التأسي ... وأعوزني على الوجد اصطبار
وفا جأني الزمان بكل خطب ... أليم ما لموهنه جبار
فلي بالناصر المنصور دامت ... أياديه على الزمن انتصار
إمام للبرية طاب أصلا ... وطاب الفرع منه والنجار
له خلقان من أري وشري ... إلى هذا يشار وذا يشار
أنشدني أبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل القيلوي من لفظه بمنزلي بحلب، قال: أنشدني أمين الدين الحسين بن دبابة السنجاري البزاز لنفسه بحلب يهجو أبا علي بن الربيع اليهودي رأس المثيبة ببغداد وكان يلقب بالبقيرة:
تبصر بقيرة آل الربيع ... عدمت البصيرة إثر البصر
سننت لذبحك موسى الهجاء ... وموسى الذي سن ذبح البقر
قال لي أبو علي القيلوي لقّب الأمين حسين في سنجار بالبقيرة بقوله هذين البيتين فلا يعرف بسنجار إلّا بالبقيرة.
أخبرني شمس الدين علي بن الحسين بن دبابة عن والده الحسين قال: كان في أيام شبابه يعتني بشيء من الهجو، قال: فبات ليلة فرأى أسدا عظيما قد أقبل نحوه قال: فخاف خوفا عظيما، قال: فقال له الأسد: تعود تهجو؟ فقال: لا، قال: فتب، قال: فتاب عن الهجو من ذلك اليوم.
أنشدني أبو الحسن بن الحسين بن دبابة بسنجار قال: كتب إليّ والدي في كتاب هذا الشعر لنفسه:
أراني أرى سنجار لا در درها ... إذا ما أجلت الطرف أرض وبار
جواري بها شرّ الجوار فعلني ... أراها وما أنهارها بجوار
وليت الحيا الوكاف لا جاد ربعها ... وشبت مغانيها الغداة بنار
فليس بها من يرتجى لملمة ... وليس بها يوما مقبل عثار
أظل بها حلف الهموم كأنما ... سقيت الردى فيها بكاس نوار
أخبرني أبو الحسن علي بن الحسين بن دبابة قال: كان عمي أسرته الكرج، وكان له دين على سنقر الحلبي الأمير بحلب، فسعى والدي في فكاكه، فقطع عليه الكراج أربعة آلاف دينار، فجاء والدي الى حلب واستخلص دين عمي من سنقر الحلبي، وجمع عليه شيئا آخر حتى تكمل أربعمائة دينار، وسار بها الى خلاط ، وكان في صحبته غلام لعمي المأسور فوصل والدي الى خلاط في الشتاء، وكان البرد شديدا، فالتفت الى غلام أخيه في ميدان خلاط، وقال يا فلان بالله لو أبصرت أخي الساعة هاهنا ما كان جيدا ونستريح من الصداع ومقاساة البرد، ومن جمع أربعة آلاف دينار وما معنا غير أربعمائة؟ قال: فما استتم الكلام حتى- رأى شخصا يعرفه من أهل سنجار فسلم عليه وقال: ما رأيت أخاك؟ قال: وأين أراه: قال: هو في المدينة فقال: لا تفعل، فقال: بلى والله، ودخل إليه وأخرجه من المدينة الى أبي، واجتمعا وقضى أمنية، وكان قد هرب من الأسر واتفق وما اتفق.
قال لي عز الدين أبو علي حسن بن محمد القيلوي: توجه ابن دبابة الى سنجار ثم نوجه منها الى دمشق فمات بها بعد سنة عشر وستمائة، وقال لي أبو الحسن علي ابن الحسين بن دبابة: توفي والدي في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وستمائة، عن ست وسبعين سنة.
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)