محمد مأمون بن أحمد الشناوي:
شيخ الجامع الأزهر. تعلم فيه وعين مدرسا لمعهد الإسكندرية، واختير للقضاء الشرعي (1917 م) وشيخا لكلية الشريعة (1932) وشيخا للأزهر (1948) إلى أن توفي. وكان من رجال الإصلاح، أرسل بعثة تعلمت الإنجليزية في انجلترة فكان أعضاؤها رسل الأزهر إلى العالم الإسلامي في الخارج، وربط الأزهر بالمعاهد الإسلامية في الباكستان والهند والملايو وغيرها. وفتح أبواب الأزهر فبلغ الوافدون في أيامه نحو ألفي طالب. وألّف كتاب (الإسلام - ط) أحاديث ودراسات. وقد يكون له غيره .
-الاعلام للزركلي-
الإمام محمد مأمون الشناوي.
إنه الإمام الشيخ محمد مأمون الشناوي، ولد في 10 من أغسطس 1878م، وقد كان أبوه أحد الأعلام المشهورين في مدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، كما أصبح حينما أقام بمدينة الزرقا بمحافظة دمياط بعد ذلك، وعرف بفقهه وصلاحه فيهما.
نشأ الشيخ محمد مأمون الشناوي في رعاية والده فحفظ القرآن الكريم، وأتم حفظه في سن الثانية عشرة من عمره، ثم قصد الأزهر، فأصبح في رعاية أخيه الشيخ سيد الشناوي الذي سبقه للتعليم في الجامع الأزهر، فشجعه على مواصلة التعليم وساعده في فهم ما استعصى عليه من دروس، فواصل دراسته بجد ونشاط حتى عُرف بين زملائه ونال إعجاب شيوخه، وكان من المقربين إلى الإمام محمد عبده صاحب حركة الإصلاح في الجامع، كما كان من أبرز تلاميذ الإمام الشيخ أبي الفضل الجيزاوي الذي أثره برعايته وتقديره.
مضى الشيخ الشناوي في طريقه ينهل من علوم اللغة وعلوم الدين، وجمع المتون والشروح والحواشي والتقريرات مما أهله لنيل شهادة العالمية، فتقدم للحصول عليها ولكن المغرضين دَسُّوا له عند أعضاء اللجنة بالوشايات واتهموه بنقدهم، ليس هذا فحسب بل اتهموه بكتابة الشعر - وهو أمر شنيع يحط من قيمة العالم آنذاك - ولكن الشيخ تقدم للامتحان، ووقف أمام لجنة الممتحنين يرد على أسئلتهم المعقدة، ويناقش أمامهم القضايا الصعبة الملتوية، وطال النقاش بينه وبين الشيوخ في إصرار منهم على تحديه، فتدخل الشيخ أبو الفضل الجيزاوي رئيس لجنة الممتحنين، والذي لم يكن على دراية بما يدور في خلد أعضاء اللجنة، ودافع عن الشيخ الشناوي وقال: إنه يستحق لقب عالم بما أظهره أمامكم من عرض للقضايا، وتفنيد لما عرضتم من أسئلة.
نال الشيخ المأمون شهادة العالمية عام 1906م، فعين مدرساً بمعهد الاسكندرية الديني فاشتهر بعلمه الغزير وخلقه الطيب وأصبح علماً بين أقرانه.
وفي عام 1917م تم اختياره قاضيا شرعيا لسعة أفقه وأخلاقه وعدالته، وعلمه الغزير، فزادت شهرته، ولمع اسمه وبات علماً كذلك بين القضاة، فتم اختياره إماماً للسراي الملكية التي كان يراعى في اختيار أئمتها توفر الثقة والتقدير فيهم كما يراعى فيهم الاحترام وغزارة العلم وسعة الاطلاع ورجاحة العقل.
استمر الشيخ في هذا المنصب وقد حظي باحترام الجميع وتقديرهم حتى صدر قانون تنظيم الجامع الأزهر والمعاهد الدينية عام 1930م أثناء ولاية الشيخ الظواهري لمشيخة الجامع الأزهر، فأنشئت الكليات الأزهرية وتم اختيار الشيخ الشناوي شيخاً لكلية الشريعة؛ فتاريخه حافل بالمآثر الحميدة ومناقبه الطيبة، فعمل الشيخ على ملء المنصب وحرص على تنظيم الإدارة في الكليات وتثبيت دعائهما وبناء هيكلها التعليمي بما يليق مع مكانة الأزهر وتاريخ الشيخ، فتحقق له ما أراد فلمعت الكلية بين باقي كليات الأزهر التي استحدثت آنذاك.
وفي عام1934م نال الشيخ عضوية جماعة كبار العلماء التي يوضع المرشح لنيلها تحت سلسلة من الاختبارات والتحري دون أن يدري، ثم تم تعيينه وكيلاً للأزهر ورئيسا للجنة الفتوى فيه عام 1944م.
لم يمض وقت طويل حتى توفى الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر فاتجهت أنظار العلماء تجاه الإمام الشناوي، فلم يكن هناك من هو أحق بهذا المنصب منه، ولكن الملك اختار لهذا المنصب الشيخ مصطفى عبد الرازق وزير الأوقاف الذي لم يكن شيخا بالأزهر وهو بذلك قد خالف قانون الأزهر الذى يمنع تولى المشيخة لغير من هم بين هيئة كبار العلماء، وأعلن العلماء رفضهم، فأرسل النقراشي باشا إلى الشيخ الشناوي وناقشه في الأمر، فقال الشيخ: إن القانون يمنع ذلك، فقال النقراشي: يجب تعديل هذا القانون نزولاً على رغبة الملك، وإن الشيخ عبد الرازق له كتب عديدة يستطيع مناقشة واحداً منها وينال به عضوية هيئة كبار العلماء، فقال الشيخ: والقانون يمنع ذلك أيضا وحدثت بينهما مناقشات لم تسفر عن شيء سوى تمسك النقراشي برغبة الملك ، وتوضيح الشيخ الشناوى لما ينص عليه القانون الخاص بهذا الأمر
وفى يوم الأحد 20 من ربيع الأول عام1367هـ = 18 من يناير عام 1948 م تم تعيين الشيخ محمد مأمون الشناوي شيخاً للجامع الأزهر عقب وفاة الإمام مصطفى عبد الرازق الذي كان عالماً استطاع بلباقته وحسن إدارته أن يجذب إليه العلماء الذين لم يكن رفضهم لتوليه المشيخة يتمثل في شخصه أو إنقاصاً من شأنه، ولكنهم كانوا حريصين على احترام القانون انطلاقا من احترامهم للجامع الأزهر رمز العزة الإسلامية وحضارة المسلمين ومقصد الطلاب والأساتذة من مشارق الأرض ومغاربها.
سعد العلماء بتولي الشيخ الشناوي مشيخة الأزهر فعمل على أن يكون عند حسن ظنهم - كما عهدوه - فأصلح شؤون الأزهر، ورفع من شأنه، وقضى على ما كان فيه من عصبيات ومنع الميول الحزبية من الانتشار داخله، وسعى للتآخي بين الطلبة فربطتهم الصلات القوية وبات الأزهر شعلة متأججة بنشاط الشيخ وحيويته فارتفعت ميزانيته إلىأكثر من مليون جنيه في ذلك الوقت، فأوفد البعوث العلمية إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي لنشر تعاليم الإسلام وتوضيح علومه وإظهار حضارته، كما أرسل البعوث التعليمية إلى إنجلترا لتعلم اللغة الإنجليزية، ثم أرسلهم إلى العديد من البلدان الإسلامية التي تجيد التحدث بها، وفتح أبواب الأزهر أمام الطلبة الوافدين من العواصم الإسلامية حتى زادوا على ألفي طالب فجهز لهم المساكن، وأعد لهم أماكن الدراسة.
وحرص الشيخ محمد مأمون الشناوي على زيادة وتنشيط التعليم الأزهري فعمل على نشر المعاهد الأزهرية في كل أنحاء مصر، وتم في عهده إنشاء خمسة معاهد كبيرة هي معاهد المنصورة، والمنيا، ومنوف، وسمنود، وجرجا وكلها معاهد نظامية.
ومن أهم مآثر الإمام الشناوي ما فعله لإلغاء البغاء في مصر، فقد كان عاراً في جبين المسلمين في العالم الإسلامي عامة، وفى مصر خاصة، وضعه الاستعمار ونص عليه بصفة رسمية حتى ينشر الفساد في المجتمع والانحلال في الأمة بحجة واهية لا أساس لها من الصحة.
وظل الشيخ الشناوي يواصل عمله من أجل إعلاء شأن الأزهر فجدد المباني، وشاد أخرى، ونظم العلوم، ونشط في توجيه أبنائه، فأخذ ذلك كل وقته لدرجة جعلته لا يتمكن من وضع المؤلفات وكتابة الأبحاث إلا القليل النادر الذى لم تذكر عنه المصادر التي ترجمت له سوى إشارات بعيدة لا تفيد.
وانتقل الشيخ الشناوي إلى رحاب ربه صباح يوم 21 من ذي القعدة عام 1369هـ = 4 من سبتمبر عام1950 م بعد أن صنع رجالاً وعلماء حملوا من بعده مشاعل النور إلى كل أنحاء العالم، كان من أبرزهم نجله العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبد العزيز الشناوي رحمه الله.
انظر كامل الترجمة في كتاب شيوخ الأزهر تأليف سعيد عبد الرحمن ج/4 – ص 5 – 8.