إسحاق بن علي بن إبراهيم بن يوسف الفصيص بن يعقوب،
وقيل هو الفصيص بن إبراهيم بن إسحاق بن قضاعة بن تويب الفصيصي، أبو يعقوب بن أبي الحسين التنوخي وسنذكر تمام نسبه الى تنوخ في ترجمة جد جد جده إسحاق بن قضاعة إن شاء الله تعالى، وكان أبو يعقوب هذا من الأمراء المذكورين، الفضلاء والنبلاء الممدحين الكرماء، وبيتهم بيت عريق في التقدم والولايات بقنسرين وحلب وبالعلم.
قرأت في أشعار أبي الحسن محمد بن عيسى النامي العراقي اليشكري، بخط القاضي أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي قاضي معرة النعمان، وسمعه منه، قصيدة يمدح بها الأمير أبا يعقوب إسحاق بن علي الفصيصي التنوخي أولها:
صنت دمعي إلا ليوم الفراق ... فهو وقف عليه حتّى التلاقي
لست أقضي حق الأحبة حتى ... أمزج الدمع مع دمي في المآقي
فتحال الدموع والدم درّا ... وعقيقا في المدمع الرقراق
قال فيها:
ليس يشفي من النوائب إلّا ... كلّ وجناء عنتريس دفاق
كلما أيقظت تراب فلاة ... نوّمته في صحصح أو رقاق
تحرق الأرّم اغتياظا على الدّه ... ر إذا نوخت بماء حراق
فاستثارت من الزمان بمن يم ... لك قبض الأرواح والأرزاق
بالأمير السميدعي أبي يعق ... قوب ذي الطول والعلى اسحاق
بالحسيب النسيب والسيد الأ ... يد والأروع الفتى الغيداق
والخضم الغطم والأبلج الأ ... بلح أصلا والمدره المسلاق
وإذا الحرب أوقدت وغدا الم ... وت لديها مشمرا عن ساق
زوّج السيف بالرقاب فأضحت ... أرؤس عن جسومها في طلاق
وترى رمحه إذا اصطلت الأيد ... ي ولوجا بين اللهى والتراقي
لعلي وللفصيص وفهم ... وتنوخ به أشم المراقي
نسب منه يستعار رضا ... ء الشمس والفجر ساعة الاشراق
لو على الليل كان صار نهارا ... أو على البدر لم يخف من محاق
وإذا ما الغمام أكدى رتعنا ... في حيا جود كفه المهراق
ملك أدب الزمان فلاقى ... معتفيه بأحسن الأخلاق
وسمت مكرمانه الناس حتى ... صرن فيهم قلائد الأعناق
منها:
أنت باب الإمام والعالم الباط ... ن مفتاح مبهم ذي انغلاق
رحمة كالغمام أنت على الشا ... م وآثارها بأرض العراق
فدعاك الإمام بحرا ولكن ... ك عذب المذاق غير زعاق
فالورى شاربون منه جميعا ... ومعد أبو تميم ساق
ولقد كان عاطلا عنق الده ... ر فحليت بالعلوم الدقاق
إن آل الفصيص شادوا ذر ... ى المجد بدر العطاء غير فواق
وعليّ أبوك ما زال فينا ... باقيا شخصه وشخصك باق
فأنفذ اليه ثيابا وأهدى اليه أشياء حسنة، فعمل هذه الأبيات، ولم ينشده إياها، وخرج من اللاذقية مبادرا.
بأبي نائل أتاني جسيم ... مستفيض كما تفيض الغيوم
حامل فوق ظهره لي علما ... قدره في الإسلام قدر عظيم
ذو معان كأنما هن أروا ... ح لطاف لها العقول جسوم
بأبي والد غذاني كبيرا ... لبنا شربه براد جميم
فإذا قيل لي: اتصف قلت: إني ... أنا كهل طفل رضيع فطيم
ففديناه من صروف الليالي ... وفداه أخوه ابراهيم
قد نأيناه والزمان ضحوك ... وأتيناه- والزمان شتيم
وقصدناه عاطلين فحلى ... فعلينا من راحتيه نعيم
فانصرفنا من عنده وقرانا ... حين ضفناه نائل وعلوم
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)
إسحاق بن يوسف الفصيص بن يعقوب التنوخي الفصيصي،
أبو يعقوب، وقد سبق ذكر تمام نسبه فيما تقدم، وكان أمير حمص، واللاذقية، وجبلة، وهو والد محمد والحسين ممدوحي أبي الطيب المتنبي، وكانت الولاية على هذه المواضع المذكورة له ولأخيه إبراهيم في سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وهما اللذان أوقعا بالأكراد في سنة ثلاثمائة، ومقدمهم يومئذ أبو الحجر المؤمل بن مصبّح، وهزم عسكر أبي الحجر وقتل أكثرهم، وهرب أبو الحجر فطرح نفسه في بحيرة أفامية، فأقام فيها أياما في الماء.
وفي تلك الوقعة يقول بعض شعراء تنوخ يصف فعل أبي الحجر:
توهم الحرب شطرنجا يقلبها ... للقمر ينقل فيها الرخّ والشاها
جازت هزيمته أنهار فامية ... الى البحيرة حتى غط في ماها
وإسحاق هذا وأخوه إبراهيم هما اللذان سريا خلف الروم حين افتتحوا اللاذقية وجبلة، والهرياذة ، وأسروا من كان فيها من المسلمين، وكانا بحمص، فلم يلحقا الروم، فكاتبا رئيس الأساقفة بقبرس وتهدداه فأطلق جميع الأسرى، وقد ذكرنا ذلك في ترجمة أخيه ابراهيم.
وقدم إسحاق حلب سنة تسع عشرة وثلاثمائة، وكان طريف السبكري صاحب حلب قد حاصره وجماعة أهله في حصونهم باللاذقية وغيرها وحاربوه حتى نفد جميع ما كان عندهم من القوت والماء فنزلوا على الأمان، ودخلوا معه حلب مكرمين.
قرأت معنى ذلك جميعه في تاريخ أبي غالب همّام بن الفضل بن المهذب المعري، ثم قرأته بخط جد أبيه أبي الحسين علي بن المهذب المعري التنوخي في جزء علقه في التاريخ.
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)