محمد علي (باشا) ، وأصل اسمه محمد بن علي بن محمد الفقيه البقلي:
طبيب من نوابغ مصر. ولد في زاوية البقلي (بقرب المنوفية) وتلقى مبادئ العلوم والطب في القاهرة، وأرسلته حكومة مصر لإتمام دروسه في باريس. وعاد سنة 1253 هـ فذاعت شهرته، ونبغ في فن الجراحة. وتقلب في المناصب إلى أن جعله الخديوي إسماعيل رئيسا للمدرسة الطبية المصرية، فاستمر فيها إلى أن نشبت الحرب بين مصر والحبشة، فذهب مع الجيش المصري فتوفي في تلك الرحلة.
من كتبه في فن الجراحة (روضة النجاح - ط) و (غرر النجاح - ط) و (غاية الفلاح في أعمال الجراح - ط) جزان، و (نشر الكلام في جراحة الأقسام) وله (قانون الطب) مات قبل أن يكمله، ورسالة في (الرمد الصديدي) . وهو أول من أصدر مجلة عربية طبية بمصر، أنشأها سنة 1865 م، وسماها (اليعسوب) .
-الاعلام للزركلي-
محمد علي باشا الحكيم
محمد علي باشا الحكيم 1228 - 1293هـ.
رئيس المدرسة الطبية المصرية وكبير جراحيها
هو السيد محمد علي بن السيد علي الفقيه البقلي بن السيد محمد الفقيه البقلي، ولد في زاوية البقلي التابعة لمديرية المنوفية سنة 1228هـ، ونشأ فيها حتى ترعرع، فأدخله أهله مكتبا في تلك البلدة، فتعلم مبادئ الكتابة وقرأ القرآن، فلما بلغ التاسعة من سنه جاء به أحمد أفندي البقلي إلى القاهرة، وأدخله مدرسة أبي زعبل التي كان قد بناها المغفور له محمد علي باشا الكبير في قرية أبي زعبل، وفيها مكتب ديواني، فمكث فيه ثلاث سنين أتم فيها قراءة القرآن، وتلقى بعض مبادئ العلوم اللغوية، فنقله إلى المدرسة التجهيزية فمكث فيها أيضا ثلاث سنين، فأظهر من الذكاء والاجتهاد ما حبب به أساتذته؛ لأنه كان ممتازا عن سائر أبناء صفه، راغبا في العلم، فنقلوه إلى مدرسة الطب، وكانت تحت إدارة المرحوم كلوت بك محيي العلوم الطبية في الديار المصرية، ففاق أقرانه وظهرت فيه مخائل النجابة وحدة الذهن، حتى إذا صدر أمر محمد علي باشا بإرسال نخبة من تلامذة تلك المدرسة إلى باريس للتبحر في العلوم الطبية كان صاحب الترجمة في جملة المنتخبين، وعددهم اثنا عشر شابا، وقد أتموا دراسة الفنون الطبية، وفيهم من نال رتبة اليوزباشية.
وكان راتب السيد محمد علي عند سفرته هذه مائة وخمسين قرشا، فأوصى بخمسين منها لوالدته وأبقى لنفسه مائة، فدخل مدرسة باريس الطبية، وبذل غاية جهده في تحصيل علومها، فنال حظا وافرا من سائر علوم الطب والجراحة، وشهد له أساتذته بالامتياز على سائر رفاقه مع أنه كان أصغرهم سنا، وما زالوا في تلك المدرسة حتى أتموا دروسهم وقدموا امتحاناتهم الشفاهية، ولم يبق عليهم إلا الامتحان الخطي، وهو عبارة عن تأليف رسالة في الطب يقترحها عليهم الأساتذة، فوردت عليهم الأوامر بالعودة إلى مصر، فعادوا فإذا بذلك الأمر قد صدر لهم سهوا بغير علم العزيز، فأمر بعودتهم إلى باريس لإتمام الامتحان ونيل الشهادة الطبية، فعادوا إليها فامتحنوهم خطا، فألف المترجم رسالة طبية في الرمد الصديدي المصري، وقعت وقعا حسنًا لدى أساتذته، فمنحوه الشهادة وعاد إلى مصر سنة 1253ه، وكانت شهرته قد سبقته إليها فتعين حال وصوله باش جراح، وأستاذا للعمليات الجراحية الكبرى والصغرى والتشريح الجراحي، وأنعم عليه محمد علي باشا إذ ذاك برتبة صاغقول أغاسي، ولم تمض مدة حتى نال رتبة بكباشي.
فلما كانت ولاية المغفور له عباس باشا الأول حصلت بينه وبين بعض أطباء المستشفى الأوروبي منافسة، فأمر بنقله إلى ثمن قوصون من أثمان القاهرة ليتولى التطبيب فيه على نفقة الحكومة، وكان قد ذاع صيته بين الناس، فتحول المرضى من مستشفى قصر العيني إلى ثمن قوصون، وزاد اشتهاره بالفنون الطبية، وخصوصا الجراحة، وما زال يطبب في ذلك الثمن خمس سنين متوالية، فأنعم عليه برتبة قائمقام، وتعين رئيسا لأطباء الآلايات السعيدية، ولكنه لم يمكث في ذلك المنصب إلا قليلا، فاعتزل المناصب ولزم منزله سنة، ثم تعين رئيسا لجراحي قصر العيني، وأستاذا للجراحة، ووكيلا للمستشفى والمدرسة الطبية، فقام بمهام أعماله حق القيام، فأنعم عليه برتبة أميرالاي، وكان ذلك في عهد المغفور له سعيد باشا؛ فقربه منه وجعله حكيمه الخاص، وأدخله في معيته مع بقائه في مناصبه المشار إليها، ثم أحسن إليه برتبة المتمايز، فلما سافر سعيد باشا إلى أوروبا سار صاحب الترجمة في معيته.
ولما توفي سعيد باشا وتولى المغفور له إسماعيل باشا الخديوي الأسبق، تعين المترجم رئيسا للمستشفى والمدرسة الطبية، وفي سنة 1290هـ نال الرتبة الأولى من الصنف الثاني، وفي آخر سنة 1292هـ لزم بيته وانقطع عن الأعمال، ولم يعلم سبب ذلك، فلما كانت الحرب بين مصر والحبشة سار (رحمه الله) في الحملة المصرية التي سافرت إلى الحبشة برفقة المرحوم البرنس حسن باشا، عم الجناب الخديوي، فخدم الجنود المصرية هناك خدما يذكرها له العارفون، ولكن أجله عاجله في الحبشة فتوفي هناك سنة 1293هـ/سنة 1877م ولم يعلم أحد مكان ضريحه، على أن لهم في ذلك أقوالا مختلفة، نذكر منها رواية كتب بها إلينا حضرة مصطفى أفندي صبري قومندان حملة طوكر في ذيل كتاب اقترح فيه نشر ترجمة صاحب الترجمة، وهاك نصها، قال:
ومما يهمني ذكره ليطلع عليه أبناء وطني أنه بلغني من بعض الأحباش أن الفقيد - تغمده الله برحمته ورضوانه - قد أقيم له قبر بالحبشة ببلدة تسمى جراع، ما بين عدوى وأسمرة، إلا أنها أقرب إلى هذه من تلك، وقد شيدوا فوق القبر قبة عظيمة يزوره فيها الأحباش على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، ويقيمون له الدعوات، وليس ذلك إلا تعظيما له وتخليدا لذكره، مع علمهم بأنه كان في مدة حياته سفاكا لدمائهم، راغبا في سلب أملاكهم، وإن يكن في ذلك مأمورا لا آمرا، وهي خدمة يستحق عليها أهل الحبشة الشكر والثناء لقيامهم بواجب قصر عنه أبناء جنسه، وخصوصا الذين ارتشفوا من بحر علومه.
وكان (رحمه الله) حائزا للنيشان المجيدي من الرتبة الثالثة، ناله مكافأة لما بذله من الجهد وأظهره من الشهامة في حوادث الهواء الأصفر سنة 1865م، وله في الطب مؤلفات حسنة، منها كتاب في العمليات الجراحية الكبرى، وضعه في اللغة العربية في مجلدين، وسماه (غاية الفلاح في أعمال الجراح)، وكتاب في الجراحة أيضا في ثلاثة أجزاء، وباشر تأليف قانون في الطب، وقانون في الألفاظ الشرعية والمصطلحات السياسية، ولم يمهله الأجل لإتمامها.
وكان محبا لوطنه، راغبا في ترقية شأنه، عاملا على بث العلوم والمعارف بين أبنائه، غيورا على الفقراء، طويل الأناة في معالجتهم، لا يلتمس على ذلك أجرا، ومما يذكره له العارفون أن معظم أساتذة الطب ومن تولى رئاسة المدرسة الطبية بعده هم من تلامذته، وقد سمعنا الثناء عليه من جماعة كبيرة من الأطباء المصريين وغيرهم، وامتدحوا مهارته بنوع خاص في الفنون الجراحية.
وقد أعقب أولادا نجباء، عرفنا منهم الدكتور أحمد باشا حمدي
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، تأليف جُرجي زيدان، ج/2 – ص: 167 – 170.